الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأصولية نزعة غربية لا إسلامية

الأصولية نزعة غربية لا إسلامية
13 ابريل 2011 20:49
رفض الحوار يعني اللاتسامح، وذلك أمر عرفته مختلف الثقافات المجتمعات، وليس صحيحا ما شاع في معظم وسائل الإعلام الغربية من أن أعداء الحوار واللامتسامحين هم المسلمون والعرب بالضرورة. ذلك أن التشدد والأصولية أو اللاتسامح مارسه المتدينون والوثنيون الأوروبيون والآسيويون والأميركيون وهكذا. الروائي والكاتب “أمبرتو ايكو” يرصد في تقديمه لكتاب “أعداء الحوار.. أسباب اللاتسامح ومظاهره” للمؤلف مايكل أنجلو ياكوبوتشي موقف البعض من أن مصطلح التسامح غامض وأنه مصطلح لا متسامح، حيث يفترض وفقا لرافضيه، بأنه يمكن لنا الاعتقاد بأن شخصا ما غير مقبول بشكل أساسي، أو أنه أدنى منا مرتبة، وخلاصة القول فإن الأفضل تحاشيه، بيد أننا نتسامح معه من مبدأ الأدب او إيثارا لمبدأ السلامة، ورغم هذا التحفظ فإن “إيكو” يرى أن النضال من أجل خلق سياسة التسامح لايزال هدفا يجب علينا ان نضعه نصب أعيننا من دون ان نتقيد بتعليمات بعينها مثلا يمكن ان نستخدم جملة “قبول أوجه الاختلاف” بدلا من استعمال كلمة «التسامح» الأصولية تعني اللاتسامح وتعني التزمت بأسوأ أشكاله يقول المؤلف “اليوم يلصق وصف الأصولية أو التعصب، أيا كان المسمى، بالإسلام لدرجة انه عندما نتكلم عن صور التعصب يبدو لنا انه من نافلة القول إضافة الإسلامي ويذكر البعض فقط من آن لآخر انه يوجد تعصب يهودي ومتعصبون كاثوليك، وقليلون من يعرفون أن الولايات المتحدة فضلا عن كونها مهد الأصولية، هي أيضا واحدة من البلاد التي بها نسبة كبيرة من المتعصبين”. الأدلة التي يجمعها على ذلك عديدة منها ان ولاية كنساس الاميركية أعادت بعد 80 سنة إدخال قصة خلق الإنسان ضد نظرية دارون إلى المدارس بالولاية. جذور الأصولية ليست مرتبطة بدين معين فهناك من يصر على ربطها بالإسلام والمسلمين، وهناك في المقابل من يرى جذورها في المعسكر المسيحي، ولكن الأصولية في النهاية هي ظاهرة حديثة تماما، ظهرت كرد فعل على موجة الحداثة لخلق نوع من التوازن مع المعنى الجديد الذي هو “التسامح” الذي يقوم على حرية الضمير، وعلى الفصل بين المجال السياسي والمجال الديني، ولذا لم يكن مدهشا ولا غريبا أن يكون رد فعل المحافظين قويا ضد التسامح خاصة في البلد الأكثر تطورا أو انفتاحا على الحداثة، أي الولايات المتحدة، ظهر ذلك في الموقف من أعمال داروين وقد اشتعل في اميركا عام 1925 وتزعمته الكنيسة الكاثوليكية. اللاتسامح ليس في اتباع الأديان فقط، لكنه كذلك في الثقافات، بعض هذه الثقافات لا تتسامح مع الآخر أو المختلف مع الهوية الثقافية، ويمتد الأمر كذلك إلى المجال السياسي، تحديدا الأنظمة الديكتاتورية، التي تجعل كراهية العدو شغلها الشاغل، وأساس شعبيتها، عند هتلر لم يكن اليهود ولا الغجر فقط هم من تحت مستوى البشر ويجب إبادتهم، بل كان موقفه كذلك بالنسبة للسلاف، لذا اسرع هتلر واعلن أن شعوب الاتحاد السوفيتي “العدو البلشفي” كان يمكن أن تستبعد وان يتم استئصالها بلا رحمة، ولم تبتعد الفاشية عن هذه القاعدة، ففي المدارس الإيطالية كان يتم تعليم الأطفال قاعدة موسوليني الشهيرة “لا يمكن خوض الحرب من دون كره العدو”. أما حكومات الدول الديمقراطية والليبرالية او الحرة، فلها وسائل اقل وحشية، واكثر نعومة وتطورا، ولكن هذه الحكومات نفسها لا تتردد في اعتبار أي موقف متسامح أو متفهم تجاه العدو ضد الوطن وهذا “العدو” او العداء ينسحب تدريجيا على أي شخص لا يتقاسم مع الدول الحرة “أسس طريقتنا في الحياة”. مثال ولا يحتاج الأمر إلى أن نذهب بعيدا في التاريخ، ولا حتى إلى زمن الاستعمار في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، بل أمامنا ما جرى في العراق عام 2003 وما بعدها، فمسؤولية التعذيب في العراق على يد العسكريين الأميركان والبريطانيين يمكن ان ترجع إلى أعلى سلم في القيادة، وزير الدفاع الأميركي نفسه ونائب الرئيس، ولكن هذه العملية تعود في جزء منها الى الدعاية التي قامت على تقديم صورة بشعة للخصم وتقديمه على انه شيطان ومن ثم لا يصبح كافيا سجن ذلك الشيطان، بل إن التعذيب يصبح ضروريا ومن ثم وسيلة مقدسة، كما كانت تعمل محاكم التفتيش في العصور الوسطى. ولاختراع التهديد وشيطنة الآخر وتعبئة الجماهير ضده، لابد من مهارة في الدعاية وتزييف المعلومات، بل يجب أن تكون هناك شحنة أيديولوجية هائلة تستطيع أن تستقبل الأوامر العسكرية بالقتل والتعذيب وكأنها أوامر إلهية، أي لابد ان يكون هناك يقين مطلق، لا يختلف ولا يقل عن اليقين الديني، يجعل الجماهير لا تتردد في التضحية بالحياة ضد العدو. أحد أشكال اللاتسامح ما يسميه المؤلف ديكتاتورية التراث، ولذا كانت هناك محاولات لجعل الثقافة تلعب دورا تحرريا واستقلاليا، وهنا نجد صداما من نوع جديد بين المدافعين عن النواة الأساسية لليقين ودعاة التجديد والتحديث، ولذا وجدنا تيارات فكرية تعارض أي شكل من أشكال الثوابت وتناضل من أجل تغيير المبادئ المقدسة بحروب التراث، لقد اعتبر هؤلاء مبدأ “هكذا كان ولذلك من الصواب ألا يكون ويجب أن يستمر” هو دافع استمرار الظلم وانعدام المساواة، لذلك كان الهدف الأول لمعظم الثورات القضاء على الجذور وعلى كل ما يمثل عنصر تميز أو تفوق على أساس المولد والدم، لقد وصل الأمر بالنسبة للثورة الفرنسية إلى أن غيّرت شهور التقويم وتيار المستقبلية الذي أسسه “مارتيني” طالب بإغلاق كل المتاحف، رغبة منه في ازاحة التراث والتحرر منه، ولاحظ كثير من الدارسين أن الحركة الطلابية الفرنسية عام 1968 هاجمت الاستبداد وطالبت بتوسيع الحريات، وهي في ذلك كانت تستهدف بالأساس “التراث” لانه من خلال قتل الأب يتحقق الهدف من تأسيس أشكال التنظيم الاجتماعي بعيدا عن القوالب الجامدة أي “التراث”. يتميز الكتاب بالعمق الثقافي والفكري وبه جهد علمي واضح، ويضم ثلاثة فصول عن الاسلام والقرآن الكريم والأصولية الإسلامية، ونجده يهتم بشكل خاص ببعض الشخصيات مثل حسن البنا وسيد قطب واسامة بن لادن، وهو يقطع بأن الاسلام في حد ذاته كديانة لا ينطوي على عداء ورفض للحوار وللآخر، ومن ثم فهو كدين ينطوي على قدر من التسامح، لكن في تناوله للتاريخ الإسلامي، خاصة حياة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - يبدو غير متسامح أو غير متفهم للكثير من الوقائع في السيرة النبوية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©