الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحجاب والنقاب والشرف الرفيع

الحجاب والنقاب والشرف الرفيع
13 ابريل 2011 20:44
لم تهدف الباحثة ريم المتولي في بحثها الخاص بالحجاب مناقشة مبادئ الإسلام وجوهره، بل هدفت إلى دراسة تأثير الدين على الزي وتطور وجهات النظر مع مرور الزمن، لكن الباحث، كما تقول، لا يستطيع تحاشي مناقشة المرجعيات الإسلامية أو غيرها؛ لأنها ساهمت في وجود عادة التحجب أو شجعت عليها وعلى الأسلوب المحافظ لزي النساء. وعلى الرغم من أن أصول الحجاب ترجع إلى ما قبل الإسلام، إلا أنه ينظر إليه عاى أنه سمة للمرأة العربية المسلمة أو ميزة لها، وذلك لما ينطوي عليه من دلالات دينية ورمزية واجتماعية، علاوة على اختلاف المصطلح من ثقافة إلى أخرى، ومن منطقة إلى أخرى. يطلق مصطلح الحجاب على عدد كبير من قطع الملابس التي ترتديها المرأة المسلمة بدءاً من البُرْكًُع البسيط وحتى العَبَا التي تغطي كل الجسم، وكل نوع له اسمه والغرض منه، ويقسم الحجاب إلى 3 فئات أساسية هي: حجاب الوجه، حجاب الرأس، حجاب الجسد. الحجاب تاريخياً قد يكون القصد أصلاً من وضع الحجاب حماية وجه المرأة وبشرتها من الشمس والغبار والرمل والتأثيرات المختلفة للمناخ، وبالإمكان تتبع آثاره حتى زمن الآشوريين عندما كان يستخدم وسيلة للتمييز بين الطبقات الدنيا والنبيلة في المجتمع، ففي عام 1500 ق. م مُنعت المرأة الآشورية من الظهور من دون حجاب في الأماكن العامة، فيما مُنعت الجواري من حجب وجوههن، كما اعتبر الفرس أن تغطية الوجه رمز الشرف الرفيع عند النخبة، وفرضوا مكاناً منعزلاً تماماً للنساء في بيوتهم بما يشبه الحَرَمْلِك، وعرفت الشعوب الآرامية والحثية والرومانية والبيزنطية الحجاب أيضاً، كما ذُكرت تغطية الوجه في كتاب العهد القديم، ولهذا استمرت مجموعة من يهود ومسيحيي الشرق بتحجيب وعزل نسائهم حتى بداية القرن الـ 20. وقد انتشر التحجب في شبه الجزيرة العربية على أساس المنزلة الاجتماعية والكرامة، من خلال تفاعل أهلها وتعاملهم التجاري مع الفرس والبيزنطيين قبل الإسلام، فيما كانت بعض القبائل المتميزة مثل قريش تسمح لبناتها الصغيرات قبل زواجهن بالطواف حول الكعبة وهن سافرات، لكن متحجبات حين يتم اختيارهن زوجات، وقد وصف الأدب والشعر في العهود السالفة أنواعاً من الحجب، مثل النِّقَاب والبُرْكُع والخِمِار والقِنَاع. وبإمكاننا إيجاد كل ما يتعلق بالفكر الإسلامي حول اللباس في ثنايا الشريعة الإسلامية الواردة في كل من القرآن والحديث وكتب الصِحاح والإجماع، ومن خلال دراسة القرآن نجد أن هناك 8 آيات تذكر أنواعاً معينة من الملابس، مثل السَّرَابِيْل والقميص، لكن ليس في سياق تعاليم معينة، وتشير بعض هذه الآيات إلى تلك الأنواع كجزء من الزي العام، بينما اختصّت آيات قرآنية أخرى بلباس النساء بشكل محدد مؤسِّسة بذلك التعاليم القرآنية حول هذا الأمر، وهناك آية واحدة تِملي ما يجب مراعاته فيما يتعلق بلباس القواعد من النساء، وآيتان تحددان الضوابط الأساسية للزي الخاص بالنساء عموماً، وقد نزلت 4 آيات ترشد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما يخص نساءه، كما نزلت 4 آيات أخرى تدعو الناس إلى غض البصر والاحتشام وصون العرض. ولا يوجد في القرآن نص صريح يلزم النساء بالانعزال عن المشاركة في الحياة العامة، غير أن الحديث يبدو وكأنه أكثر صرامة فيما يخص الحجاب لأنه يحتمل الالتباس، إذ يعتمد تفسيره على آراء وتأويلات علماء الدين على مر التاريخ، ويرى كثيرون أن هذا الالتباس - أي تعددية التفسير - في الأحاديث الشريفة من أهم النعم الممنوحة للمسلمين، فمن خلالها يحصل المسلم على المرونة في التطبيق، وتبقي الطريق مفتوحاً أمامه للاجتهاد وتحديث الفكر. ولإعطاء الموضوع حقه على المرء إجراء دراسة مقارنة ومراجعة للأحاديث التي جُمعت من قبل أنس بن مالك، ولتفسيراتها التي تمت على يد أبرز 6 علماء دين في هذا المجال، وهم محمد بن إسماعيل البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري، ومحمد بن عيسى الترمذي، وأبو داوود، وأحمد بن شعيب النسَّائي، ومحمد بن يزيد بن ماجة، حيث اتفق أغلبيتهم على أن الإسلام يسمح للمرأة بإظهار وجهها وكفيها وقدميها، مع الالتزام بالمظهر والسلوك الرصين المهذب، ومما يعزز هذه الآراء استمرار المرأة بتأدية الصلوات الخمس يومياً وفريضة الحج، وهي مكشوفة الوجه. وحتى مطلع القرن الـ 21 ظلت قضية الحجاب في دول الخليج مثار جدل ديني أو اجتماعي، واستمرت الظروف المختلفة بالتأثير عليه في شتى الاتجاهات، وفي الإمارات تحديداً فتح التطور في صناعة النفط الباب أمام الكثير من أبناء الثقافات المختلفة للتدفق عليها، مما شجع على الالتزام بالحجاب بداية كوسيلة لحماية النساء من عيون الغرباء، وسرعان ما تطور الأمر إلى ظاهرة لتثبيت الهوية الوطنية وتأكيدها، ومع الانفتاح على وسائل الإعلام وأهمية تبني الأساليب الحديثة في الأزياء تلاشى استخدام أنواع معينة من الحجاب، بينما تزايد الطلب على أنواع أخرى. أقنعة الوجه عرفت الإمارات نماذج وأنواع مختلفة من أقنعة الوجه، ويغطي القناع عادة الأنف والذقن والعنق أحياناً. كما يتم إلحاقه لدى بعض السيدات مع غطاء الرأس. وحديثاً استخدم القناع الحضري في الإمارات وقطر وسلطنة عمان، وهو يعرف بالبُركًُع الذي يقارن مع القناع البدوي المعروف عموماً بالمكرون والنقاب والبكرة. كما توجد مصطلحات أخرى مثل الوصوصة والقناع مما يؤدي أحياناً إلى الخلط والإرباك، حيث يتم أحياناً استخدام الاسم نفسه لأنواع مختلفة من الأقنعة، ولكن في المقابل يمكن أن تستخدم أسماء مختلفة من قبل سيدات مختلفات حسب نوع القناع نفسه. البُرْكُع: هو اسم غطاء الوجه التقليدي للمرأة في الإمارات، والجمع براكًع، ويسمى البَطُّولة أيضاً. ويتكون البُرْكًُع من أجزاء هي: خط الحاجب وهو الجزء العلوي من البُرْكًُع. الكرظة أو كرظة العين وهما فتحتا العينين الموجودتان في البُرْكًُع. الخدود وهي المنطقة التي تغطي عظمتي الخدين. الكظب وهو جزء صلب يغطي الأنف ويتم تقويته بقطعة أو جبيرة من سعف النخيل. المساطر ومفردها مسطرة وتعرف أيضاً باسم العْواد ومفردها عود، وهي دعامة رفيعة لينة يتم إدخالها في جانبي البُرْكًُع لدعم صلابته عند الطرفين ولمنحه شكلاً متماسكاً واضحاً. كرظة الثم “الفم بالفصحى”، وهي الجزء الأسفل من البُرْكًُع وتغطي منحنى الفك والفم.وحالياً لم يعد البُرْكًُع رائجاً بين السيدات الإماراتيات خاصة الشابات، كما أنه ليس إجبارياً أصلاً. وتتوقع الباحثة أن يصبح البُرْكًُع الإماراتي في المستقبل القريب جزءاً من التقاليد القديمة التي يتم إحياؤها فقط في المناسبات التراثية. النِّقَاب: نوع من الأخمرة “جمع خمار” أو البراكع أو الأحجبة مزود بفتحتين للعينين، ويلبس في الأماكن العامة خارج المنزل أو في المناسبات المختلطة. ويصنع عادة من نسيج قطني أسود، وكانت تصنعه النساء الثريات من الحرير الأحمر، بينما كانت تكتفي نساء الطبقات الفقيرة بالمصنوع من نوع من التول الرقيق باللونين الأبيض أو الأزرق. وقد أوضح ابن سلام أن النّقاب كان نوعاً من أنواع البُركًُع، وكان صغيراً بما يكفي لتغطية الوجه بدءاً من تحت العينين، وهو مخيط من نسيج أو شبكة شفافة تسمح للوجه بالظهور من تحتها. إلا أن النقاب اكتسب عدة أسماء اعتماداً على موقعه في الوجه، مثل الوصّوصة، وهي الاسم الذي أطلق على النقاب الذي يبدأ من أعلى العينين. البكرة: طبقتان مستطيلتان من الشاش الأسود لمنع الغبار عن الوجه تخاطان مع بعضهما عند منطقة العينين، ولهما أطوال مختلفة تتراوح بين منطقة الذقن ومستوى الصدر. وهو لباس حديث ولم يعرف في الإمارات حتى الثمانينيات من القرن الماضي، وتزامن ظهوره مع انحسار البُرْكع وبقاء الرغبة لدى بعض النساء في تغطية وجوهن فوجدن فيها ضالتهن، وأصلها من المملكة العربية السعودية. أما أغطية الرأس فمنها: الخمار والحجاب والبوشية والبُخْنُكْ والشّيلة والوكاية، وقد درست الباحثة كل منها على حدة متقصية وجودها التاريخي ونشأتها ووظائفها الاجتماعية والتغييرات التي طرأت عليها. وخصصت مساحة معتبرة للشيلة وأنواعها والأقمشة التي تصنع منها حالياً والتي كانت تصنع منها سابقاً، وما طرأ عليها من تطورات وتعديلات تتعلق بنوعية القماش أو الزينة المستخدمة أو الرسومات وتغير لونها التاريخي: الأسود لدى بعض الشابات اللواتي بتن يضعن شيلة ملونة. أغطية الجسد أما أغطية الجسد فأشهرها العَبَا (العباءة بالفصحى) وجمعها عِبي، وهي حديثة نسبياً إذ لم تكن معروفة كزي عام منذ خمسة عقود إلا أنه وبمجرد استخدامها انتشرت بسرعة. وهي عبارة عن رداء مكون من مربعين مطبقين، مع فتحة أمامية، وشقوق جانبية بالكاد تسمح بإخراج الكفين، يتم تعليقها على قمة الرأس، ويخاط حبل الكًيْطَان - بالكاف المعجمة - المصنوع من الحرير الأسود البْريَسَم على جانبي فتحة الوسط من الأعلى الى الأسفل، وحول فتحتي المعصمين، وفي بعض الأحيان يتم تزيين جانبي فتحة الوسط بضفائر معدنية ذهبية تسمى كَصَب أي قصب، أو يطرز على جانبي الفتحة بشكل شريط عريض ينتهي بشرَّابة أو شرَّابتين من ذات الخيوط. والكًيْطَان: هي نوع من الكُلَفْ تأتي على هيئة حبل تثبت عند حاشية الملابس. وتشمل المكونات الرئيسة للعَبا: الراس (الفتحة الموجودة عند خط العنق)، واليد (الفتحة التي تخرج منها الكف)، والخصور أي خط الخصر، وهي نقطة الخَبَن، والخدود أي قصتي الكُمَّيْن اللتين تشبهان الجْناب في الثوب، والذايل ويقصد به حاشية الثوب، والخلفية أي مؤخرة الثوب، والعِمايل: مفردها عميلة، وهي الشرَّابة، وتكون عادة من 3 خصل تنتهي بكرات ذهبية تبدو كأنها مضفورة، وعادة توضع عند جانبي الكًيْطَان، وعلى يسار ويمين فتحة وسط العَبَا عند مستوى الصدر تقريباً. وعندما تم ارتداء العَبَا في البدايات كانت تقوم المرأة الإماراتية بإسدالها بدءاً من قمة الرأس، فإما أن تسدل خلف ظهرها وتترك فضفاضة أثناء المشي، أو أن تجمع نهاياتها المنسدلة عند أحد الرْدُون. وخلال سبعينيات القرن الماضي شاعت عباية الحرير الخفيفة بين نساء الإمارات وقطر، حيث ترتدى في الإمارات بإسدالها من قمة الرأس وجمعها عند الخصر وحملها على الذراعين، مما يكشف الجزء السفلي من الثوب، وهذا خلق أسلوباً مميزاً للإماراتيات. وعندما توضع العبا على الرأس، خصوصاً من قبل المرأة كبيرة السن تكون مصاحبة دائماً للشيلة والغَشْوة، واليوم توضع فوق الكتفين مع الشيلة كغطاء رأسي أساسي. وخلال الثمانينيات أثرت العَبا مباشرة على تزيين الملابس والثياب الأخرى، إذ تركزت كل التصاميم ذات اللمسات الخاصة والتطريز الثقيل في منتصف الجذع وحول العنق، وعند الجانب الأمامي للتنورة لتكون مرئية من خلال الفتحة الأمامية للعبا. وقد دخل طقم الشيلة والعَبا لأول مرة الى الإمارات في الثمانينيات من القرن الماضي ومصدره الأساسي من السعودية، وذلك إما كناتج طبيعي لرحلات الحج، أو عبر الاستيراد المباشر بواسطة تجار الإمارات لغرض الاستهلاك المحلي. وبصرف النظر عن الموضة والتكلفة فإن عباءة الكتف (الكتف) أصبحت منتشرة بين نساء هذه المنطقة ودول الخليج المجاورة، لأسباب عملية غالباً فهي تمتاز بكمين ضيقين يساعدان على التحكم بارتدائها، وجعلها أكثر مناسبة لأسلوب الحياة العصرية من دون الابتعاد عن القواعد الإسلامية مع حرية إطلاق اليدين لتسهيل حمل الأشياء أثناء التسوق والعمل وقيادة السيارة. وحتى اليوم ما زالت العَبا تقوم بعدة وظائف، فإلى جانب كونها جزءاً لا يتجزأ من اللباس الإسلامي الذي يبدي التقشف والاحتشام، فإنها تلعب دورها في تسهيل حرية الحركة في الأماكن العامة، ونظراً لارتباطها بالدول العربية الغنية بالبترول فقد أصبحت رمزاً للدلالة على الطبقة الاجتماعية، والثروة المتوافرة محلياً لدى مشتري أو مصنعي العِبي حيث أكدت نجاحها في ظل وجود طرائق إنتاج متقدمة تستخدم لتوفير منتجات حديثة ومحسنة بصورة مستمرة لتلبية الأذواق المتغيرة. السياسي لم يدخر جهداً في تقنين اللباس عبر عصور التاريخ المختلفة الأزياء والسياسة... الممنوع والمباح في واحد من أهم فصول الكتاب قدمت الدكتورة ريم المتولي قراءة تاريخية للعلاقة بين السياسة واللباس، والتأثير السياسي على الأزياء مبرزة تجاذبات تلك العلاقة وتعقيداتها التاريخية سواء بإظهار التقوى تارة، أو التقشف تارة أخرى لتحقيق الشرعية السياسية والانتماء، أو للتمييز بين المؤمنين وغيرهم. ويستطيع القارئ أن يخرج من قراءته لهذا المبحث الواسع، الذي نعرض له بإيجاز شديد، بنتيجة دالة مفادها أن السياسة - تاريخياً - لم تدخر جهداً في تقنين اللباس؛ حدث ذلك في الدولة الإسلامية التي سنَّت قوانين (الغِيَار) للتمييز بين المسلمين وغير المسلمين عندما وجد العرب الفاتحون أنفسهم قلة في الامبراطورية الإسلامية التي كانت تمتد من وسط آسيا وحتى المحيط الأطلسي. تقولك «نهت الأحاديث النبوية الرجال عن ارتداء الحرير والأقمشة غالية الثمن والملابس ذات الذيول، وكل ما يظهر التمايز الطبقي والتفاخر الذي يدل على الترف، ومع هذا لم تلتزم الخلافة الأموية أولى الخلافات الإسلامية (661-750م) بهذه الأحاديث، إذ كان الخليفة وحاشية البلاط يرتدون الثياب الفاخرة، غير أن هذه الثياب كانت في الأصل شخصية وداخلية، أي أنها لم تكن مخصصة لظهورهم بها خارج حدود قصورهم الصحراوية». وتضيف: “أما العباسيون (750م - 1258م) فقد ظهروا بالثياب المترفة أمام العامة، وزادوا ثيابهم الرسمية فخامة، في حين فرضوا على حاشيتهم ارتداء ملابس سوداء، وسرعان ما انتشر السواد في كل البلاد، لأن هذا اللون رمز من رموز ثقافتهم الدينية، وخلال هذه الفترة ازدهرت عادة الالتزام بالحجاب وتقييد النساء بحكم اختلاط العرب مع الفرس، مما أدى الى بروز ظاهرة الحريم وانتشارها لاحقاً في باقي المنطقة العربية. وقد ظهرت أولى التعاليم الرسمية الإسلامية بحصر الملابس - وفق الكاتبة - في عهد هارون الرشيد، وعرفت باسم كتاب الخَراج، ثم قام بعض الحكام المسلمين لاحقاً بتجديد قوانين الغِيَار إظهاراً للتقوى إما في بداية استلامهم الحكم أو في أوقات الضغوط الاجتماعية والسياسية لكن في الغالب كان يتم تجاهلها، ولاسيما من قبل نخبة المجتمع. قرارات و مراسيم وفي عهد المماليك (1250م - 1517م)، والسلاجقة (1038م - 1197م)، والأيوبيين (1171م - 1250م) خضع العرب للسلطة العسكرية التي عمدت الى الالتزام بزيها الخاص للتميز عن العامة. وتم سن مرسومين خاصين بلباس النساء، أولهما كان عندما انتشرت القمصان ذات الأكمام الغرائبية لدرجة الفضائحية، حيث أصدر الوزير “مانجاك” (1350 - 1351) بياناً نص على قص أكمام هذه القمصان ومنع إنتاجها نهائياً في القاهرة، ثم سرعان ما وصل القرار الى سوريا، فيما نص المرسوم الآخر على منع النساء من اعتمار العمامة الرجالية التي كانت قد أصبحت موضة للتو. ومع أن تغيير الأزياء كان موضوعاً ثانوياً يتبع ميول السلاطين العثمانيين، إلا أن السلطان سليم الثالث فجر تمرداً أدى إلى إقالته من نصبه حين اعتزم تزويد قواته المسلحة بالزي الإفرنجي، غير أن النجاح كان حليفاً للسلطان محمود الثاني في عام 1892 حين حل الجيش الانكشاري وأسس جيشاً حديثاً بدلاً عنه جهزه بملابس حديثة تضاهي أناقة الملابس الأوروبية، ثم أصدر مرسوماً نص على نقل التحديث في الزي الى المدنيين من أبناء شعبه. وبعد زيارة الإمبراطورة يوجيني (1869) قامت نساء القصر وزوجات كبار الموظفين بتقليد مظهرها على أكمل وجه، وسرعان ما تبعت نساء الطبقة الوسطى ذلك، فارتدين الزي الغربي تحت عباءاتهن الأنيقة أثناء خروجهن الى العلن وتحول حجاب الوجه الى غلالة شفافة جذابة الى أن أهمل بالكامل. وفي 25 نوفمبر من عام 1925 مرر مصطفى كمال أتاتورك بعد محاولات حذرة ومتعددة قانوناً حظر ارتداء لباس الرأس التقليدي الطربوش، وطلب من جميع الرجال اعتمار النموذج الغربي من القبعات غير أن الحجاب لم يخضع للتشريعات مثل الطربوش، ومع ذلك كانت الرسالة واضحة، فأي لباس غير غربي هو غير متحضر، وفي عام 1934 صدر مرسوم يمنع ارتداء أي زي ديني خارج بيوت العبادة، وكانت تلك الخطوة هي الأولى نحو الدولة العلمانية التي تفصل الدولة عن الدين. وفي السبعينيات حاول حزب الخلاص الوطني في تركيا ابتداع أنماط محلية لأزياء المرأة المسلمة بهدف إضفاء الشرعية على اللباس الإسلامي التقليدي، ونتيجة ذلك أصبح مشهد النساء وهن يرتدين معطفاً طويلاً مع غطاء الرأس المربوط مشهداً مألوفاً في الشوارع التركية، مما ميزهن كمنتميات الى ما كان يعتبر في حينه “الحزب الإسلامي”، وفي الثمانينيات اكتسب هذا الزي أهمية استثنائية كمميز للقناعات السياسية والدينية لدى كثير من الناس، فتدهور الوضع كثيراً الى درجة دفعت بالجيش الى التدخل وفرض الحكم العسكري، وكان أول قرار فُرض في تلك الفترة “تعليمات اللباس والمظهر” الذي أُلزمت به الطالبات وموظفات الحكومة. من جهتها، سنَّت إيران - كما الحال في تركيا وأفغانستان - جملة من القوانين الإصلاحية “التحديثية” التي رافقت منظومة الأزياء بعكس جيرانها، ولأن إيران كدولة لم تكن منفتحة على العالم الغربي، فإن الأسرة الحاكمة الفاجارية تحركت ببطء باتجاه التحديث، وبعد مرور أكثر من 47 عاماً على زوال الحكم العثماني أصبح لموظفي الحكومة نوعان من أغطية الرأس، أولهما يشبه الطربوش، والثاني يدعى سَرْدَاري، أما خلال حكم الشاه رضا بهلوي فقد أعلن في سبتمبر 1928 أن الأسلوب الأوروبي هو الزي المناسب للرجال. وفي السعودية سعى الحكام للسيطرة على بلادهم الشاسعة من خلال إزالة الفوارق الاجتماعية، ففي عام 1932 أصدر مؤسس المملكة عبدالعزيز آل سعود مرسوماً يلزم الرجال العامليين في الحكومة بارتداء الزي النجدي البدوي الذي لا يزال موجوداً حتى يومنا هذا، وفي هذه الدولة التي تعتبر مركز العالم الإسلامي فإن المرأة مجبرة بالالتزام علناً بأقصى متطلبات قوانين الزي، ولاسيما في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، فهي محجبة من رأسها وحتى أخمص قدميها. قوانين الزي الإماراتي لم يُمارس أي ضغط سياسي مباشر على قوانين تنظيم الأزياء في الإمارات، فعند قيام الدولة واجه قائدها ظروفاً مغايرة، حيث أن الشعب الأصلي أقل عدداً من شعب السعودية، ومساحة الدولة أصغر مساحة من السعودية، ولهذا كان أهل الإمارات بحاجة الى التفرد والتميز بين أبناء الشعوب المتنوعة والمتدفقة بسرعة نحو المنطقة، فتوجب عليهم تلقائياً الحرص على الزي المحلي والالتزام به، والتشجيع على ارتداء الزي الإسلامي القادم من السعودية، فأصبحت العباية السوداء النموذج المتبع من قبل النسا، أما الطلاب الذكور فيأتون الى المدارس العامة بالزي الإماراتي الوطني، أي الكَنْدُورة البيضاء، بينما ترتدي الطالبات ألبسة بأكمام طويلة مع تنانير تصل الى الكاحل، وشِيْلَة اختيارية، وقد انتشر هذا التقليد كعرف أو قانون غير مدون ليشمل طلبة الجامعات الحديثة في أرجاء الدولة. أما بالنسبة للموظفين الحكوميين فإن القانون غير المدون ساري المفعول منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، وهو يتيح للرجال اختيار أسلوب اللباس الذين يريدون، فإما أن يرتدوا الطراز الأوروبي، أي البدل وربطات العنق أو الكنادير، وللنساء أيضاً الحق في ارتداء أي لباس محتشم يختزنه طالما أنه لا يتعارض مع المبادئ الأساسية للإسلام، ومع ذلك قامت حكومة إمارة الشارقة التي اختارت اتجاهاً أكثر محافظة في أواخر تسعينيات القرن الماضي بتوزيع كتيبات تضمنت معلومات حول مبادئ الزي المحتشم والمعايير المقبولة لما هو صحيح ومحترم. ويختلف الوضع في الإمارات كثيراً عن المناطق المحيطة بها، فهي دولة فتية حديثة التأسيس، وتمتلك أنظمة قليلة تتعلق بجوانب الحياة بما فيها اللباس، وأينما وجدت هذه القوانين فهي نتيجة حتمية اقتضتها ضرورات اقتصادية وأعراف موروثة ومفاهيم دينية، ومع تحول المجتمع الإماراتي مباشرة من أسلوب حياة منعزلة ومتواضعة الى حداثة عصر النفط فقد وصلت اليه آراء التحديث وأنماط التحضر بتقليد الغرب من خلال عدة قنوات أهمها الوافدون من العرب والأوروبيين والآسيويين ولجوء الإمارات قليلة الاعتماد على النفط مؤخراً الى الاهتمام بالسياحة وتوسيع التجارة كمصدرين جديدين للدخل، مما ساهم في إدخال أنماط جديدة وأساليب حياة غيرت من معايير المجتمع، وكثرة سفر المواطنين الى الخارج وزيادة عدد البعثات الدراسية. وتوظيف العديد من المواطنين مربيات أجنبيات لأطفالهم، وإرسال أبنائهم الى المدارس الخاصة المحلية المقتصرة على الجاليات، فأدى ذلك الى سيطرة الأجانب وخصوصاً الآسيويين كالعمال وفرق العناية بالمنازل، وشجع على استخدام اللغة الإنجليزية “الركيكة وغير الدقيقة” التي أصبح يتحدث بها أغلبية سكان البلد، وقد حد هذا من اللغة العربية، مما خلق مجتمعاً تنقصه الأدوات الرئيسة للتعبير. وعلى الرغم من وجود هذه المتناقضات في المجتمع الإماراتي إلا أن قيم الإسلام والروابط مع البلدان العربية ولّدت هاجساً متزايداً نحو إظهار الهوية المحلية لتكون موازية للحداثة إن لم تكن أهم منها بكثير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©