السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دور تركيا الإقليمي...ورافعة الإصلاح الداخلي

30 أكتوبر 2009 22:25
جاءت الزيارة التي أداها رئيس الوزراء التركي أردوغان إلى إيران يوم الثلاثاء الماضي، وما صاحبها من تصريحات دافع فيها عن برنامجها النووي، وإشارته إلى الرئيس الإيراني على أنه "صديق" لتركيا، لتكلل أسبوعين من الدبلوماسية المكثفة التي يقول المحللون إنها تهدف إلى تعزيز انخراط أنقرة المتزايد في قضايا الشرق الأوسط، وسعيها إلى تطبيق سياسة "تصفير المشاكل" مع جيرانها. فبعد الإحباطات المتتالية التي واجهتها على يد الاتحاد الأوروبي في محاولتها للانضمام إلى عضويته عملت الحكومة التركية خلال السنوات القليلة الماضية على إعادة صياغة سياستها الخارجية، كما سعت بقيادة "حزب العدالة والتنمية"، ذي الميول الليبرالية الإسلامية، إلى الانخراط في محيطها القريب، وترسيخ نفسها كجار ووسيط قادر على تسخير قوته الناعمة لإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل العالقة. ولكن هذه السياسة الخارجية الجديدة التي تنتهجها تركيا تواجه، حسب المراقبين، مجموعة من القيود لعل أهمها تجاذبات بعض القضايا الداخلية مثل المشكلتين الأرمنية والكردية ومسألة قبرص، وهي المشاكل التي ألقت بظلالها بقوة على السياسة الداخلية التركية طيلة العقود السابقة، وهذا ما يعبر عنه "هنري باركي"، الخبير في معهد "كارنيجي" للسلام الدولي بواشنطن بقوله: "إن تركيا تريد لعب دور دولي، ولكن قبل ذلك عليها ترتيب بيتها الداخلي، ولأنها باقتصادها وجيشها تمتلك القوة الصلبة فهي تسعى اليوم لبناء قوتها اللينة، فتركيا تحاضر على دول أخرى مثل إسرائيل والصين بشأن حقوق الإنسان، ولكنها هي نفسها تعتبر اللغة الكردية غير قانونية وتمنع تداولها، وهذا أمر غير منطقي". والحقيقة أن تركيا قامت ببعض الجهود لحل تلك المشاكل ومعالجتها، ففي 10 أكتوبر الجاري وقع وزير الخارجية التركي، أحمد داود أوغلو، اتفاقاً في سويسرا يمهد الطريق لعودة العلاقات الدبلوماسية مع أرمينيا ومراجعة البلدين لتاريخهما المشترك والمثير للجدل، وبعد ذلك بأربعة أيام استضافت تركيا الرئيس الأرميني، سيرج ساركيسيان، في جولة أخرى من "دبلوماسية كرة القدم" خلال مقابلة دارت بين فريقي البلدين. وفي اليوم نفسه كان وزير الخارجية التركي في سوريا يوقع على اتفاق آخر مهم يلغي التأشيرة بين البلدين ويفتح الحدود بينهما، علماً بأن البلدين كانا قبل عقدين على شفا الحرب عندما اتهمت أنقرة دمشق بدعم "حزب العمال الكردستاني" ذي التوجهات الانفصالية، وأيضاً في هذا الإطار الساعي إلى تهيئة الأجواء المناسبة لتولي دور مهم على الصعيد الدولي أفصح القادة الأتراك مؤخراً عن نيتهم طرح مبادرة شاملة لترسيخ المزيد من الديمقراطية الموجهة أساساً لحل المشكلة الكردية، هذا بالإضافة إلى تأييد تركيا لاستئناف مفاوضات الوحدة بين الحكومتين اليونانية والتركية في قبرص المنقسمة على نفسها. وترجع التحركات التي تقوم بها الحكومة التركية لطي ملفات الماضي وتحسين علاقاتها مع الداخل والخارج إلى التغير التدريجي الذي شهده المجتمع وامتد إلى الحياة السياسية في البلاد، وهو الأمر الذي سهل التطرق إلى مواضيع كانت إلى وقت قريب من المحظورات، وفي هذا السياق يقول "دوجو إرجيل"، الأستاذ بجامعة أنقرة: "حتى عهد قريب كان الرأي العام قد تعود على قبول الرواية الرسمية للأمور، القائمة على تكريس الوضع الراهن والقومية والتعصب، ولكن احتكار الدولة لهذه القضايا وفرض القيود عليها بدأ ينحسر بالفعل". ويبدو أن ما يحرك أنقرة هو الإدراك بأن تلك المحظورات باتت تعيق مسيرة تركيا نحو التأثير في الخارج والاضطلاع بالدور الدولي الذي تتطلع إليه، وهو ما يوضحه "باركي"، المذكور أعلاه، قائلا "إن المواقف القديمة لتركيا حيال القضايا الخارجية كانت حتى الآن تأتي على شكل ردود أفعال، ولم تتعود تركيا على أخذ مبادرات كما أنها لم تهتم كثيراً بما يجري وراء حدودها". ويرى المحللون أن ترميم العلاقات مع أرمينيا يمنح تركيا مكاسب استراتيجية وسياسية، لاسيما في مساعيها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فحسب "هوج بوب"، الخبير في الشؤون التركية بـ"مجموعة الأزمات الدولية" ببروكسل "تشكل الاتفاقية التي وقعت مع أرمينيا رداً على الانحياز الأوروبي ضد تركيا التي أصبحت قادرة على التصالح مع ماضيها وإعادة فحته". ولكن مع ذلك قد لا يكون من السهل إحداث تغييرات مفاجئة على ما كان يعتبر حتى وقت قريب من المحظورات، فبعد عقود من إنكار وجود شيء اسمه الهوية الكردية، أو مناقشة ما يسمى المجازر الأرمينية، يقال للأتراك اليوم إن عليهم التفكير بطريقة مختلفة، وهو ما يوضحه "لالي كمال"، المعلق بصحيفة "زمان" الناطقة بالإنجليزية قائلا "إن الأمر يتعلق برأي عام تربى على أيديولوجيا معينة طيلة العقود السابقة، واليوم يتم الحديث عن تهيئة الشعب نفسياً لقبول التغييرات"، مضيفاً أن "الأكثر أهمية من أية إصلاحات قانونية هو إعداد الرأي العام لتقبل تطبيع العلاقات مع أرمينيا والتعامل مع المشكلة الكردية، وإقناعه بأن ذلك في مصلحة تركيا". ويشير الخبير "إرجيل" إلى أن تركيا الحديثة والعلمانية لم تؤسس إلا في عام 1923 على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، وهي بذلك معتادة على التغيرات المفاجئة، وعن ذلك يقول: "إن هذا البلد تحول من حكم السلالة العثمانية إلى حكم جمهورية في غضون سنوات قليلة، كما تم تغيير الحرف العربي إلى اللاتيني في أقل من سنة، واليوم على الناس تقبل التغيرات الجديدة أيضاً والتأقلم معها". ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان سيانس مونيتور"
المصدر: تركيا
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©