الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

المرأة والمظلة

13 يونيو 2010 20:44
أمس كنت أعبر الشارع بالسيارة وسط حشد من السيارات التي تفترش الشوارع على مدار الساعات والأيام دون انقطاع حتى ساعات الليل الأخير. كنت متجهة إلى غاية ما، فلمحت امرأة تسير على المساحة الباقية من الرصيف المزدحم بالسيارات الواقفة، وهي تحمل مظلة زرقاء اتقاء حرارة شمس بلادنا الحارقة وليس اتقاء مطرها الغزير! تذكرت حواراً دار بيني وبين صحفية زارتني ذات يوم من أيام بيروت الماطرة الجميلة. كان المطر ينهمر غزيراً وأنا أرقبه من خلال زجاج مقهى “مودكا” وأرقب المظلات تسير في الشوارع ألواناً، ألوانا. المظلة الجادة سوداء لذا يحملها الكبار، أما المظلة الملونة فإنها أقل جدية كما بدت لي، أو كأنها لعبة جميلة تحملها النساء! كنا نتحاور حول مفهوم الجدية واللعب، فقطعت حديثها بسؤال مفاجئ: هل تساءلت: لماذا تحمل النساء مظلات ملونة والرجال مظلات سوداء؟ قالت بامتعاض ساخر: لأن النساء يحببن المظاهر ولفت الأنظار. قلت: لا.. بل لأن المرأة أكثر ارتباطاً بالطبيعة وهي إذ تحمل المظلة الملونة فكأنما تعيد صياغة الطبيعة في أشيائها الصغيرة، ولأن المرأة صانعة الحياة فإن الحياة ليست بلون واحد وشكل واحد.. تأملي بيتاً أو مكاناً تسكنه المرأة، سواء كان هذا المكان بيتاً أو مكتباً للعمل أو ملعباً أو حديقة ستجدين أن هذا المكان يضج بالجمال والتناسق والنمنمات الصغيرة والألوان. ستجدينه مكاناً يختزل الحياة والطبيعة باتساعها وألوانها وتجسداتها وينبض بالأنوثة المبدعة. لكن تأملي مكاناً يسكنه رجل. فماذا ستجدين؟ قالت: لكن هناك بعض الرجال الذين إذا سكنوا مكاناً تجدين فيه نفس الجمال والتناسق والتنوع الفني. قلت: نعم لكنها استثناءات لا تشكل قاعدة تماماً كما تجدين أحياناً مكاناً تسكنه المرأة، لكنه قاحل وفقير من الجمال، ذلك أن الرجل الذي يؤثث المكان بالجمال والتناسق هو رجل يتعاطى الحياة بروحه الأنثوية، والعكس صحيح بالنسبة للمرأة، إنها في هذا الشح تتعاطى الحياة بروحها المذكرة. قالت محتدمة: هذا تحيز واضح.. قلت: لا، ليس تحيزاً بل إقرار بحقيقة دامغة والشواهد اليومية أكثر من أن تحصى. ذلك أن المرأة - ودون الحاجة إلى المرجعيات البحثية والنظريات – هي التي أوجدت البيت ومعناه الاستقرار، والزراعة كمفهوم للبقاء والاستمرار. وما الحضارة إلا نتيجة لهذين المعنيين. لماذا؟.. قالت محتدمة ومتحدية. قلت لأن البيت امتداد للرحم، والزراعة امتداد للبقاء. والاستقرار امتداد للاحتضان الطويل الذي يفرضه شرط النمو البشري منذ الجنين حتى البلوغ والنضوج، فأنت تعرفين كم من الزمن والشروط يحتاج الطفل حتى يكبر. والرجل هو سليل الأرحام وصياغة الأنوثة، وحين يهندس بيتاً فإنما يجسد مسكنه الأول وقد اكتسب الأداة والصورة والتفاصيل من حضن الأم بعد رحمها. كانت صديقتي تنصت بينما تعد الأجوبة والردود والتعارض. وكنت في تلك اللحظة ألعب بالرمل طفلة، وأعيد صياغة الحياة، وأقلب الجرة على قاعدتها، بينما كان المطر منهمكاً في الانهمار! hamdahkhamis@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©