الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مأساة «أسطول الحرية»... وإنعاش عملية السلام

13 يونيو 2010 20:37
أثار سفك الدماء المأساوي الذي نجم عن الهجوم الإسرائيلي على سفينة الإغاثة مافي مرمرة، انتقادات واسعة لاستخدام إسرائيل القوة ضد نشطاء مدنيين، كما أدى ذلك الهجوم، ولو بشكل متأخر إلى حد ما، إلى إعادة تركيز اهتمام المجتمع الدولي، مجدداً، على الحاجة لإنهاء حصار غزة بشكل فوري. وقد نُقِل عن لويز أربور، رئيسة "مجموعة الأزمات الدولية"، وهي منظمة غير حكومية مكرّسة لمنع نشوب النزاعات، قولها في صحيفة "الإندبندنت": "من السهل إدانة هجوم إسرائيل على أسطول الإغاثة المتوجّه إلى غزة على أنه غير ضروري، وغير متكافئ. أما الأمر الأصعب، والواجب عمله الآن، فهو التفكير في الكيفية التي يشكّل بها هذا الحادث إدانة لسياسة أوسع نحو غزة يتحمل المجتمع الدولي على اتساعه مسؤوليتها". إلا أن طرح أربور هذا لا يذهب إلى الحد الكافي لإدراك أن ما وقع من عدوان وسفك للدماء يشكّل أيضاً، في الوقت نفسه، إدانة لفشل المجتمع الدولي كله في ترتيب الأولويات واتباع مسار سياسي جاد من شأنه التحفيز على المضي قدماً في عملية سلام فعالة وعادلة. وفي الظرف الراهن لا شك أن رفع الحصار عن سكان غزة البالغ عددهم 1,8 مليون نسمة قد أصبح خطوة ضرورية جداً، وذات أولوية استثنائية، مثله في ذلك مثل وجوب إجراء تحقيق مستقل ومفصل حول ملابسات ومفردات ما حصل بالضبط على متن سفن أسطول الحرية. وهذان الجهدان كلاهما ينبغي أن ينظر إليهما باعتبارهما جزءاً لا يتجزأ من الحاجة الأكثر إلحاحاً إلى إنهاء النزاع الشرق أوسطي المزمن، المستمر منذ 62 سنة. وبكلمة أوضح، نحن بحاجة الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى الاستئناف الفوري لمحادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ودون قيود أو تعقيدات. وبدلاً من أن يشكّل مسعى كهذا فرصة أخرى لتبادل اللغو السياسي الناري والمزيد من ترسيخ الخلافات بين مجتمعين مستقطبين أصلاً، فلنجعل من مأساة مصرع الضحايا على متن مافي مرمرة فرصة ثمينة توفر قوة الاندفاع الضرورية لإقناع كل من الفلسطينيين والإسرائيليين بالعودة إلى طاولة المفاوضات بشكل جاد، هذه المرة. ولكن لسوء الحظ، لا تقترح ردود فعل الوسطاء من الدول العظمى مثل الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، تجاه الهجوم على أسطول الحرية سوى القليل من التغيير في المقاربات للوضع الراهن. وتعتبر التعليقات المخففة، التي صدرت بعد تلك المأساة، مثل التعبير اللفظي عن "الشعور بالأسف العميق" من جانب أوتاوا وواشنطن، ذات نتائج عكسية، وربما تشير إلى عدم استعداد لإصدار بيان محدد حول أولوية تحريك عملية السلام خطوات أخرى إلى الأمام. وحتى الأمم المتحدة لم تفعل سوى إدانة "التصرفات" التي وقعت ضد سفن أسطول الحرية، وذلك بتعبيرات خشبية غامضة وضبابية، والحثّ على إجراء تحقيق "يلتزم بالمعايير الدولية". ومن المؤسف حقاً أن الحاجة إلى حوار لم يذكرها سوى دول قليلة في ما صدر من بيانات. وبينما يزداد غليان العواطف قد تتوقف محادثات السلام غير المباشرة التي أطلقت قبل أسابيع قليلة، هي الأخرى. وكما أشار ساركوزي قبل أيام قليلة: "لا يمكن تحقيق السلام الدائم والأمن في المنطقة إلا من خلال الحوار السلمي وليس من خلال استخدام القوة، وخطابة العنف والشد والجذب". وإزاء الجمود المخيم على عملية السلام بقيت الدول الغربية -وأيضاً العربية- صامتة إلى حد بعيد، على رغم تطاول الزمن وتلاحق العنف والمعاناة المروّعين. ولذا يتعين عليها الآن أن ترفع صوتها، للدعوة إلى تغليب مساعي التسوية على كل ما عداها. ولا حاجة للتذكير بأن الدول التي لا تبذل الجهد الكافي من أجل تحفيز عملية السلام ليست فقط متواطئة ضمناً مع تطاول أمد المأساة، وإنما هي متواطئة كذلك في المجازفة بإفشال عملية السلام، مع ما يعنيه كل ذلك من استدامة محن ومصائب. إن الطريق نحو السلام الدائم والعادل، كما تشهد على ذلك تجارب مريرة من المفاوضات الفاشلة، مليء بالعراقيل. إلا أن الصعوبات يمكن أيضاً التغلب عليها، إذا توافرت النوايا والإرادات. وليس منطق العنف وذرائع توجيه أصابع الاتهام أموراً قابلة للاستدامة. ولن تتم أيضاً حماية حقوق الفلسطينيين وتوفير الضمانات للإسرائيليين إلا من خلال اتفاقات وتسويات حاسمة. ويتعين على الطرفين قبول خيار السلام والتعايش باعتباره الخيار الاستراتيجي الوحيد الآن، ويجب على المجتمع الدولي أن يساعدهما على تحقيق ذلك. إن الولايات المتحدة، وهي الصديق الأقرب لإسرائيل، تتحمل مسؤولية تاريخية عن لعب الدور الأكبر في الحث على المضي قدماً في بقية استحقاقات عملية السلام. وعندما خاطب الرئيس أوباما العالم الإسلامي من القاهرة السنة الماضية وتعهّد بالسعي لتحقيق عهد جديد في العلاقات، نال إطراء الفلسطينيين والعرب لأنه دشن خطابة سياسية أميركية جديدة أكثر توازناً في الشرق الأوسط. ولكن آن الأوان لمطابقة ذلك الكلام مع السياسات وترجمته على أرض الواقع. وإذا كان هناك أي شيء يمكن الاستفادة منه بسبب مأساة سقوط ضحايا أسطول الحرية، من قتلى وجرحى، فهو أنهم سيشكّلون رمزاً للحظة الحرجة التي أدرك فيها كثيرون وجوب إعادة تنشيط جهود السلام. وإذا تمت إضاعة فرص التسوية السلمية الراهنة فسيصبح حتميّاً أن تستمر مآسي المواجهات الدموية. ولنأمل أن يدفع الغضب الدولي من هذا العنف غير المنطقي، العالم نحو المطالبة بوضع نهاية لسفك الدماء والحقد اللذين أديا إليه من حيث المبدأ، والعمل إلى جانب كل من الفلسطينيين والإسرائيليين من أجل التوصل أخيراً إلى حل مستدام وبنّاء. دليلة مهداوي صحفية بريطانية مهتمة بقضايا حقوق الإنسان ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©