الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليبيا... وأسس المجتمع المدني

ليبيا... وأسس المجتمع المدني
13 ابريل 2011 20:31
في مدينة بنغازي، وفي مبنى المحكمة التي كانت مقراً سابقاً للقضاة والمحامين الحكوميين، تمكن الشباب المتظاهرون الذين أشعلوا شرارة التمرد في هذا الجزء الشرقي من ليبيا، من بذر بذور حركة سياسية غير مسبوقة، فضلاً عن وضعهم لأسس بناء منظمات المجتمع المدني. وبعض هؤلاء الشباب إسلاميون يهيمن عليهم ذوو النفوذ الديني، وبعضهم ليبرالي متحرر يرتدي ملابس الشباب ويهتم بصرعات الموضة في مظهره العام. ولكنهم يشاركون جميعاً في بناء منظمات المجتمع المدني وجمعيات الغوث الإنساني، ويتفقون في حديثهم عن بناء الديمقراطية النيابية في بلادهم. وبالنسبة لهم جميعاً، فهم يعيشون في مناخ سياسي لم يعرفوه في أي وقت من الاثنين وأربعين عاماً الماضية من الحكم الشمولي تحت نظام القذافي. فعلى امتداد هذه العقود الأربعة، كانت الحياة السياسية حكراً على المجالس التشريعية الوطنية واللجان الثورية المحلية واتحادات الطلاب والاتحادات المهنية والمنظمات الخيرية التي يسيطر عليها النظام وحده. وفي ظل هذا النظام، انضم ضباط من قوات الجيش التابعين للجان الثورية إلى الاتحادات الطلابية والمهنية بهدف السيطرة عليها. وبينما تسامحت بعض الأنظمة الشمولية العربية الأخرى مع وجود محدود لأحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، فإن ليبيا لم تشهد حريات كهذه مطلقاً تحت حكم القذافي. وعلى حد قول زاهي مغربي، أستاذ العلوم السياسية سابقاً، فكأن ليبيا تبدأ حياتها السياسية من نقطة الصفر اليوم. وعلى إثر الخروج من هذه العزلة السياسية الطويلة، يتحدث شباب اليوم عن الديمقراطية بمفاهيم عامة وغير محددة، وهم يصارعون من أجل فهم واقعهم الجديد. وكما قال البروفيسور مغربي: فإن لهؤلاء الشباب معرفة بالخطوط العريضة لما يتطلعون إلى تحقيقه. وليس متوقعاً منهم التمتع بفهم عميق للقضايا المرتبطة ببناء المجتمع الديمقراطي، غير أنهم سوف يتعلمون دون شك خلال مسيرتهم وعملهم من أجل بناء هذا المجتمع الحر الجديد. وحتى إن افتقرت ليبيا إلى تقاليد المجتمع المدني والنشاط السياسي التي أشعلت الانتفاضات الشعبية في كل من مصر وتونس، فهي تشهد الآن نمواً مزدهراً للمنظمات الخيرية والاجتماعية. وتعمل هذه المنظمات التي اتخذت لها أسماءً مثل "أنا إنسان" و"الأيادي البيضاء" وغيرهما، على توزيع مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية للعائلات النازحة، إضافة إلى تقديم المساعدات للمقاتلين في مختلف الجبهات ضد كتائب القذافي. ولعل أكبر هذه الجمعيات والمنظمات ما يسمى بـ"اتحاد شباب 17 فبراير". فلهذه المنظمة مكاتب عديدة في مبنى المحكمة السابقة، وتتولى إدارة وتشغيل الأجهزة الصوتية ومنابر الخطابة المنصوبة قريباً من ساحة الشهداء، التي تمثل قلب الثورة البنغازية. وترسل المنظمة المؤن الغذائية والحربية إلى جبهة القتال، فضلاً عن إشرافها على توزيع الأدوية والعقاقير الطبية على المستشفيات. وهي تعمل بتنسيق مستمر مع حكومة شرق ليبيا المرتقبة. وتتألف عضوية المنظمة من الشباب المتحررين الذين يدهنون شعرهم بالكريمات، إضافة إلى أعضاء آخرين متحفظين وملتزمين من أمثال محمد العربي، البالغ من العمر 25 عاماً، والذي يرأس اللجنة الإسلامية للمنظمة. ففي أحد الأيام القريبة الماضية، أدى محمد العربي صلاته قريباً من درج المبنى، ثم دخل إلى مكتبه حيث وقع على بعض الطلبات المتعلقة بإرسال مؤن غذائية وحربية إلى الجبهة، ثم قاطعه عدد من الواقفين بانتظاره لحل المشاكل التي حملوها إليه. وكما سبق القول، فإن "العربي" يتولى زعامة التيار الديني للثورة البنغازية، وهو يتمنى مثل غيره من الإسلاميين تحول ليبيا نحو الديمقراطية حقاً. وكما يقول على لسانه: فنحن جميعاً مواطنون، وقلوبنا مع ليبيا وعليها، ونتمنى لثورتها أن تنجح وتحقق أهدافها. لكنه أكد في الوقت ذاته على أن المقاتلين الثوار يفخرون أشد الفخر بتراثهم الإسلامي الذي ليس فيه ما يستحون منه، على رغم ما ارتبط بهذا التراث من مشاعر وتضمينات سالبة في عيون الغربيين. ويعتقد "العربي" أن من الطبيعي والمنطقي أن يمزج الثوار الليبيون بين معتقداتهم الدينية ورغبتهم في بناء المجتمع الديمقراطي الحر. ويرى هذا القائد الشاب أن على أقرانه من شباب الثورة أن يطلبوا مساعدة الفقهاء وعلماء الدين لإرشادهم الى الطريقة التي يبنى بها المجتمع الديمقراطي الجديد. غير أن تيار الشباب الأكثر ميلاً للعلمانية يرى أن من الواجب طلب المساعدة في بناء المجتمع الديمقراطي الجديد من الأساتذة والمختصين في العلوم السياسية وليس فقهاء الدين. فعلى سبيل المثال، واصل علي عطية -أستاذ جامعي مختص في الإعلام، في الثلاثينيات من عمره- لقاءاته بعدد من طلاب الطب والصحافة وغيرهم من أجل مساعدتهم على تأسيس حزب سياسي. وتتم هذه اللقاءات بشكل غير رسمي يومياً في مكاتب المحامين القريبة من مبنى المحكمة السابقة، حيث تخطط المجموعة لإصدار صحيفة يومية حرة، فضلاً عن تشكيل الجمعيات الخيرية. كما تواصل المجموعة المناقشات والحوار وتجتهد في جمع الأفكار التي تعينها على الظهور في الحياة السياسية العامة عقب الإطاحة بنظام العقيد القذافي في نهاية الأمر. فما أشد الحاجة إلى الأفكار السياسية في ذلك اليوم الذي تعلن فيه الانتخابات العامة الحرة لأول مرة في ليبيا بعد غياب طال لاثنين وأربعين عاماً. ند باركر - بنغازي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©