الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلاقات التركية- الإيرانية··· مؤشرات التحول

العلاقات التركية- الإيرانية··· مؤشرات التحول
20 أغسطس 2008 21:28
أثناء أدائي صلاة الجمعة بالمسجد الأزرق في اسطنبول، كنت شاهداً عن قرب على العملية الدعائية الدولية التي انخرط فيها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد· لم تتمخض زيارة الرئيس الإيراني لتركيا عن الكثير من الناحية العملية؛ حيث تم إرجاء توقيع اتفاق إنشاء أنبوب للغاز الطبيعي بمليارات الدولارات؛ غير أن أحمدي نجاد حصل على شيء لا يقل قيمة وأهمية: فرصة لتغيير صورته وكسب الشعبية وانتقاد الولايات المتحدة وإسرائيل· تعلقت بالمسجد الأزرق منذ وقت طويل، لأنه المكان الذي أديت فيه أول صلاة جمعة قبل سنوات كثيرة؛ ولكنني في الجمعة الماضية لم أشعر بالارتياح في قاعة الصلاة، لأنني وجدت نفسي واقفاً بين يدي ربي، ووجدت هناك من يسعى إلى تحويل هذه الفريضة إلى عرض سياسي· ففي خروج لها عن ممارسة معهودة، تتمثل في أداء رؤساء الدول الذين يزورون تركيا الصلاة في مسجد أصغر حجماً في اسطنبول، سمحت الحكومة لأحمدي نجاد بالصلاة في المسجد الأزرق، الذي يُعد الرمز التركي للإسلام العثماني العلماني· وبإذن من السلطات التركية، سُمح للتلفزيون الإيراني بتصويره خلال كل لحظات الصلاة، في انتهاك للتقاليد الإسلامية التي تنص على وقوف العبد بين يدي ربه في جو من الهدوء والخشوع· وعلاوة على ذلك، حدث الكثير من الاهتياج والفوضى حول أحمدي نجاد إلى درجة أن الإمام اضطر إلى أن يطلب من المصلين الالتزام بالهدوء· وحين كان مغادراً المسجد، خرج أحمدي نجاد من سيارته لحث حشد من نحو 300 شخص على الهتاف: ''الموت لإسرائيل! الموت لأميركا!''· والواقع أنه حتى من دون هذا السلوك، كان من شأن زيارة زعيم نظام سلطوي مناوئ للغرب أن تثير جدلاً واسعاً في تركيا قبيل بضع سنوات فقط· ولكن ليس اليوم؛ ذلك أن ''حزب العدالة والتنمية'' لم يقم بفتح المسجد الأزرق في وجه أحمدي نجاد فحسب، وإنما وافق أيضاً على رفض الرئيس الإيراني زيارة ضريح كمال أتاتورك، مؤسس تركيا العلمانية الحديثة- وهو ما يُعد انتهاكاً سافراً للبروتوكول في زيارة رسمية· في 1996 حين رفض الرئيس الإيراني آنذاك هاشمي رفسنجاني زيارة ضريح أتاتورك، وترفَّع عن هوية تركيا كدولة علمانية موالية للغرب، أثار ذلك تنديداً شعبياً كبيراً وانتقادات لاذعة لإيران، لتسوء بعد ذلك العلاقات بين البلدين· وعندما ألمح السفير الإيراني في تركيا بعد بضعة أشهر على ذلك إلى أنه يجدر بتركيا أن تتبع الشريعة، أرغم على مغادرة البلاد· غير أن حكومة ''العدالة والتنمية'' في هذه المرة اتخذت موقفاً مختلفاً وقللت من شأن الإهانة؛ فنقلت الاجتماع من العاصمة أنقرة إلى اسطنبول ووصفته باجتماع ''عمل'' بدلاً من زيارة رسمية· ومع ذلك، تقاطر كل مسؤولو ''العدالة والتنمية'' إلى اسطنبول من أجل لقاء الرئيس الإيراني· كما طلب وزير الخارجية التركي علي باباجان من الجمهور التركي تجاهل سلوك الرئيس الإيراني و''التركيز- بدلاً من ذلك- على الصورة الكبيرة''· والحال أن ''الصورة الكبيرة'' هي الأكثر إثارة للقلق· فبتوجيهها دعوة لأحمدي نجاد، والتي تعد الخطوة الأولى من نوعها التي يقدم عليها عضو في ''الناتو'' أو الاتحاد الأوروبي، تكون تركيا قد خرجت عن الصف الغربي· وبالتالي، لم يعد بإمكان الغرب النظر إلى التحالف مع تركيا في مواجهة إيران باعتباره من المسلمات· ففي الماضي، وقفت تركيا إلى جانب الغرب، وخاصة بعد الثورة الإسلامية في 1979 في إيران؛ هذا بينما منحت طهران اللجوء لأعضاء من ''حزب العمال الكردستاني'' الذي نفذ هجمات على تركيا انطلاقاً من قواعد في إيران· غير أنه منذ بداية حرب العراق غيرت إيران تكتيكاتها من أجل التقارب مع تركيا؛ وقامت بقصف معسكرات ''حزب العمال الكردي'' في وقت أرجأت فيه الولايات المتحدة اتخاذ قرار في هذا الأمر· في غضون ذلك، ازداد تبادل الزيارات مع إيران منذ وصول ''حزب العدالة والتنمية'' إلى السلطة في تركيا عام 2002؛ حيث تأتي زيارة أحمدي نجاد لتتوج عشرات الزيارات التي قام بها مسؤولون رفيعو المستوى· كما ازداد التبادل التجاري أيضاً، حيث انتقل من 1,2 مليار دولار عام 2002 إلى 8 مليارات دولار اليوم· ورغم أن البلدين لم يعطيا الاتفاق طابعاً رسميا الأسبوع الماضي، فإن مخططات استثمار تركي بقيمة 3,5 مليار دولار في حقول الغاز الطبيعي الإيرانية مازالت قائمة· هذا في الوقت الذي يفرض فيه الغرب عقوبات مالية على طهران في محاولة لإعاقة قدرتها على صنع قنبلة نووية· وإذا كانت ثمة أي شكوك بخصوص تقارب تركي-إيراني، فإنها تبددت الأسبوع الماضي حين وافق البلدان خــلال زيـــارة أحمدي نجـــاد على جعـــل عام 2009 ''عام الثقافة الإيرانية التركية'' -الذي سيتميز ببرامج وتبادلات ثقافية وسياسية منتظمة- بهدف التقريب بين البلدين أكثر· والحقيقة أن زيارة أحمدي نجاد تشي بالكثير أيضاً حول مستقبل العلاقات التركية-الأميركية بخصوص إيران· فحسب استطلاع للرأي أجري مؤخراً في تركيا حول ما ينبغي على البلد أن يقوم به في حال هجوم أميركي على إيران، قال 4 في المئة فقط من المستجوَبين إن على تركيا أن تدعم الولايات المتحدة في حين أراد 33 في المئة دعم إيران، واختار 63 في المئة الحياد· حين صليت في المسجد الأزرق إلى جانب أحمدي نجاد، لم يسعني إلا التفكير في مدى تغير السياسة الخارجية التركية منذ ·2002 فقبل هذا التاريخ، كانت تركيا تختار حلفاءها على أساس القيم المشتركة-الديمقراطية، الهوية الغربية، السياسة العلمانية، مبدأ المجتمع المفتوح- التي بدا أنها تعكس الروح التركية· أما إيران، فلم تعد ديمقراطية علمانية موالية للغرب؛ كما أن ملالي طهران لم يقبلوا بالمساواة بين الجنسين أو فكرة المجتمع المفتوح؛ ورغم ذلك، غيرت أنقرة موقفها من طهران· الأكيد أنه بعد سنوات من اليوم، سيتم تذكر زيارة أحمدي نجاد إلى اسطنبول باعتبارها اللحظة التي فقد فيها الغرب تركيا، وفقدت فيها تركيا روحها· سونر كاجابتاي زميل معهد سياسة الشرق الأدنى بواشنطن وأستاذ زائر بجامعة باهسيسهير في اسطنبول ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©