الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كرة القدم... ملامح الجمال و«القبح»!

كرة القدم... ملامح الجمال و«القبح»!
13 يونيو 2010 20:36
كرة القدم هي صنف الطعام الذي يأبى الأميركيون أن يستطعموه حتى الآن! منذ فجر كأس العالم، حاول المعجبون باللعبة تسويقها في أميركا دون جدوى. ولم تقتصر تلك المحاولات على هؤلاء فحسب، بل حاول اللاعبون الأسطوريون من دول أخرى تعشق كرة القدم, مثل بيليه البرازيلي، وفرانز بيكنباور الألماني، وديفيد بيكهام الإنجليزي... زرع اللعبة في التربة الأميركية، دون أن يحققوا نجاحا. بل ولم يزد حظ اللعبة من الانتشار كثيرا حتى بعد أن فاز الفريق الأميركي للسيدات ببطولة العالم عام 1999 بعد أداء دراماتيكي مثير. والشيء شبه المؤكد هو أن كأس العالم التي انطلقت فعالياتها في جنوب إفريقيا بالفعل، لن تأسر خيال الأميركيين حتى بعد تعادل فريقهم المشارك في هذه البطولة مع إنجلترا في الجولة الافتتاحية بعد أداء قوي. والسؤال هنا هو: لماذا تجد الولايات المتحدة، وهي الدولة المدمنة على الاستهلاك حتى النخاع، نفسها قادرة تماماً على مقاومة سحر كرة القدم، التي تعتبر اللعبة الأكثر شعبية في العالم؟ ربما يرجع ذلك لأن واجهة العرض غير مناسبة، وربما يرجع -كما يذهب إلى ذلك محللون كثر- إلى أن القبح هو ما يجذب الأميركيين للألعاب، أكثر من الجمال الذي يبالغ منظمو ورعاة بطولة كأس العالم في إسباغه على البطولة، وعلى قدرتها على توحيد شعوب العالم! فكرة القدم تحفل، بكل ما تحفل به كافة الهوايات والرياضات الأميركية الشعبية، من فوضى، وعنف وفضائح وفساد. من هنا قد تكون الخطوة الأولى اللازمة لمساعدة الولايات المتحدة على الاتصال بالجانب المظلم من كرة القدم -حتى تزداد شعبيتها- هي تمزيق بعض الصور النمطية عن كأس العالم، وفهم الطبيعة الحقيقية له. هذه الطبيعة يمكن بيانها على النحو التالي: أولا: إن بطولة كأس العالم، باعتبارها ظاهره عالمية، تنطوي على قدر كبير من الادعاء والغش. فرغم أن كتاب الرياضة يطنبون في الحديث عن شعبية بطولة كأس العالم، فالحقيقة هي أن هذه البطولة التي تقام كل أربع سنوات ذات طابع إقصائي إلى حد كبير. حيث لم يفز بها منذ بداية انطلاقها منذ ثمانين عاما (أقيمت البطولة الأولى عام 1930) سوى عدد محدود من الدول يضم أربع دول أوروبية غربية، وثلاث دول أميركية جنوبية. بل إن ثلاثا من هذه الدول السبع فازت مجتمعة باثني عشر كأساً للعالم من إجمالي 18 مرة أقيمت فيها البطولة منذ بدايتها. ثانيا: إن الأبطال التقليديين للعبة، عادة ما كانوا يمثلون دولا شهد تاريخها خلال القرن الماضي الكثير من الهزائم والنكسات. فإسبانيا التي تقف في الوقت الراهن على حافة أزمـة ماليـة طاحنـة تعتبر هي والبرازيل، في مقدمة الدول المرشحة للفوز بالبطولة الحالية. ثالثا: إن كرة القدم التي يتم التغني بها كقوة معولِمة ذات نفوذ كبير، قد اكتسبت هذه الوضعية من خلال إقصاء أو تهميش بعض من أقوى دول العالم في كافة المجالات وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. ليس هذا فحسب، بل إن حظ أكبر دول العالم اكتظاظا بالسكان مثل الصين والهند من البروز في عالم كرة القدم كان ضئيلا، وكذلك حظ دول ذات قوة عسكرية رهيبة كالاتحاد السوفييتي السابق وروسيا حاليا، أو ذات قوة اقتصادية رهيبة مثل اليابان كان محدودا. ورغم أن عدد من سيضبطون مؤشر قنوات التلفاز في أميركا لمشاهدة فعاليات البطولة الحالية سيكون كبيرا، فإن القسم الأعظم من هؤلاء سوف يكونون من المهاجرين العاشقين في الأصل لكرة القدم. وفي رأيي أنه إذا لم تكن الوطنية الأميركية التقليدية هي الدافع الذي يمكن أن يشجع شعبها على الاهتمام بالكرة، فإنه يمكن لمشاهد الدراما، والصراع، والمنافسات، والحساسيات... التي تحيط بكرة القدم، والتي تحرك الشعوب، وتستثير مشاعرها الوطنية، أن تفعل ذلك. فتاريخ كأس العالم كان مغموساً في السياسة والصراعات منذ نشأته: فكأس العالم 1934 أقيم في عهد موسولويني، وهو ما كان يعني أن إيطاليا الفاشية يجب أن تفوز به وقد كان. وفي البطولة التالية التي أقيمت في فرنسا عام 1938 تلقى الفريق الإيطالي المشارك رسالة واضحة ومرعبة من الديكتاتور: "إما أن تفوزوا وإما أن تموتوا هناك"، وكان الفوز الثاني "الحتمي" لإيطاليا. وخلال التصفيات الإقليمية التي أقيمت تمهيداً لكأس العام 1970 أدت الاضطرابات بين مشجعي هندوراس والسلفادور إلى وقوع ما أصبح يعرف بـ"حرب كرة القدم"، وهي حرب فعلية اندلعت بين الدولتين الجارتين في أميركا الوسطى... وهناك حالات أخرى كثيرة مشابهة. رابعا: الملمح الأخير من ملامح قبح كرة القدم قد يروق للأميركيين أكثر مما يروق أي معلم آخر ربما، وهو يتصل بقصص مشاهير لاعبي كرة القدم، وقصص زوجاتهم، وصديقاتهم، وما تحفل به من تفاصيل فضائحية. لكن كل ما سبق لا يعني أن اللعبة تخلو تماما من جوانب الجمال التي لا تخلو منها ألعاب أخرى بالطبع. فهناك فريق يتكون من 11 لاعبا يلعبون من أجل هدف واحد هو الفوز. وتتعاون خطوط دفاعه ووسطه وهجومه من أجل تحقيق هذا الهدف، والمباريات تسبقها تمرينات شاقة، ودأب، وعرق، وقد يتسامى بعض لاعبي الفريق عن آلامهم وأحزانهم الشخصية من أجل هدفهم الواحد. هذا بالإضافة بالطبع إلى ما تحفل به اللعبة ذاتها من فنيات عالية تنتزع الآهات من الجماهير. وفي رأيي أنه كي يحب الأميركيون كرة القدم، مثلما أحبوا غيرها من الألعاب، فإن عليهم أن ينظروا إليها على أنها لعبة تنطوي على جوانب للجمال، كما تنطوي أيضا على جوانب للقبح، مثل ذلك الذي يجتذبهم للعبات الأخرى، وإن ذلك لا يختلف عما هو موجود في كل جوانب الحياة على كوكب الأرض. عندما يدركون ذلك، قد يحبون كرة القدم، وعندها سوف تصبح الكرة، بما لها من قوة جذب خاصة، أكثر قدرة على الجمع بين الشعوب، كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، ضعيفها وقويها... من أي لعبة أخرى. ديفيد جيه . روثكوف باحث زائر بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©