الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشيطان «الأزرق» قاتل الصغار

الشيطان «الأزرق» قاتل الصغار
30 أكتوبر 2009 00:16
الطقس شتوي بارد، والظلام يخيم على القرية الصغيرة، وازداد سواده مع تلك الغيوم الداكنة التي كانت تغطي السماء، فلم يعد هناك أثر لضوء قمر، وأعمدة الإنارة في الشوارع لم تكن قادرة أو صالحة لتبديد الظلام. فهي متباعدة ومعظمها بلا مصابيح، خلت الطرقات من المارة تقريبا إلا قليلا، فقد أوى الجميع الى بيوتهم بعد صلاة العشاء ولم تعد بهم حاجة للسير ليلا، وهربوا من البرودة الشديدة الى التدفئة بإشعال النيران في الأخشاب التي أعدوها خصيصا، في هذا الهدوء الشديد انطلقت صرخات امرأة تشق السكون، وصلت الى كل الآذان فخرج الجميع رجالا ونساء شبابا وشيبا، أطفالا وكبارا ليستكشفوا الأمر، فالصرخات جاءت متتالية تدل على كارثة لا يعرفون ما هي، ولأن الجميع تربطهم علاقات قرابة أو نسب أو مصاهرة فقد أصابهم الفزع لأن هذا المكروه الذي وقع سيكون لكل منهم علاقة به وسيتضررون منه بأي شكل، التقوا في الطرقات يتبادلون التساؤلات بلهفة يريد كل منهم أن يعرف ما حدث حتى وصلوا إلى مصدر الصرخات وقد ازدادت مع تكاثر عدد النسوة اللاتي سبقن إلى المكان وشاركن في هذا العويل والنواح حتى لا تعرف أيهن يخصها المصاب، وانخلعت القلوب مع الخبر الحزين المؤسف. التلميذ القتيل لقد عثر على الطفل «فارس» التلميذ بالصف الأول الإعدادي قتيلا، وجدوا جثته تحت كومة من الحطب والقش بعدما اختفى طوال اليوم وبحثوا عنه في كل مكان إلى أن كانت المفاجأة المؤلمة، لكن الجريمة غير عادية ليست مجرد حادث قتل، وإنما تبين أن الطفل تلقى أكثر من عشرين طعنة بسكين في جسده النحيل بما يشير الى أن القاتل ارتكب جريمته بقصد الانتقام وإلا كانت طعنة واحدة كافية لأن تودي بحياته، وازداد الأمر تعقيدا عندما وجدوا عين الطفل اليسرى مفقودة، مما يدل على أن هناك هدفا آخر وهو سرقة أعضائه. فتش رجال المباحث، وفحصوا وجمعوا المعلومات من هنا وهناك، أياما وأسابيع ولم يصلوا الى أي خيط يقودهم الى القاتل، خاصة أن والد الطفل القتيل مسالم ومحبوب ولا توجد بينه وبين أحد أي عداوة أو خلاف، وكانت النتيجة أن قيدت القضية ضد مجهول، مات الطفل البريء، بينما القاتل يرتع حرا طليقا، أفلت من العقاب ولم تصل اليه يد العدالة، لكن الحادث خلف في قلوب جميع أبناء القرية الرعب والخوف، فمع عدم القبض على القاتل، خرجت الشائعات من كل صوب وحدب عبارة عن سيناريوهات وخيالات وأحداث مختلفة من الأوهام لا صلة لها بالواقع، قالوا إن عصابة كبرى تقوم بخطف الصغار وتسرق أعضاءهم بعد قتلهم وبيعها بمبالغ طائلة لأبناء الأثرياء المرضى الذين في حاجة الى قطع غيار بشرية، وقالوا إن الكنوز المدفونة في الأرض وفي الصحاري لا تخرج إلا إذا ذبحوا عليها طفلا ولا تفتح إلا بدم بشري يقدمونه قربانا لحارسها من الجن، وعلى هذه الشاكلة خرجت الأقاويل والحكايات البعيدة عن الحقيقة، حتى أن الناس استدعوا من ذاكرتهم الأساطير القديمة، والأحاجي التي كانوا يتسامرون بها في الليالي المقمرة وحولوها الى حقائق حديثة وتناقلوها على أنها تحدث الآن، فاغلق الجميع أبواب بيوتهم على أطفالهم خشية أن يصيبهم مكروه أو يقعوا ضحية واحدة من هذه العصابات الإجرامية التي لا ترحم. جثة ثانية شهور طويلة مضت لم تكن كافية لنسيان هذه الجريمة الغامضة التي تحولت الى لغز كبير استعصى على الحل، فالنيران التي في قلب والد الطفل وأمه تزداد اشتعالا حزنا وكمدا على ابنهما الذي راح ضحية دون ذنب اقترفته يداه، يشعران في كل لحظة أن الطعنات التي كانت في جسده تتكرر في جسديهما، ولم يتوقف الحديث عن «فارس»، وقبل أن يحاول أهل القرية نسيان الواقعة المؤلمة، وقبل أن يتغلبوا علىآثارها وينسوا، تكررت الجريمة مرة اخرى بنفس الطريقة عندما عثروا على جثة الطفل «سعد» التلميذ بالابتدائي، خرج في المساء بعدما غابت الشمس لشراء الحلوى وبعض احتياجاته من الأدوات الكتابية والقرطاسية مع بدء العام الدراسي الجديد، لكنه تأخر ولم يعد فشعر أبوه بالقلق، خاصة أن المخاوف بعد مقتل «فارس» مازالت تسيطر على أهل القرية، ففزع هو وزوجته وراحا يبحثان عن ولدهما الصغير، يشاركهما الأهل والأقارب والجيران كما خرجوا في الحادث الأول، حملوا المشاعل في الأماكن المظلمة، وكانت الفاجعة الثانية التي هزت القرية الآمنة عندما عثروا على «سعد» جثة هامدة، أيضا تحت كومة من القش والحطب بجوار المقابر وبها عدة طعنات متفرقة في الجسد ويتم إبلاغ رجال المباحث ويتحول الأمر الى ظاهرة تدق ناقوس الخطر، وتعود الحكايات والأساطير الخيالية مرة اخرى مع مزيد من الإضافات ويخيم الرعب من جديد، لكن لا توجد معطيات يمكن أن تقود الى القاتل، فلم يترك دليلا واحدا وراءه، ولم تكن هناك خيوط تقود إليه. بالقرب من المكان الذي عثر فيه على جثة البريء الثاني، بجوار المقابر، كان المثوى الأخير للضحية الثانية، بكاه الكبار والصغار، وسالت الدموع غزيرة، وتعالت الصرخات ألما في وداعه، لكن كان «الأزرق» أحد شباب القرية في التاسعة عشرة من عمره أكثر الباكين والنائحين، شهقاته تعلو فوق الجميع، دموعه غزيرة، يهيل التراب فوق رأسه حزنا على فراق الصغير رغم انه لم يكن من أقاربه ولا يربطه به نسب ولا صداقة، ولا تفسير للأمر إلا أن الفاجعة تهز القلوب المتحجرة وتؤثر في الحديد. على الجانب الآخر كان الحادثان يمثلان تحديا كبيرا لرجال الشرطة، وهم لا يرضون لأنفسهم الانهزام ولا يقبلون الاستسلام، ولن يرضوا أن يكون المجرمون أكثر ذكاء منهم وهم يؤمنون بأنه لا يوجد شيء اسمه الجريمة الكاملة، فلابد للقاتل أن يترك أثرا أو يرتكب خطأ مهما كان محترفا. وكانت دموع «الأزرق» هي هذا الخطأ والخيط لأنه بالغ كثيرا في أحزانه بلا مبرر، وبطريقة التتبع كان أول دليل ضده، فقد كان آخر شخص شوهد معه الطفل القتيل قبل لحظات من الجريمة ، وبغبائه حاول إنكار ذلك لكن الشهود اكدوا انهم رأوه ومعه الصغير في المساء وهو يداعبه ويسير معه. ونجحت خطة رجال المباحث عندما جاءوا بملابس القتيل وهي ملوثة بالدماء أمام «الأزرق» فكانت مثل الصدمة، التي جعلته ينهار ويعترف بأنه القاتل، بل وأنه هو الذي قتل الطفل «فارس» في الشتاء الماضي، وأيضا فشل في التخلص من طفل ثالث نجا من بين يديه بأعجوبة، لكن العجيب أن «الأزرق» ليس لديه مبرر ولا سبب لهذه الجرائم ولا يعرف الدافع، وأمرت النيابة بحبسه وإحالته إلى مستشفى الأمراض النفسية والعقلية بعدما تردد أنه غير متزن ويأتي ببعض التصرفات غير الطبيعية، ربما يكون مجنونا
المصدر: أحمد محمد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©