الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

درويش نقل القضية بالقصيدة إلى الشعر العالمي

درويش نقل القضية بالقصيدة إلى الشعر العالمي
20 أغسطس 2008 22:30
ماذا عنت وفاة الشاعر محمود درويش، لأهل الشعر والأدب في لبنان، وفي عاصمته بيروت، المعاني كانت رئيسية ومتعددة، أهمها أن شعر درويش كان رمزاً للحداثة، وأن قصيدته الوطنية كانت موئلاً للخروج من التقليدية إلى التجددية، باتجاه النبض الجماهيري· فما سر محمود درويش؟ ولماذا خاف من شعره الكنيست الإسرائيلي؟ وكيف يمكن أن نرثي نحن العرب هذا الشاعر العربي الكبير؟ يقول الدكتور أمين ألبرت الريحاني: القصيدة والقضية الفلسطينية، اكتسبا أهمية كبيرة في تجربة محمود درويش الشعرية· فعلى صعيد القصيدة استطاع أن يكون رمزاً للحداثة المعاصرة في الشعر العربي، وأقصد الانتقال به من طور الشعر التموزي إلى طور الشعر المستقبلي وذلك من خلال الصورة الحديثة لقصيدة النثر، أو للشعر المنثور· وهذه نقطة تسجل لدرويش· أما على صعيد القضية، فقد تمكن درويش من أن ينقل القضية الفلسطينية إلى مستوى اللغة العالمية· في حين أننا لم ننجح نحن المثقفين العرب ولم ينجح القياديون العرب، في نقل هذه القضية إلى اللغة العالمية التي يفهمها الجميع، سواء كانوا معها أم ضدها· نشر محمود لغته في أرجاء العالم، وأعتقد أنه عند انقضاء مدة زمنية طويلة، وبعد أن تؤرخ القضية الفلسطينية، سياسياً، سيصار إلى مداخلات متناقضة على صعيد الاختلاف في وجهات النظر السياسية والتاريخية· أما لغة الشعر فلن يستطيع أحد أن يداخل فيها أو أن يواجهها ويغيرها، وهذا بالتحديد، ما تركه للقضية ولنا، الراحل محمود درويش· القصيدة السيف ويقول الشاعر هنري زغيب: صدمنا غياب محمود، وهو في عز ربيعه الشعري والنضالي خانه قلبه لكثرة ما انفطر هذا القلب على فلسطين، الشعب والأرض، هو الذي تشرد منفياً، فوجع قلبه في التشرد والمنافي، وحين عاد إلى أرضه، وجع قلبه أن لم يعد معه جميع المنفيين والمشردين· لذلك أرهق محمود قلبه بالشعر، والشوق والقهر والانفعال· فشهر قصيدته لا سيفاً يقاتل، بل خنجراً في قلب العدو الإسرائيلي· وليس أدل على قوة قصيدة محمود، مثل رائعته ''عابرون في كلام عابر'' التي ارتجت لها فرائص الكنيست الإسرائيلي، فناقشوها في جلسة عامة، لكثرة ما يعرفون أن قصيدة محمود درويش تزلزل ثورة الفلسطينيين، فيرتعد لها العدو الغاصب· مع غيابك يا محمود تأفل شمس من الشعر والمقاومة، فيظلم عندها ليل· كل عزائنا أن تولد في هذا الليل نجمات من شعرك تواصل الطريق، حتى يرجع من جديد فجر فلسطين وصباح العودة القريبة· ويقول الباحث صقر أبو فخر: برأيي أن هناك ثلاثة شعراء من العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، تبوؤا القمم الرفيعة في حركة الشعر العام· أدونيس، محمود درويش، ونزار قباني، الفارق أن أدونيس وهو شاعر كبير لا شك، بقي شاعراً خاصاً ونخبوياً· أما محمود درويش فكانت الجموع تزحف للاستماع إلى قصائده في كل العواصم العربية، وأظن أن درويش هو الشاعر الوحيد التي كانت لغته الشعرية تتطور باستمرار، وكل ديوان أصدره كان فيه جديد· الكثير من كبار الشعراء مثل نزار قباني، وشعراء ''الكلاسيك'' مثل الجواهري وبدوي الجبل وسليمان العيسى، أنجزوا معظم إبداعهم الشعري قبل سن الخمسين، وعاش إسمهم على حكم القصائد السابقة· بينما ظلت دواوين درويش حتى آخر ديوان له، تحمل إضافات جديدة· فما سر محمود درويش؟ وما سر شعره؟ الجواب على هذا السؤال صعب· لكن ازدياد جماهيريته، كان يحمل في طياته مثل هذا الجواب، سيما وأن آخر أمسية شعرية له في مدينة حلب، استقطبت حوالي اثني عشر ألفاً· لم يدع البطولة ويقول الشاعر الياس لحود: عاش محمود درويش صادقاً في حبه لنفسه وللعالم، وفي نقده الموجع الساخر لنفسه وللعالم أيضاً، وفي هذا الهجوم الأخير على معاقل الموت، الذي هو برأيي، الواقع العربي، حيث لم يهادن ولم يوارب، لم يكذب ولم يخف، لم يدع البطولة ولم يقبل بالتنازل لأي كائن· وحتى الدولة: حتى السلطة كائناً ما كانت، عن المستوى الذي من خلاله كان يتحرك، وأعني به مستوى قراءة العالم بالشعر، وحب البشر بالشعر، ونقد البشر بالشعر، ونقد الذات بالشعر، حتى النفس الأخير، حتى اللحظة الأخيرة··· فلنقدم لدرويش على هذه الساحة العربية المشبعة بالنفاق، والكذب حتى النخاع، دقائق صمت متوالية، بل شهور صمت، بل أزمنة صمت، نحن في أمس الحاجة إليها··· الطير المذبوح ويقول الدكتور روحي بعلبكي: رحم الله محمود درويش الذي كان محرراً للعقد، مطهراً للأنفس، مصفياً من كل الشوائب، فكأنه بذلك كان مخلصاً عصرياً لقضية هي قضية حق· لكنها اختلطت بألف عنصر وعنصر· أذكر حين قدم محمود إلى بيروت، وكان صديقاً لوالدي رحمهما الله وكنا نلتقي حيناً في مبنى أقامته دار العلم للملايين بالاشتراك مع ''دار الآداب'' و ''دار نزار قباني'' لجمع الناشرين في بناء واحد، في منطقة بشارة الخوري· لكننا لم نستعمله إلا لفترة بسيطة، خلال ما عرف بالجولات المتلاحقة من الحرب اللبنانية، إذ أصيب البناء بأضرار فادحة· كان درويش يزورنا هناك كثيراً، وكنا نغادر معاً في سيارة واحدة، ونجلس إلى موائد الطعام، وكان دائماً طيراً مذبوحاً، خلع على نفسه ثوب الفداء، وخلع عن جسده ثياب الجبن، فأوجد بذلك قصته جديرة بأن تحفظها الأجيال· قصة صنع بطولة من دون سابقة· قصة استحالة النقيض، قصة التمسك بالحق في زمن الإخلال بالوعود· تحول نوعي ويقول الشاعر حمزة عبود: شكلت قصيدة محمود درويش، بعد دواوينه الأولى، تحولاً نوعياً فيما يسمى شعر القضية· استطاع محمود درويش أن يوحد المعنى أو العلاقة بين الشعر القضية، وقضية الشعر· محمود درويش قرأ الواقع العربي من خلال القضية الفلسطينية، بحرية أوسع وأكبر من قراءتها للخطاب السياسي، والخطاب الثقافي السائد· قصيدة درويش طرحت أسئلة كانت لا تزال معلقة في الشعر ''الوطني'' السائد· تجربة محمود هي تجربة باللغة، بقدر ما هي بالمفاهيم والأفكار· قبل درويش، كانت هذه المفاهيم هي التي تنسج اللغة، ولم تكن القصيدة تعرف نوعاً من الاستقلال، لم يكن للقصيدة حضورها المستقل والواعي، كانت على الأرجح استجابة لشعارات مرتجلة، وباتت مضجرة إلى حد بعيد· محمود درويش، كان بالإضافة إلى ذلك، رمزاً للحداثة الشعرية الذي وجدها في كتابات شعراء من عصور مختلفة، ومن ثقافات مختلفة، من شعراء العصر العباسي، إلى شعراء النهضة، إلى الشعراء المعاصرين، أمثال بدر شاكر السياب وأدونيس ونزار قباني· لقد استطاع درويش أن يستشرف كل هذه التجارب، فضلاً عن علاقته بحركات الحداثة في حركة الشعر العالمي· وأعتقد أن قراءة شعر محمود درويش بعد غيابه سوف تبين أن النص الشعري الذي حاوله محمود سوف يكتمل في تجارب شعرية لاحقة· ويقول الدكتور عصام خليفة: كان الشاعر محمود درويش شاعراً مبدعاً ومثقفاً ملتزماً بقضايا شعبه الفلسطيني وقد عرف كيف يطرح القضية الفلسطينية ببعدها الوطني والإنساني· من خلال الكثير مما كتب· إن وفاة محمود درويش هي خسارة كبيرة ليس فقط للشعب الفلسطيني، وإنما أيضاً للعروبة المرتبطة بقيم الحداثة والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان· لم ينتظر أحدا (إلى روح الشاعر العربي الكبير محمود درويش) بهيجة مصري إدلبي ''لم ينتظر أحدا'' على باب القصيدة حين أيقظه الصعودُ ''لم ينتظر أحدا'' طوى أوراقه ومضى إلى أبدية بيضاء يألفها الخلودُ هو عاشق والعاشقون إذا تلوا آياتهم من غيبها فاض النشيدُ ''لاشيء يوجعه على باب القيامة'' في مقام (الأين) ''أصبح ما يريدُ'' هو في مدارات البصيرة ينتقي لمجازه لغة يعرّي سره في اللاوجود يذوب في دمه الوجودُ قالت قصيدته الأخيرة ـ حين كان الموت قرب سريره غيما وفي يده الورودُ ـ قال: ''ياموت انتظرني خارج الأرض'' ''انتظر ياموت··· يا ظلي الذي سيقودني'' ''فأنا الغريب بكل ما أوتيت من لغتي'' أنا ضدان يتحدان في المعنى فيأخذني القصيدُ في الموت تكتمل الرؤى ويذوب في اللاوقت موعدنا البعيدُ الموت أبعد من سؤالي من خيالي من رؤايْ هو فكرة كالحب يهبط من سمايْ وخطاه نحوي مثلما الريح التي حفّت خطايْ هو ما نراه ولا نراه ولا نريدُ ولا يحيدُ ''لم ينتظر أحدا'' يودعه ليعرف ما يريدُ قال الطبيب سمعت أحرفه الأخيرة: قال: ها إني اكتملتُ ''ما دلني أحدٌ عليّ أنا الدليلُ أنا الدليل إليّ بين البحر والصحراء من لغتي ولدتُ'' وتلعثمت كلماته فبكى وقال ''اسمي وإن أخطأت لفظ اسمي على التابوت لي أما أنا ـ وقد امتلأت بكل أسباب الرحيل فلست لي أنا لست لي أنا لست لي'' لم ينتظر أحدا غفا كفراشة بيضاء بللها الشرودُ ''ريتا تغني وحدها'' والقدس يطعنها الجنودُ ودم الشهيد موزع بين القبائل بعد ما مات الشهودُ لم ينتظر أحدا طوى أحلامه خلف الزمنْ ألقى التحية من بعيد للجميع وقال من ألم دفين ''تصبحون على وطنْ'' المقاطع بين الأقواس من شعر محمود درويش بتصرف شاعرة سورية راجلا رحلت سيداً للشعر وفارساً·· بلا وداع لهيب عبدالخالق - لم تأخذ حياتي منعطفا جديا في مسيرتي الأدبية إلا بعد أن أضاف إليها فارس الكلمة المقاومة فقيدنا جميعا محمود درويش هدفا جديا، لقد وضعني أمام مسؤوليتي الأدبية عندما قال لي ذات يوم شتائي ممطر في بغداد عام 1986 في لقاء جاوز الظهر قليلا ''أيتها الشاعرة السومرية تكتبين بترف أسلافك، لكن ما وجهتك؟''· سؤال أحسست يومها أنه ظلمني فيه، فأنا من جيل ابتدر حياته في حضن الحرب الثمانينية، ذكرته في مساء ذاك اليوم الذي أبكاني فيه برسالته التي رد بها علي من منبره الكرملي عندما نشر لي قصيدة متواضعة، خشي أن يكون جرحني، وعقب ''سألتك إلى أين تمضين''، أجبته بتوجس ''أنا من جيل الحرب'' ، فرد ''وأين هذه الحرب فيك، أين طريقك؟؟'' كلمات قليلة لكنها وضعتني على طريقي الصحيح'' شاعرة حرب'' تحمل قضية، كان وديعا هادئا متواضعا حنونا كأب أو كأستاذ ينظر إلى رعيته بعين دامعة، لم يشأ أن يوجههم لكنه كان يقودهم، كان قائدنا جميعا والفارس الذي لم يترك صهوته، جميعنا ترجل حينا أو آخر، إلا هو، حتى في حضرة الموت بقي ممتطيا صهوته· لم ينس كلما التقيته، المرات القليلة التي التقيته فيها، في المربد، في الجزائر حين كان الفلسطينيون عام 1991 ينطلقون باتجاه أوسلوا وينزلقون عن أحصنتهم وأمسك هو بقوة بلجام فرسه، في جرش، في دبي، ذلك اليوم الممطر الذي نثت فيه عيوني بعضا من مرارتها· لم أكن بالنسبة له سوى شعب فطم على جرح المقاومة، أما درويش فكان لنا جميعا الذي قال فيه المتنبي''وقفت ومافي الموت شك لواقف''، رحل راجلا إلى موته الذي هزمه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©