الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أدعياء ينشرون الفوضى والفتن بدعوى الاجتهاد وبغرض الشهرة

أدعياء ينشرون الفوضى والفتن بدعوى الاجتهاد وبغرض الشهرة
30 أكتوبر 2009 00:16
الحديث في الدين بغير علم وادعاء القدرة على الاجتهاد من الظواهر التي برزت مؤخرا في مجتمعاتنا، خاصة من جانب الباحثين عن الشهرة وأصحاب المصلحة الذين تسببوا في إثارة البلبلة وإشاعة الفوضى تحت شعارات التيسير والضرورات تبيح المحظورات. وبالرغم من أن الإسلام لا يعرف الحجر على الحريات وخاصة الفكرية ويؤكد حرية الرأي، وأن باب الاجتهاد مفتوح أمام الجميع، فإن التساؤلات التي تطرح نفسها بقوة تتركز حول معالم حرية الاجتهاد المكفولة في نظر الإسلام، وهل هناك ضوابط تضمن ألا يتحول هذا الاجتهاد إلى فوضى وفرقعات إعلامية الهدف منها افتعال القضايا والرغبة في الشهرة ولفت الانتباه على حساب ثوابت الإسلام وقيمه؟! يوضح الدكتور مبروك عطية، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، أن الاجتهاد المعاصر يعانى العديد من الإشكاليات أهمها أنه قد يتعرض للخطأ إذا صدر من أهله بشروطه أو للانحراف إذا صدر من غير أهله أو غلب فيه الهوى أو لم يستفرغ الفقيه وسعه في معرفة الحكم الشرعي. ويضيف أن من مشكلات الاجتهاد أيضا الغفلة عن النصوص بسبب سوء الفهم أو تحريفها عن مواضعها والإعراض عن الإجماع المتيقن والقياس في غير موضعه وتجاهل واقع العصر والغلو والتشدد في اعتبار المصلحة ولو على حساب الشرع، وما يزيد المشكلة أن بعض الأدعياء يتخذ من الاجتهاد فرصة للبحث عن الشهرة ويعتبره وسيلة للفت الانتباه، حتى ولو كان ذلك عن طريق التلاعب باللفظ أو أحكام الشرع. ولذلك يريدون أن يكون الاجتهاد على إطلاقه دون ضوابط أو قيود بحجة مسايرة العصر. مفهوم الاجتهاد وللاجتهاد مفهوم وقواعد محددة يعلمها أهل الاختصاص كما يقول الدكتور جعفر عبدالسلام -الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية- موضحا إن الاجتهاد هو استفراغ الوسع في أي عمل كان، وفي الفقه هو بذل الوسع في نيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط، ولذلك كان الإمام الشافعي -رضي الله عنه- يقول على أن المجتهد لا يقول في المسألة لا أعلم حتى يجهد نفسه في النظر فيها ولم يقف، أي على علم بحكمها، كما أنه لا يقول أعلم ويذكر ما علمه حتى يجهد نفسه ويعلم. ويؤكد أن التوصل للحكم بطريق الاستنباط لا يكون إلا لفقيه والمراد بالفقيه المتهيئ للفقه الممارس له الذي يتقن مبادئه، بحيث يقدر على استخراج الحكم الشرعي من القول إلى الفعل وليس من يحفظ الفروع الفقهية فقط ولا يعرف مقاصد الشرع. وأوضح أنه يجب أن يكون المجتهد على علم كاف بالقواعد الشرعية وبالنصوص وبالكليات والجزئيات، وأن تكون الغاية من الاجتهاد إقامة الدين وتحقيق مصالح الناس على أساس أحكام الشرع وسياسة الدنيا بالدين وألا يكون المجتهد صاحب غرض أو هوى ويطوع النصوص دون مراعاة للشرع. تحرير عقلية المسلم ويلفت إلى أنه لابد أن يكون المجتهد من ذوي العلم والتقوى الذين لا يخافون في الله لومة لائم كما ينبغي ألا يتعصب المجتهد لجماعة أو لحزب أو لطائفة أو مذهب بحيث يكون متجردا في فتاواه وأحكامه، وأن يلتزم بمنهج الإسلام الذي يرسي الوسطية والاعتدال ويسعى لتحرير عقلية الإنسان المسلم من المذهبية الضيقة أو الاتجاهات السياسية أو الإقليمية التي لا تنتهج الموضوعية وتتصادم من ثوابت الأمة ولا يقرها الإسلام. ويوضح الدكتور جعفر عبدالسلام أن الفقه الإسلامي وضع من الوسائل والأساليب ما يضمن له دائما أن يساير أحداث الزمن وتمكن العلماء من إعداد الكثير من القواعد والوسائل التي تساعد على تجديد أحكام الفقه الإسلامي في مجال الأحكام الظنية على وجه الخصوص، وهي الأحكام القابلة للاجتهاد والتجديد ومنها قاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان وقاعدة أن الحكم الشرعي يدور مع علته وجودا وعدما، مبينا أنه يوجد باب واسع للاجتهاد هو باب المقاصد والمصالح المرسلة ويسمح باستخراج أحكام شرعية تبنى على مقاصد الشارع في حفظ الأنفس والأموال والأعراض وأيضا فقه السياسة الشرعية الذي يعطي لولي الأمر حق الاجتهاد لمواجهة المشكلات التي تستجد في حياة الناس ويدير شؤون الدولة بناء على ذلك. شريعة حضارية ويؤكد الدكتور صبري عبدالرؤوف، أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر، أن الشريعة الإسلامية شريعة حضارية بناءة تصلح لكل زمان ومكان لأنها تعمل على مصلحة الفرد والمجتمع، ولذلك تعطي كل إنسان الحق في أن يعبر بحرية بشرط إلا يجلب الضرر لنفسه أو لأبناء مجتمعه فالإنسان حر ما لم يضر. ويقول إن الوضع يختلف بالنسبة للمسائل الشرعية والأمور العامة، خاصة فيما يحتاج إلى اجتهاد، فإن ذلك ينبغي أن يرجع فيه إلى العلماء المتخصصين الورعين الذين يستنبطون الأحكام من الأدلة الشرعية فلا يخالفون نصا من كتاب الله أو سنة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهؤلاء هم الذين تتوفر فيهم شروط الاجتهاد. شروط الاجتهاد ويضيف أن من لم تتوفر فيه شروط الاجتهاد لا يجوز له أن يقحم نفسه في أمور هو في الغالب لا يفهمها أو لا يفهم نتائجها المرجوة، فكيف يجتهد من لا يحفظ القرآن أو من لا يكون عالما بالسنة أو الناسخ والمنسوخ أو المطلق والمقيد أو العام والخاص أو لا يكون عالما بالقواعد الأصولية أو القواعد اللغوية، فهذه كلها أدوات المجتهد وغيرها من الأدوات التي يعتمد عليها كل فقيه حينما تعرض عليه مسألة. ويشير إلى أن الصحابة مع علمهم وقدرتهم على الاجتهاد لتتلمذهم جميعا في مدرسة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا يتجرأون على الفتوى أبدا، بل كانوا يحترزون وكان السائل مثلا يأتي سيدنا عبدالله بن عباس وكلنا يعرف منزلته وقدرته على استنباط الأحكام من مصادرها الصحيحة، فكان يقول للسائل: اذهب إلى من هو أعلم مني، اذهب إلى زيد بن ثابت. ويذهب السائل إلى زيد بن ثابت فيقول له اذهب إلى عبدالله بن عمر ثم يحيله بدوره إلى عبدالله بن مسعود ويحيله كل واحد إلى غيره حتى يجد السائل نفسه قد عاد إلى عبدالله بن عباس فيجد نفسه مضطرا إلى إجابته. التجرؤ على الفتوى ويقول د. صبري عبدالرؤوف إن هذا لم يكن عن عدم دراية من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإنما كانوا لا يحبون التجرؤ على الفتوى لان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار››. وفى بعض الأحيان قد يمتلك الإنسان وسائل الاجتهاد، لكنه يريد مخالفة غيره لفصاحة لسانه وقوة بيانه، وذلك من باب «خالف تعرف» فمثل هذا لا نقبل منه فتوى لأنه يشترط في العالم المجتهد أن يكون ورعا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: «واتقوا الله ويعلمكم الله»، فتقوى الله مطلوبة قبل العلم، لأن العلم أمانة ولا يعطى لكل إنسان، وينبغي على الناس أن يستفتوا العالم الورع الذي لا يخشى في الله لومة لائم، وإلا أصبحت الأمور فوضى. ويقول الدكتور مبروك عطية -أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر- إن الاجتهاد من السمات الجليلة التي تنفرد بها الأمة الإسلامية، ولأن رسالة الإسلام هي خاتمة الرسالات السماوية ومنهجه متكامل يدعو إلى تحقيق المصلحة والابتعاد عن المفاسد ويرفض التحجر والتقوقع وتعطيل مصالح الناس وعدم التفاعل مع الحياة ومستجداتها أقر الإسلام الاجتهاد واعترف بدور العلماء المجتهدين في النظر ودراسة المستجدات والوقائع وردها إلى القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية، وخاصة الأمور بمقاصدها والمشقة تجلب التيسير، وأن الضرر يزال، والعادة محكمة، وغيرها من القواعد والضوابط المهمة التي تعين في الوصول إلى الحكم الشرعي. الاجتهاد ضرورة ويضيف أن أئمة الفقه والعلماء حرصوا على وضع شروط وضوابط يجب تحققها في المجتهد، كما حددوا نوعية القضايا التي يسوغ فيها الاجتهاد، وخاصة أن هناك الكثير من القضايا التي تفرزها ظروف الواقع المعاصر وتعقيداته في كافة المجالات والمجتمعات الآن تموج بكثير من المستجدات والنوازل جعلت الاجتهاد ضرورة خاصة في المسائل المستجدة كمجالات الطب والاقتصاد والأسرة وفي العلاقات الدولية وغيرها
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©