السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين نقدين···

بين نقدين···
20 أغسطس 2008 22:36
النّاس، في الغالب، اثنانِ: بين متعصّبٍ للنقد التقليديّ العتيقِ الأدواتِ، المحنّطِ الإجراءاتِ، الموروثِ عن الآباء والأجداد بكلّ ما ينشأ عن ذلك من رجوعِ القَهْقَرَى إلى العهود السحيقة لتقمُّص ما كان جاريا فيها، وتبَنِّي ما ظلّ سائداً بين أهلها· ولهذا النقد أنصارٌ وأشياع لا يبرحون يصولون ويجولون في الجامعات· بل نجد أصحاب هذا المذهب لا يزالون يَنْعَوْن على النّقّاد الْجُدُدُ محاولتَهُمُ الإفلاتَ من قبضة الماضي الذي يمثّل، في منظورهم، الأصالة والثبات· والحقّ أنّ هذا النقد استمرَّتْ سَيْدُودَتُه في مُبتَدَأِ النهضة الثقافيّة العربيّة انطلاقاً من الحرب العالميّة الأولى، وكانت جِدَّتُه تمثُل، في تبنّي المنهج الاجتماعيّ التاريخيّ الذي أسّسه هيبوليت تين، والذي يقوم على ثلاثة مبادئ أحدها عنصريّ، وهو العِرْق· وهو مذهب ذو نزعة استعماريّة نرفضه رفضاً مطلقاً· ولعلّ الذين جاءوا إلى النقد فجدّدوه، ومنهم الشكلانيّون الروس الذين تولّدت عن حركتهم الكبيرة المثيرة عدّة حركات أدبيّة ونقديّة في فرنسا خصوصاً منها الدّادويّة التي تولّدت عنها السرياليّة؛ ومنها الْبِنَوِيَّة (ولا نقول البِنْيَويّة لأنها لحْنٌ شنيع) التي ظهرت في أواخر العِقد السادس وطَوال العقد السابع من القرن العشرين، وأنتجتْ نزعة نقديّة تحليليّة ثوريّةً لا تبرح آثارُها قائمة في الكتابات النقديّة في العالم على الرَّغم من أنّ بعض المفكرين المتحذلقين يعتقدون أنّهم يعيشون عصر ما بعد الْبِنَويّة، أو ما بعد الحداثة· والحقّ أنّ هذا الشيء الذي يقال له ''ما بعد الحداثة'' لا شكل له ولا رسم، ولم تَسْتَبِنْ بعدُ ملامحُه الفلسفيّةُ والمنهجيّة ليُخرِج الناسَ من دائرة ما كانوا فيه، وذلك على الرغم من أنّ غلواء البِنويّة، ومعها التقويضيّة (يُطلِق عليها غيرُنا: ''التفكيكيّة''، وهي، في الحقيقة، غيرُ ''التقويضيّة أي جكََُُِّّّْكُّىََُىٍَّم ): أقول: لقد خفّ غُلواؤُها وشحُبَ··· فهل من نقدٍ ثالث، بعدهما؟ ومن يستطيع أن يرسم لنا ملامحه المعرفيّة، فيبيّن لنا بمَ يستميز عن النقد الجديد الذي غيّر مجريات ما كان شائعاً بين الناس من عناية بزمان الكاتب، وتاريخ ميلاده، وأصله، أكثر من العناية بالنّصّ الذي كتبه ليقع عليه التحليل الذي ذهب النّقّاد الجدُد فيه المذاهب العجيبة تدرُج كلّها في حدود الحداثة النقديّة الثوريّة··· وبعد، فهل لا يزال النّقّاد التقليديّون يَنعَوْن على النقّاد الجدد سعيهم فلا يقبَلُوا بما يطرحون؟ ثمّ هل، لا يزال النّقّاد الجددُ يرون، في خُيلاءٍ، أنّهم على كلّ الحقّ، وأنّ راية النقد الصحيح انتهتْ إليهم، ولا التفاتَ إلى ما كتب القدماء وقرّروا من نظريات في هذا الحقل المعرفيّ الذي يتجاذبه الذوق فيميل إلى أن يكون من قبيل الجمال، ويتنازعُه العلم فيجنحُ إلى أن يكون من قَبِيل النظريّة التي تظلّ في العلوم الإنسانيّة نسبيّة جدّاً؟ وهل من حقّنا أن ندعو إلى الإفادة من بعض النظريّات النقديّة واللغويّة والجماليّة العربيّة القديمة فنطعّمها بما وفَد علينا من الغرب لإخصاب معرفتنا؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©