الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نحو ليبرالية إنسانية جديدة

نحو ليبرالية إنسانية جديدة
20 أغسطس 2008 22:26
يدعو عالم الاجتماع المغترب والآسيوي الأصل ''بيخو باريخ'' إلى إعادة النظر في التعددية الثقافية، ويقول: إن البشر بشر بطرائق مختلفة، أي أن الطبيعة الإنسانية التي يشتركون بها لا تفرض نفسها مباشرة، بل عن طريق المجتمع الثقافي الذي يتوسطها ويكيفها، ويحملها معاني ودلالات وإمكانات جديدة ومختلفة في ثقافات مختلفة· والثقافات بدورها لا تنشأ في فراغ ولا تخلق من عدم، بل تتجسد وتتحدد بالملامح الشاملة المشتركة للوجود الإنساني، بما فيها الطبيعة البشرية· فأن تكون إنساناً يعني أن تنتمي إلى نوع مشترك وثقافة مميزة، تتفاعل إحداهما مع الأخرى وتنجم عنها، وتشكل بالتالي هوية البشر الذين لا يتماثلون كلية ولا يختلفون كلية· النقاء الثقافي يعبر باريخ، وهو عالم اجتماع رصين عن دعوته من خلال بحث متكامل ركز فيه على حتمية إجراء مثل هذا الحوار الثقافي وضروراته وإيجابياته، ويصرف باريخ جهده الأساسي إلى وضع آلياته القانونية وهيكليته الدستورية وأدواته الفكرية وحدوده ومنطقه وضمانات نجاحه· لكنه لا ينسى في سياق ترسيخ ''المنظور متعدد الثقافات'' رفض العودة الأصولية إلى الماضي، أو السخرية من ادعاءات ''النقاء'' الثقافي، أو تسفيه ''آلهة الجغرافيا الشريرة''· وبالحدة نفسها، ومن المنظور التعددي نفسه، ينفي باريخ وجود ثقافة عديمة القيمة كلياً، أو ثقافة كاملة مكملة تحتكر الحقيقة الإنسانية وتختزل ثراء الوجود وتمتلك حق فرض معاييرها وأيديولوجيتها وأجندتها السياسية على الآخرين، بما في ذلك الليبرالية التي تعيش أبهى أيامها وأكبر انتصاراتها· ويفرد باريخ حيزاً واسعاً لدراسة الليبرالية بكافة صيغها وبكثير من التعمق والدقة، فيسهم بشكل غير مباشر في الحوار الثقافي الأهم على الساحة العالمية منذ سقوط جدار برلين· إذ يمكن اعتبار حواره الثقافي المشبع بالتأثيرات التداولية التي اقترحها هابيرماس وغادامر رداً متماسكاً وعملياً على طروحات هنتنغتون بحتمية صراع الحضارات، رغم إقراره بنزوع الثقافات إلى التنافس والمواجهة· وبتفريقه بين الليبرالية بمعناها العام، المرادف لقيم الانفتاح والتسامح والحرية والإنسانية، والليبرالية بمعناها الضيق، المتجسد بالمجتمع الليبرالي الغربي، ويؤكد باريخ على المفارقة في أن الليبراليين يسيئون فهم عظمة الليبرالية حين يسعون إلى تحديد آفاقها بالنسخة الغربية والإقصائية بطبعها· الليبرالية الغربية بصيغتها الراهنة خليط هجين من المؤسسات والتجمعات والقناعات الليبرالية وغير الليبرالية في آن معاً· الدولة والمجتمع مؤسسة الأسرة، مثلاً، والمؤسسة العسكرية، وقطاع واسع من المؤسسة التعليمية، والسياسة الخارجية برمتها في المجتمع الغربي ليست ليبرالية على الإطلاق، وعلمانية الدولة الغربية لا تعني علمانية المجتمع الغربي الذي تحافظ مؤسساته الدينية والعديد من طوائفه على انغلاقها وطهرانيتها، وحتى الليبراليون أنفسهم يبقون ليبراليين في مجالات وغير ليبراليين في مجالات أخرى، ويحتفظون أيضاً بولاءاتهم الإثنية والقومية والدينية وتوجهاتهم السياسية المحافظة· والليبرالية ذاتها، برغم قيمها العظيمة وإعلائها شأن الكرامة والحرية والاستقلالية والمساواة بين البشر، لا تحتكر تلك القيم التي يمكن تعريفها بطرائق أخرى لا تشكل الصيغة الليبرالية إلا إحداها· كما تهمش الليبرالية قيماً عظيمة كالتضامن بين البشر وتكافؤ الفرص والغيرية والتواضع وإنكار الذات، ولا تتمتع بحساسية كافية لأهمية الثقافة والتجذر والانتماء المجتمعي· إن باريخ يقدم أفكاره عبر كتاب هام حمل عنوان ''إعادة النظر في التعددية الثقافية''، وقام بترجمته الدكتور مجاب الإمام، وهو يقع بنسخته العربية في ستمائة وست صفحات من القطع المتوسط، وقد أصدرته الهيئة العامة السورية للكتاب· يستعرض باريخ في الفصل الأول من كتابه تطور التقاليد الطبيعية، ويتقصى صيغها الرئيسة ويناقش كلاً منها على حدة، وعلى اعتبار أن الليبرالية أكثر المبادئ السياسية تقبلاً للتنوع الثقافي، يتناول بشيء من الإسهاب دراسة نزعاتها الأحادية التي واجهت العديد من التحديات منذ بداياتها الأولى، على يد مختلف التقاليد الفلسفية الفرعية، كالتشكيكية والنسبوية والتعددية الأخلاقية· لكن التعددية الثقافية نفسها لم تبلغ حقاً مرحلة النضج والاعتماد على الذات إلا في القرن الثامن عشر، حين بدأت أشكال التفكير التاريخية والاجتماعية والأنثروبولوجية بالظهور ووضع التنوع الثقافي في مركز مشروعها الفكري والفلسفي، وعلى رأس جدول أعمالها· ونظراً لأن فيكو ومونتيسكيو وهيردر أظهروا درجات متفاوتة من التعاطف معها، يتناول باريخ بالبحث أفكارهم في الفصل التالي، محاولاً استشفاف مكامن القوة والتبصر ومكامن الضعف والمحدودية في كل منها· ومع إدراكهم قصور كل من الأحادية والتعددية التقليدية، سعى الكثير من منظري المجتمع التعددي الحديث، وكلهم تقريباً من الليبراليين، إلى إعادة النظر بالمكانة التي تتبوؤها الثقافة في الحياة الإنسانية فأعطوا الحوار توجهاً جديداً· الطبيعة البشرية بعد ترسيخ حاجة المجتمع متعدد الثقافات إلى نظرية شاملة، ينتقل الجزء الثاني من الكتاب إلى رسم معالم هذه النظرية وتحديد أطرها العامة، فيتناول بالدراسة النقدية مفهوم الطبيعة البشرية ويظهر أنها، رغم أهميتها وفائدتها، هشة لدرجة لا تسمح بإقامة البحث الفلسفي المطلوب· كما تعجز عن تقديم نظرية شاملة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الثقافية للبشر، بما فيها الطبيعة الإنسانية وأشياء أخرى كثيرة· ويتناول الجزء الثالث بعض المشاكل العملية في المجتمعات متعددة الثقافات، كنوعية الاختلافات التي يجب الاعتراف بها، وكيفية حل الخلافات المتأصلة في بنية النضال من أجل هذا الاعتراف· ثقافات العالم يجمعها التمييز العنصري ضد النساء أمثال الشعوب عن المرأة صاغها الرجال حلمي النمنم - تتباين الثقافات في العالم، لكنها تكاد تتشابه في موقفها من المرأة، هذا ما يثبته الكتاب الذي صدرت ترجمته العربية مؤخرا بالقاهرة، وهو بعنوان ''النساء في أمثال الشعوب'' والمؤلفة هولندية تعمل استاذة بجامعة ليدن هي ''مينيكيه شيبر'' ووضعت الكتاب باللغة الانجليزية ورفضت ان تكتبه بلغتها الوطنية لأنها أرادت له انتشارا واسعا، وصدر الكتاب عام 2004 وفي نوفمبر 2005 كانت تشارك في المؤتمر الدولي الثامن للأدب المقارن بجامعة القاهرة، واستغلت وجودها في مصر لتبحث ترجمة كتابها الى العربية، وبالفعل قامت بترجمته كل من منى ابراهيم وهالة كمال· يضم الكتاب 15735 مثلا من مختلف الثقافات، بما فيها الثقافة العربية، جمعتها من المصادر واستمعت اليها من المحادثات الشفوية· وتكشف الأمثال عن أن الناس في مختلف أنحاء العالم قد يشتركون في نفس الافكار، ففي بريطانيا مثل انجليزي يقول ''المرأة تخرج من منزلها ثلاث مرات: عند تعميدها وزواجها ودفنها'' وهو يلتقي مع مثل عربي يتردد في المغرب، تحديدا في منطقة الصحراء يقول ''الطفلة عندها زوج خرجات، الأولى نهار العرس والثانية نهار اللي تموت'' وهذا ما يدفع المؤلفة الى ان تذكر في مقدمة الطبعة العربية ''ومن المؤكد ان بعض الافكار التقليدية التي تصر على وجود أدوار صارمة فاصلة بين النساء والرجال لا تقتصر على الفكر العربي أو الاسلامي''· نحن وهم المؤلفة مشغولة بالبحث عما هو مشترك أو متقارب بين الشعوب وعندها أن المعرفة المشتركة هي مفتاح مهم للتعايش السلمي على كل المستويات، فالنظر الى ما نشترك فيه كآدميين مثمر تماما وهو اكثر الحاحا اليوم من أي وقت مضى وهذه نقطة انطلاقة تتفوق كثيرا على الصراع الدائر حول ''نحن'' في مقابل ''هم''، على من ينتمي في مقابل من لا ينتمي، وفي أسوأ الأحوال، اسقاط محاور خطيرة للخير والشر ''بيننا'' و''بينهم'' وهي متفائلة وتدرك ان كلاً منا يبحث عما يريده ويتوقعه ''نحن بحاجة لأن نؤكد ان هؤلاء الذين يبحثون عن الاختلافات سوف يجدون فقط الاختلافات، ولكن هؤلاء الذين يبحثون عن التشابهات سوف يكتشفون ما يخبره البشر أو ما سوف يخبرونه معا، ما يجعلنا كبشر ليس فقط نتاجا للعولمة كما يعتقد البعض، ولكن ايضا نتاج مفاهيم انسانية قديمة، حيث نشترك في شكل أجسادنا وفي بعض الاحتياجات والخبرات الأساسية وهكذا فإن بعض المدونات على ألواح الطين قبل أربعة آلاف سنة باللغة السومرية قد تلتقي مع افكار وتأملات مكتوبة باللاتينية مثلا أو مع امثال شفاهية يتم تداولها اليوم في افريقيا وآسيا واميركا اللاتينية، رغم التباين بين الثقافات المحلية والظروف الحضارية هنا وهناك· فصول الكتاب مرتبة في بناء هرمي، قاعدته ''جسد الأنثى'' باعتبار ان الجسد الانساني هو البداية ثم أعضاء الجسد، وما يدور حول كل عضو من أمثال، وتأتي بعد ذلك مراحل الحياة الطفولة والصبا ثم العروس والزوجة، والأم والأرملة والمطلقة ثم الشيخوخة، وبعدها تتناول حالات الحياة من الحب الى الأمومة وغيرها· وهناك أوجه شبه كبيرة ولنتأمل الأمثال التي تتعلق بالرأس والرقبة، يقول المثل الهولندي ''تمشي المرأة الصالحة بلا رأس'' والمعنى لا يكون لها أي شخصية أو فكر أو إرادة، وهذا مهم كي تتزوج· ويلتقي هذا مع مثل آخر في الارجنتين ويحمل نصيحة للفتاة المقدمة على الزواج ''احن رأسك يا عروسة اذا كنت تريدين دخول الكنيسة'' ويلتقي هذا مع ما جاء في الانجيل ''الرجل رأس المرأة''· كلام المرأة وفي بعض المناطق تحمل المرأة على رأسها بعض الاشياء مثل جرة ماء او طبق مملوء وغير ذلك وقد تنشغل المرأة عن ذلك بأشياء وتحذرها بعض الامثال من ذلك في اليمن مثل ''جفت الخضراوات على رأسها من زمن ولم تتوقف بعد عن الكلام'' اي ان الكلام عطلها عن كل شيء ونسيت ما على رأسها، ويقول مثل انجليزي قريب من هذا المعنى ''الكلمات ليست أحمالا على الرأس'' وهناك مثل عربي اقوى من كل هذا يقول ''المرأة كيف البصل رأسها دايما تحت''· وتهزأ الأمثال من مخ المرأة بل تفترض انها بلا مخ اصلا ويقول المثل المغربي ''الجمال عندك يا ابنتي، والذكاء سأشتريه لك'' اي انها بلا ذكاء ولكن المثل الالماني اقسى كثيرا اذ يقول'' للمرأة شكل ملاك وقلب ثعبان ومخ بغل''· ويقول مثل سائد في غرب افريقيا ''ذكاء المرأة هو ذكاء الطفل'' وهناك امثال عديدة في هذا السياق· والامثال المتعلقة بالجنس تكاد تكون متطابقة، وتحتل الامثال العربية مقدمة هذه الامثال وهي كثيرة، ورد ذكرها بصفحات الكتاب· ويتصور كثيرون ان الثقافة العربية وكذلك المجتمع العربي وحده لا يسعد بإنجاب البنات، ويفضل الولد على البنت، لكن الكتاب يثبت ان تلك المشاعر والافكار سائدة على مستوى العالم تقريبا، في بلاد المغرب العربي يقال ''زوج عقارب في دار ولا زوج صبايا'' وفي اسبانيا والارجنتين وكاتلونيا يقول المثل ''اربع بنات وزوجة، خمسة شياطين ضد اب واحد'' ويقول المثل العبري ''سعيد هو ابو الصبيان وتعيس هو ابو البنات فقط''· أمثال ذكورية وتلاحظ الباحثة الهولندية ان الامثال تقوم بإقصاء وجهة نظر النساء، فالامثال الشفهية وكذلك المكتوبة ذكورية، صاغها الرجال، وتعبر عنهم·· الامر الذي دفع المترجمتين المصريتين الى ان تقولا في المقدمة'' ان الامثال تكشف عن اوجه التمييز ضد النساء على اساس الجنس في الثقافة الشفاهية في كافة ارجاء العالم، وبالتالي يمثل هذا الكتاب اضافة في مجال دراسات الجنس التي تهتم اساسا بتتبع علاقات الجنسين وانعكاساتها في اشكال التعبير الثقافي والحياة اليومية''· لكن المؤلفة تحمل وجهة نظر اوسع واكثر رحابة فرغم ان الامثال تكشف عن اوجه شبه كثيرة وواضحة لكنها تثبت كذلك بعض الاختلافات الثقافية والمحلية، ففي المناطق التي يهددها الجوع نجد فيها اشادة بجاذبية السمنة وامتلاء جسد المرأة، حيث يعد ذلك دليلا على الرفاهية والثراء أو كما يقال بالعامية ''بنت العز وأكل الوز'' وفي المناطق المعرضة للجفاف باستمرار تصبح للمياه قيمة غالية بها، ولذا يتم الرمز الى المياه احيانا بالمرأة· وبالتأكيد فإن الكثير من الامثال لا تبدو متوائمة مع عالم اليوم، الذي يمنح المرأة فرصة مساوية للرجل في التعليم، أي انه اعترف بأن لديها عقلا لا يقل عن عقل الرجل وهكذا في مجالات العمل وغيرها· وتذهب المؤلفة الى أنه ليس معنى هذا رفض تلك الامثال او فرض الرقابة عليها، بل لا بد من تذكرها وتأملها لإثارة الوعي لدى النساء والرجال، خاصة ان الثقافة ليست ساكنة وكذلك الامثال، واذا كانت تلك الامثال تشكل جانبا من التفكير اليومي في عدد من المجتمعات، فلا بد من تأملها ودراستها· وفيما يخص المناطق العربية، لاحظت الاستاذة الهولندية ان الامثال الدارجة يتكرر ظهورها نفسها في كل البلاد الناطقة بالعربية، في افريقيا وآسيا، كما تقترب من الامثال في البلاد الاسلامية، وهذا يعني أن المؤثر الثقافي المشترك وهو هنا الثقافة العربية والاسلامية، عنصر فعال، كملا تلاحظ المؤلفة الكثير من الامثال اليهودية خاصة في المغرب واليمن وليبيا تأثرت إلي حد كبير جدا بالثقافة العربية، فضلا عن انها تتردد وتروى باللغة العربية، وهناك شبه كبير بين بعض الامثال العربية والعبرية، كما تبين انتقال امثال من غرب افريقيا إلى الاميركتين وإلى منطقة الكاريبي عبر تجارة العبيد، لذا اكتسبت بعض الامثال الافريقية في كوبا نكهة اسبانية أو مسيحية· الامثال الواردة بالكتاب جمعتها الباحثة من اكثر من 240 لغة وتنتمي إلى 150 بلدا على الاقل، وهي تعد بذلك مجرد ''صورة معقولة تعكس رؤية عادلة للنساء في الامثال حول العالم'' وتحكم على كتابها بأنه مجرد ''عرض متواضع لما هو موجود، حيث يمكن جمع ودراسة ملايين اخرى من الامثال'' حول المرأة· ألماني يعيش وحيداً بين مليار وثلاثمائة نسمة ''وحيدا بين مليار وثلاثمائة نسمة·· رحلة صينية من شنغهاي حتى كاتمندو''، تحت هذا العنوان صدر كتاب جديد للصحفي الألماني كريستيان شميدت الذي يعيش في بكين منذ ثلاثة أعوام· وكان كريستيان شميدت قرر أن يقوم برحلة في ربوع الصين، رحلة تسجل رقما قياسيا جديدا، حيث قطع 6 آلاف كم من شنغهاي حتى التبت، مارا بأضخم سد وبأضخم مدن الأرض ازدحاما، ومتسلقا أعلى الجبال في العالم· وعاش شميدت ثلاث سنوات مع زوجته الصينية في بكين، وتعود هناك على أن يلتقي بالأجانب الآخرين، وظلت علاقته مع الصينيين واللغة والثقافة الصينية محدودة للغاية، وتغيير ذلك كان هو هدف الرحلة التي استغرقت ثلاثة أشهر، ودون خلالها مئات الصفحات عن انطباعاته، ثم جلس خلف مكتبه كي يحول هذه الانطباعات والملاحظات إلى كتاب يصدر في الوقت المناسب قبل بدء دورة الألعاب الأولمبية· وعبر هذه الرحلة تعرف شميدت إلى الصين بحق، وأحب ثقافتها وناسها إلى درجة أنه بدأ يعتبر نفسه صينياً· المعجم المسماري·· للغات الأكدية والسومرية والعربية محاولة لقراءة نصوص اللقى بلغاتها الأم·· جاسم عاصي - صدر للباحث الدكتور نائل حنون كتاب بعنوان ''المعجم المسماري''· وهو معجم متخصص باللغات القديمة تأريخها وتفرعاتها وإشتقاقاتها· ويأتي هذا المؤلف لسد أهم فجوة في المعرفة بالتأريخ القديم، الذي تشكل اللغة أهم ركائزه، حيث يشكل اللبنة الأساس، والإعتبار الأول الذي يحدد الرؤية والكشف عن الأصول الحضارية، وتأريخيتها وخصائصها، وهي عصور ما قبل الميلاد من حضارة وادي الرافدين· إذ أن الذي جرى فيه تحديد الرؤيا والنظرة لذلك من خلال قراءة الآخر لمثل هذا التأريخ الحضاري، بينما المطلوب من خلال المنطق العلمي قراءته من لدن الذات المعنية بمثل هذا الإرث· من هذه النقطة حدد الباحث مسعاه هذا إنطلاقا من خطوة إعادة القراءة والنزوع إلى إكتشاف التأريخ، ومعرفة مجموع خصائصه من قبل الباحث العراقي والعربي، وهذا لا يتم إلا من خلال معرفة أسرار اللغة التي كتب بها الموروث عموما· وفي هذا ينشأ الفرق واضحا وكبيرا بين تلقي حقائق التأريخ القديم من لدن المسشرقين والمنقبين الأوروبيين، ثم تلقيه من قبل متخصص عراقي يعنيه هذا التأريخ، ويدفع نوازعه للكشف والمعرفة نحو فهم مظان هذا التأريخ بما يتجاوب مع الحاجة الأصيلة لذلك· لذا نجد كما يجد الباحث أهمية إصدار معجم كهذا، والذي يؤسس لقدرات قرائية مستقبلا· وكما أكد الدكتور نائل حنون على أن الأوان قد حان للتواصل مع الإرث الحضاري وفهمه واستعماله في الحاضر والمستقبل إستنادا إلى الحقيقة العلمية في البحث والكشف عبر آلية علمية دقيقة هي اللغة، متمثلة في منجز المعجم بإعتباره واحدا من وسائل إعداد آلية علمية للتعامل مع اللغتين السومرية والأكدية· قراءة جديدة إن الإتصال مع الموروثات الحضارية بهذه الطريقة العلمية أو غيرها، منسجمة مع قيمة المنجز الحضاري أولا، ومن الكيفية التي يتعامل بها مع الموروثات في التأريخ ثانيا· فالسؤال في كيفية التعامل هو عين الهم الذي يأخذ مساره إلى اختيار السبيل للوصول· ولعل هنا، وما أكده الباحث، هو القراءة الجديدة والذاتية، مجسدة في معرفة الوسيلة/ اللغة· لذا فالمعجم ضرورة ومشغولية دائمة للتعامل عند العلماء المتخصصين والطلبة والباحثين الذين يهمهم هذا الشأن وبالتالي للقارئ المتخصص وغير المتخصص الذي يروم الإطلاع على نتاج منقول بشكل مباشر من لغة قديمة إلى لغته الأم، بعيدا عن اللغة الوسيط· يؤكد الدكتور نائل حنون على أن النتاج الفكري والمادي الذي تنعم به البشرية اليوم يعود في أصوله إلى تلك العصور الرائدة في التأريخ، خاصة في المنجز الأهم، وهو الإختراع الأول للكتابة في التأريخ، حيث يعقد مقارنة بين الأقراص الصلبة التي تحفظ المعلومات اليوم، وبين ألواح الطين النيء والمشوي، الذي دام قرون طويلة، وتعرض إلى متغيرات كثيرة في طوبوغرافيا الأرض والكون· وهذا الدوام والأزلية في الحفظ يعزى إلى رقي الفكر أساسا، وتطور العقل البشري، متجسدا ذلك في إبتكار لغة تشتغل في التدوين، ووسائل حفظ لمدوناتها، لغة لها قوانينها وأصولها الراقية والمتمكنة من أداء وظائفها الحضارية· صناعة الذاكرة وفي حقل الصراع، يرى المؤلف، إن أي جهد في إبتكار وسيلة إتصال بالتأريخ القديم، أو الحلقات الأولى له، إنما تواجه بموقف، يجسد الصراع الحضاري أساسا بين قطب يحاول أن يطور وسائله لمعرفة مظان هذا التأريخ ذاتيا، وقطب آخر يحاول التشديد على تعطيل هذه المحاولة· إن الصراع الحضاري، لم يكن صراعا بنسق إنساني سلمي، وإنما هو يتخذ من سلطة الإمحاء والنفي وسيلتين لتحقيق هدف معين· فالإمحاء يتجسد في إبقاء الإنسان أسير معرفة الآخر، وإمحاء المعلومات تدريجيا عن طريق تقديم وجبات معرفية يصوغها الآخر على وفق تصوراته وأهدافه، بينما يكون النفي منطقا للإمحاء عن كل ما يتصل بالتأريخ· وفي كلا الحالين يكون من السهل إملاء بياض العقل وصناعة الذاكرة· بمعنى ـ وهذا ما أكده الباحث ـ في كونهم يحاولون أن يتركوننا متلقين فقط لما يقرأه الوسيط من تراثنا· وهنا ينسحب مثل هذا لطريقة القراءة وتفسيرها وتأويلها، بل يحدد النظرة في جعله من باب الصناعة الجاهزة، الخالية من أي جهد مثابر للكشف والإستقصاء· إن هذا الرأي ينسحب أيضاً إلى إعداد المعاجم، حيث لا يغمط الباحث جهد الآخر، بل يؤكده، في الوقت نفسه، لا يدعو إلى الإعتماد كلية على معاجم مترجمة من قبل علماء الغرب، بل لابد من إعداد معجم عراقي ـ عربي بهذا الشان والفرق واضح جدا بين الجهدين وما يتركه هذا الجهد من أثر على طبيعة البحث والتنقيب الآثاري، وقراءة نصوص اللقى عبر لغتها الأم·· حيث يقوم الباحث باستعراض كل الجهود المبذولة في إصدار معاجم في الغرب الأوروبي، متخصصة باللغات القديمة· ويقارن بين مابذله الغرب، وبين الجهد المبذول الآن· مؤكدا على أن هذا المعجم يشمل ''اللغات السومرية والأكدية والعربية والعلامات المسمارية للغتين السومرية والأكدية معا· فضلا عن إحتوائه على فصول في فقه هاتين اللغتين وقواعدهما· وقد تضمن الكتاب الفصول الآتية : بحث في الكتابة المسمارية وإختراعها وتطورها· بحث في إكتشاف النصوص المسمارية وحل رموزها· كشف عن نظام تعريب الدراسات والقراءات المسمارية· اللغة السومرية وتأريخها وقواعدها· اللغة الأكدية تأريخها وقواعدها· تضمن الأفعال المقطعية للكتابة المسمارية· بحث العلامات المسمارية عبر ثلاثة آلاف عام· وأشبع الباحث فصول بحثه بكل مايرفد إظهار الحقيقة وتجسيدها، بجهد علمي دقيق، مشفوع بالأمثلة والتبويب، وإتباع أسلوب التسلسل والمنطق للوصول إلى حقائق ما هو مبحوث والمراد الوصول إليه· حيث أكد في فصل الكتابة المسمارية على أن الكتابة التي إخترعها العراقيون، وأنهوا بها عصور ما قبل التأريخ مكنت البشرية من الولوج إلى العصر الحديث· وقد إختزلت الزمن بين حدث حضاري وآخر بعشرات الأشهر بدلاً من عشرات السنين· وبهذا تكون الثورة المعلوماتية الحالية، ماهي إلا الصفحة الثانية من قدرة حضارة واحدة كانت صفحتها الأولى إختراع الكتابة في العراق قبل خمسة آلاف عام· فكلا الثورتين بدأتا من الحساب وعمليات الجمع والطرح· لور أدلر تدخل في كتابها سنة الوداع إلى كواليس قصر الإليزيه نميمة ومصالح ونساء وزر نووي الطيب بشير - تمكنت لور أدلر مؤلّفة كتاب ''سنة الوداع''، من زيارة المكان الخاص بإطلاق السّلاح النووي الفرنسي، وهو من أكثر الأماكن سريّة، وهو موجود في طابق تحت الأرض بقصر الاليزيه بباريس، وللدّخول إليه مرّت الكاتبة عبر ثلاثة أبواب مصفّحة، تفتح على روّاق به عديد المكاتب من بينها قاعة فسيحة للاجتماعات بها خارطة عملاقة للعالم· والمكتب الذي به الزرّ النووي هو، كما تصفه المؤلفة، مكتب بسيط، به كرسيّ يتيم، وطاولة واحدة، ورفوف مكتبة فارغة، بلا كتب، وعلى الطاولة جهاز صغير يشبه جهاز الهاتف، وهو الذي بإمكانه إذا زوّده رئيس الدولة بالشيفرة السريّة أن يعطي إشارة إطلاق السلاح النووّي، ورئيس الجمهوريّة وحده، باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلّحة، له النفوذ والسلطة لإطلاق السلاح النووي، والشيفرة النوويّة تعتبر أحد أهمّ أسرار الدولة، إن لم يكن أهمّها· عالم·· بأسره كتاب ''سنة الوداع''، الصّادر باللغة الفرنسيّة، عن دار فلاماريون للنشر، هو يوميّات للصحفيّة والمؤرّخة لور أدلر التي رافقت الرئيس الفرنسي الرّاحل فرانسوا ميتران على امتداد أكثر من عام (من يناير 94 الى مارس 95) في الفترة الأخيرة من ولايته الثانيّة، وقد سمح لها بالدّخول إلى كواليس قصر الاليزيه، وإجراء اتصالاتها بمن تريد بكلّ حريّة، وكانت تلتقي بالرّئيس مرّة في الأسبوع لتسأله عن المواضيع السياسية والشخصية والمسائل الهامّة والهامشيّة التي كانت ترغب في إثراء كتابها بها، فجاء مؤلّفها زاخرا بالمعلومات، ثريّا بالشهادات، كاشفا عن الكثير من الأخبار و·· الأسرار· وقصر الاليزيه الذي يضمّ أخطر أسرار الدولة الفرنسيّة وأهمّها، له وجه آخر أطنبت المؤلفة في إبراز كل جزئيّاته وتفاصيله، فهو مكاتب وحدائق، ومطابخ، ونساء جميلات، ومغامرات عاطفيّة، وحتى مساومات جنسيّة· وفي أروقة القصر الرئاسي تدور نكت سياسية، وتسرّب إشاعات، هناك قصص مسليّة حينا، ومؤلمة حينا آخر، وبين جدران القصر تحاك دسائس سياسيّة وشخصيّة، وتدبّر مناورات نبيلة حينا وخسيسة حينا آخر، وبين الموظفين والمستشارين منافسات وعداوات وصداقات، وحصل أن انتحر أحد كبار المستشارين للرئيس في مكتبه بالقصر مما أثار ضجة وتساؤلات، ولكن الاليزيه هو أيضا اجتماعات هامة، وقرارات مصيرية، وسهر على شؤون البلاد والعباد·· إنه عالم بأسره· وقد اهتمت لور ادلر من خلال لقاءاتها مع مختلف العاملين في الاليزيه بكيفية سير عمل رئيس الدولة، وأسلوبه في إدارة شؤون البلاد، وذكرت مثلا أنّ فرانسوا ميتران كان يطلب من احد مستشاريه مدّه برأيه في مسألة من المسائل، ويحيل نفس الملف إلى مستشار آخر، دون أن يعلم أيّ منهما بالآخر· جوانب من شخصية ميتران ولميتران جوانب أخرى في شخصيته غريبة وطريفة، وقد أوردت المؤلفة في كتابها القصّة التاليّة على لسان جان لوي بيانكو، وهو أحد المقرّبين جدّا من الرئيس، وعمل سكرتيرا خاصّا له، ثمّ وزيرا· يقول: ''سكنت بيتا كان ملكا لامرأة عجوز توفيت، وفي حديث لزوجتي مع فرانسوا ميتران، عند إحدى زياراته لنا، حكت له أنها كانت ترى من حين لآخر المرأة العجوز تتجوّل في المنزل· إني كنت أسخر من زوجتي، وأتهكّم مما كانت ترويه، وكنت أؤكد لها أنّها مجرّد خيالات، ولكن ميتران أخذ المسألة بكلّ جدّ، وكان في كل مرّة يزورنا يسأل زوجتي بكل جديّة عن أخبار المرأة العجوز الميّتة التي تتراءى لها أحيانا''· وكشفت المؤلفة أنّ فرانسوا ميتران كان يحبّ الحفلات الرسميّة، والمواكب التي تقام في القصر أو خارجه، ويستمتع بإلقاء الخطب، وهو متكلّم بارع وخطيب بليغ، كما يحبّ مختلف المواكب التي يوسّم فيها الشخصيات السياسيّة والفكريّة والفنيّة، ويحبّ أثناء تلك المواكب تبادل القبلات، وخاصة مع النساء الجميلات· وفي العام الأخير من ولايته عانى فرانسوا ميتران من بعض الصحف التي أسر للمؤلفة بأنها ناصبته العداء، وكانت له بالمرصاد، تتصيد أخطاءه، وتنبش في ماضيه، وتثير حوله الشكوك، ومن أهم تلك الصحف جريدة ''لوموند'' التي وصل الأمر ببعض المستشارين إلى حد القول إنها كانت تقتات من الإشاعات لقتل الرئيس (وكان مريضا) قبل أجله وذلك ليزداد حجم مبيعاتها· ورغم التقاليد العريقة في تعامل رؤساء فرنسا مع الإعلام فقد طفح الكيل بفرانسوا ميتران إلى الحد الذي اتخذ فيه قرارا، بإلغاء كل الاشتراكات الخاصة بموظفي القصر بالجريدة المذكورة· منافسة وغيرة من الأماكن التي وصفها الكتاب هي مكاتب السكرتاريّة الخاصّة بالرئيس، فهي تعجّ بالكثير من النساء، وتعبق فيها روائح العطور الزكيّة، وتنتشر في أرجائها الكثير من باقات الورود الجميلة والمزهريات التي يشرح منظرها العين والقلب· إنّ عددا كبيرا من المحيطين بالرئيس هم من ذوي الخبرة، وفيهم من تقدّم بهم العمر، ولكن هناك أيضا الشباب، حتى أن إحدى المقرّبات جدا من الرئيس كانت امرأة في الرابعة والثلاثين من العمر (آن لوفرجون)، وقد نجحت بذكائها ونشاطها أن تقتلع مكانة هامّة لدى الرئيس في الأعوام الأربعة الأخيرة من فترة حكمه، وهو ما أثار غيرة الكثيرات· هي امرأة، شقراء، رياضية، واستطاعت بفضل خصالها المهنية والشخصية أن تكون محط أسرار الرئيس· مكتبها كان محاذيا لمكتبه مباشرة، وكلّ المذكرات الموجّهة من المستشارين له تمرّ عبر مكتبها قبل وصولها إليه، واختارها ميتران لذكائها طبعا، وأيضا لقدرتها على التصرّف بسرعة في أدقّ الحالات المستعجلة، ثم إنها صريحة، تقول للرئيس كلّ شيء، وهي إلى جانب كل ذلك مرحة، ودائمة الابتسامة· وخلال اجتماع قمّة حضره ميتران والرؤساء الأفارقة، وبعد أن انتهى من إلقاء كلمته في الجلسة الافتتاحية وصافح القادة الحاضرين اقترب الرئيس من سكرتيرته وهمس لها: ''فلان الذي صافحته منذ حين اغتال كل إخوته، وفلان الآخر الرئيس سقى السمّ لكل المعارضين له''· وهناك صنف آخر من المستشارين قدمت مؤلفة الكتاب صورة عنهم من خلال لقاء جمعها بأحدهم· تقول: ''دخلت مكتبه، فلاحظت أن كلّ الصور المعلّقة على جدرانه هي للمستشار رفقة الرئيس، فهو في صورة معه في السيّارة، وفي أخرى يتقدّمه في موكب رسمي، وفي ثالثة معه في رحلة للريف الخ··''· تعمّد أن يتظاهر أمام الصحفية بأنه رجل مشغول وأنه رجل مهم، وبالغ في إجراء مكالمات هاتفية كثيرة أمامها مع مسؤولين اخبر بعضهم انه سيتدخل لحلّ هذا المشكل أو ذاك، وطبعا استنتجت الصحفية انه كان يلعب دورا، حتى أنها قالت ساخرة: ''خلت نفسي في عالم إحدى الروايات أو الأفلام''· والكثير من العاملين والموظفين بالقصر يمضون سنوات عملهم ولا تتاح لهم فرصة رؤية الرئيس وجها لوجه، فالاليزيه يعجّ بعدد كبير جدا من الموظفين وخاصة الموظفات الجميلات، وليس أمرا غير عادي أن ترى موظفا يغازل موظفة حسناء في أروقة القصر، علما بأن عدد الموظفين والعاملين عند جمع المؤلفة لمعلوماتها كان 930 شخصا· كواليس الزيارات رافقت المؤلفة ميتران في زيارة رسمية له لإفريقيا الجنوبية، ولاحظت أن من يصطفيه الرئيس في مثل هذه الزيارات يعد من المحظوظين، فهو يسكن أفخم الفنادق، ويأكل ألذ الأطباق، ويعامل كملك، وإذا كان البروتوكول صارما ويفرض متابعة الرئيس في لقاءاته وتنقلاته، وهو أمر متعب أحيانا، فإنّ هناك من يستمتع بالرحلة ويغيب طيلة الزيارة عن كل الحفلات والاجتماعات ويعيش سائحا في البلاد ولا يظهر إلا ساعة العودة· كما رافقت لور أدلر ميتران في رحلته إلى ساحل العاج لحضور جنازة الرئيس الراحل هافوات بوانييه، وضمّت قائمة المدعوين للرحلة شخصيات سياسية عديدة تنتمي إلى عائلات سياسية مختلفة، وكان من أعسر الأمور بالنسبة للبروتوكول تحديد أماكن جلوس كل واحد في الطائرة اعتبارا لقواعد دقيقة ومعقدة، ووضع يومها البروتوكول جنبا إلى جنب اثنين من رؤساء الحكومة سابقا، لا يطيق أحدهما الآخر، ولاحظت المؤلفة أنه طيلة الرحلة لم يكلم احدهما الثاني إطلاقا، وكل منهما تعمّد أن يسرّح نظره في الاتجاه المعاكس للآخر· الوزير والممثّلة الحسناء ومعروف عن الرئيس الراحل فرانسوا ميتران حبّه للقيام بنزهات على رجليه في بعض شوارع باريس، وعندما يغادر الرئيس مكتبه فإن عديد المقرّبين منه يمنون أنفسهم بمرافقته في السيّارة التي تكون في انتظاره، وتكون خيبة أمل عندما يقرّر الرئيس أن يبقى بمفرده، وجاء في الكتاب أنّ الرئيس الفرنسي الراحل لا يطالع عندما يكون في السيارة إلا جريدة ''ليكيب''، وهي أشهر جريدة رياضية في فرنسا، وهو يسأل ويتابع آخر أخبار ونتائج نادي ''باري سان جرمان''، ولاحظت المؤلفة أن فتح باب سيارة الرئيس وغلقه مهمة موكولة إلى موظف يحذق عمله، ففتح باب السيارة ساعة ركوب الرئيس وغلقه بعد صعوده او نزوله يتم بأسلوب مدروس ومحدد وبحركات دقيقة· ويحصل أحيانا بعد انتهاء اجتماع مجلس الوزراء كل يوم أربعاء أن يدعو الرئيس من يريد لتناول الغداء معه في مطعم ''ليب'' الشهير القريب من القصر، وصادف ذات مرّة أن الطاولة المقابلة لطاولة الرئيس في المطعم المذكور كانت بها الممثلة الفرنسية الحسناء صوفي مارسو، فاستغلّ ميشال شاراس، وهو أحد المقربين للرئيس، الفرصة ليتجه إلى الممثلة الجميلة ليسلّم عليها و·· يقبّلها، وشاراس يحبه الرئيس وقد عينه وزيرا، وهو أمامه يظهر دائما بمظهر المطيع والمتواضع، والرئيس يستلطفه لأنه يضحكه· رمشة عين وفي الكتاب وصف دقيق للأشهر الأخيرة لولاية ميتران، وما أظهره من شجاعة نادرة في الصمود ومقاومة مرض السرطان الذي نهش جسده ونخره، وقد أسر للمؤلفة بمشاعره وأحاسيسه، وعاشت معه ساعات الملل والضجر والألم، ولاحظت حالات القلق والغضب، وصارحها بأنه غير مكترث بالذين انفضوا من حوله وهو في خريف العمر، فقد خبر الناس والحياة وانه لم يعد يعتقد، في عالم السياسة، بقيم الإخلاص والطيبة والوفاء، فحتى بعض من صنعهم سياسيا انقلبوا عليه، ولذلك فلا شيء في آخر حياته السياسية أصبح يثير استغرابه إلى درجة انه ذكر للمؤلفة انه لم يعد يثق في أحد إلا في نفسه· وميتران رجل عميق التفكير، واسع الثقافة، ملما بالتاريخ قديمه وحديثه، متشبعا بالفلسفة وقد لخص تجربته الثرية في الفكر والسياسة بقوله للمؤلفة: ''الحياة ليست سوى رمشة عين''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©