الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حكايات وشهادات على سنوات بن علي

حكايات وشهادات على سنوات بن علي
13 ابريل 2011 20:49
يروي المؤلف الطاهر بن يوسف في كتابه “ضابط من الأمن شاهد على نظام بن علي”، الذي يعتبر باكورة أعماله، بكل صدق وأمانة شهادته على عصر الرئيس التونسي المخلون زين العابدين بن علي، وذلك مساهمة منه ـ حسب قوله ـ في الكشف عن جوانب مظلمة من الفترة التي حكم فيها تونس. ويقول: “وسوف أسعى أن أكون دقيقا في كتابي عن كلّ ما أمكن لي الإطّلاع عليه مباشرة من وقائع وأحداث وممارسات للطغمة التي حكمت تونس طيلة 23 سنة، الكثير منها اطلعت عليه بحكم مسؤوليتي المهنيّة واحتكاكي اليومي بعديد الأوساط المطلعة على دقائق الأمور التي لم يكن بإمكان رجل الشارع الوصول إليها ومعرفتها بحكم سريّتها وحصريتها”. ويضيف المؤلف: “كنت أتساءل بتعجب عن كيفية وصول بن علي إلى أعلى هرم السلطة بتلك السهولة، وسرعة تدرجه في الرتب العسكرية والمسؤوليات الحكومية، ثم استطاعته البقاء في سدة الحكم طيلة 23 سنة؟ وما جعلني أطرح كلّ هذه التّساؤلات هي عوامل مهمّة ثلاثة: ? مستواه الثّقافي والعلمي المتواضع الذي لا يتجاوز المرحلة الأولى من التعليم الثانوي. ? افتقاره لخصال ومواصفات رجل الدولة مثل الكاريزما والقدرة على التعبير والإقناع والرؤية الثاقبة للأمور واستشراف المستقبل. ? تاريخه الدموي وممارساته اللاإنسانيّة. تعليمات ويجزم المؤلف ان العشريتين الأخيرتين كانتا بالنسبة لكافة التونسيين فترة سوداء قاتمة، تميزت بكبت وقمع شديدين مما جعل من النفاق والتزلّف والمجاملة السمة المميزة على تصرفات أغلب المواطنين، وعلى علاقتهم ببعضهم البعض. مضيفا: “كنت رفقة مجموعة هامة من الزملاء نتألم في صمت من بعض التعليمات اللامنطقية واللاقانونية التي ترد علينا أحيانا من طرف الإدارة، ويطلب منا إجبار أعوان (رجال) الدوريات على تطبيقها مثل عدم إيقاف السيارات التي تتولى النساء سياقتها. وقد كنت أقول لزملائي إن الذي أملى هذه التعليمات أو بالأحرى من أمر بها هي امرأة، أي بدون شك زوجة رئيس الدولة السابق التي كانت تتصرف في كل المجالات كما يحلو لها، وما ترتئيه يصاغ في شكل تعليمات تمرّر على أنها صادرة عن وزراء ومديرين عامين، ولا يتجرأ أي مسؤول مهما كانت مكانته أن يقول لا رغم عدم اقتناعه بوجاهتها، وأحيانا مخالفتها لمصلحة البلاد وهيبة الدولة وأجهزتها”. وأكد الكاتب ان بن علي لم تكن له نية التغيير ولا الإصلاح بعد قيامه بالانقلاب على الرئيس الحبيب بورقيبة، بل كان يعتبر أنه يحكم رعية وليس مواطنين. حقيقة ولكي نعرف كيف ولماذا كان بن علي يحكم تونس على تلك الشاكلة لا بد ـ وفق ما جاء في الكتاب ـ أن نعود إلى ماضيه وطفولته، لأن عوامل نفسية وذاتية مهمة أثرت فيه بشكل كبير خلال تلك الفترة من حياته ويمكن اختزال أهمها فيما يلي: ? حالة الفقر المدقع التي كانت تعيشها عائلته الكبيرة العدد حرمته حتى من أبسط الضروريات. ? انعدام الروح الوطنية في صلب عائلته والسبب انحياز والده للسلط الاستعمارية الفرنسية التي كانت تستغله كمخبر يقدم المعلومات بشأن أنشطة وتنقلات الثوار التونسيين، مما جعل عائلته منبوذة. علما بأنه تقرر تصفية والده من طرف الثورة كجزاء له على خيانته لبلاده، إلا أنه وقع تنفيذ ذلك بقتل عمه على وجه الخطأ. ? فشله في حياته الدراسية إذ لم يتجاوز المرحلة الأولى من التعليم المهني. وقد كان للعوامل النفسية والذاتية التي عاشها الرئيس المخلوع في طفولته انعكاستها وآثارها السلبية الواضحة عليه فيما بعد، وجعلت منه الشخص الذي عرفه الشعب عن كثب والذي تميز خاصة بـ: ? انعدام الوفاء لديه: حيث عرف بقلة وفائه ويظهر ذلك كأبرز ما يكون مع: الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، حيث قام بالانقلاب عليه رغم كونه كان ولي نعمته وجعله يتدرج في الرتب العسكرية والخطط السياسية بسهولة كبيرة إلى أن أوصله إلى منصب وزير أول. ? زوجته الأولى: طلقها بعد أن ربط علاقة غير شرعية مع زوجته الثانية ليلى الطرابلسي (قبل الزواج)، دون اعتبار لعشرته معها التي تواصلت أكثر من عشرين عاما، ولفضل والدها عليه لا سيما وأنه هو الذي كان وضعه على السكة ليصل إلى أعلى المناصب في الدولة. ? لقد تنكر للبيان الذي أتى به يوم 7 نوفمبر 1987 والذي أورد به شعارات جاذبة وبراقة مثل: “لا مجال للرئاسة مدى الحياة”، و”لا خلافة آلية لا دخل فيها للشعب”، و”لا للظلم والقهر”، و”إن شعبنا جدير بحياة ديمقراطية متطورة ومنظمة”، و”لا مكان للحقد والبغضاء والكراهية”، و”لا سبيل لاستغلال النفوذ والتّساهل في أموال المجموعة ومكاسبها”. وقد كانت هذه الشعارات حلم كل التونسيين منذ عهد الاستعمار حيث قدموا من أجلها التضحيات الجسام، لذلك لما أتى بها بن علي أيدوه وتوسموا فيه الخير إلا أنه خذلهم إذ لم يكتفي بعدم تطبيقها بل كان يعمل عكسها بالضبط. ويجزم المؤلف أن بن علي كان يتصرف كرئيس عصابة وليس كرئيس دولة لذلك سعى بكل الطرق لجمع المال وشراء القصور والعقارات بتونس وخارجها هو وأفراد عائلته وأصهاره في الوقت الذي كان فيه يتحدث عن نظافة اليد وسيادة القانون وغيرها من الشعارات الجوفاء. ووفق شهادة الضابط فإن كل ما كان يروج له الدكتاتور المخلوع طيلة 23 سنة في خطبه الخشبية كذب في كذب حسب تعبيره. كما كان بن علي يسيره المستشارون المقربون منه حسب أهوائهم وقد حصلت عدة أخطاء منذ 1987 في جميع المجالات نتيجة غياب النظرة الاستشرافية. نفاق دخل بن علي الجيش الوطني في بداية الاستقلال كسائق ليجد نفسه ضابطا دون أن يكون له المستوى التعليمي الذي يخول له ذلك، ليتدرج فيما بعد في الرتب العسكرية نظرا لمصاهرته لضابط رفيع معروف، ويعين إثر ذلك ملحقا عسكريا بالخارج ثم مديرا للأمن الوطني فسفيرا، ويعود بعدها إلى تونس كمسؤول عن الأمن الوطني ثم كاتب دولة للداخلية فوزيرا للداخلية ثم وزيرا أولا ولاحقا رئيسا للجمهورية. وعند مباشرته لمهامه كرئيس البلاد أحاط نفسه بمجموعة من المستشارين المحنكين في السياسة وفي بعض الميادين الأخرى، أمثال عبد العزيز بن ضياء وعبد الوهاب عبد الله والصادق شعبان وعبد الحميد سلامة وفتحي عبد الناظر، وغيرهم. وهؤلاء استغلوا ضعف تجربته وضحالة مستواه الثقافي وبدأوا يروجون لأفكار وسياسات حدثوه عنها وأقنعوه بها وزعموا بعد ذلك أن بن علي هو صاحبها، وأن هذا الشخص له استراتيجيات وأفكار يمكن أن تفيد الإنسانية جمعاء وليست تونس فقط، وهذه الصورة المزيفة والمقرفة والمخالفة للواقع وللحقيقة ولمصالح العباد والأجيال القادمة تظهر بصفة جلية معبرة من خلال ما ورد بالفقرة الثانية من الصفحة الخامسة من كتاب الصادق شعبان الصادر سنة 1995 تحت عنوان: “بن علي والطريق إلى التعددية” والتي جاء فيها ما يلي: “وإن فرص المشاركة الفعلية التي أتيحت لي منذ بداية عهد التغيير للمساهمة في النشاط السياسي، وملاحظة إشكالات البناء الوطني، جعلتني أتنقّل في كل مرة بين النظرية والواقع، وأتلمس في سياسات الرئيس زين العابدين بن علي نظريات التغيير السياسي التي تعودنا طرحها بحكم المهنة الأكاديمية، في مدارج الجامعات”. ويتساءل المؤلف: إذا كان زين العابدين بن علي فيلسوفا وصاحب فكر ونظريات وثقافة، لماذا لم نره مرة واحدة يقوم بندوة صحفية يصرح فيها ما يريد قوله للشعب على غرار رؤساء الدول، أو يرتجل كلمة حتى في مناسبة وحيدة يذكر فيها جملة مفيدة فقط؟ وحسب اعتقاد المؤلف فإن فكر بن علي ودهاءه يظهران بوضوح في أربعة ميادين لا غير نجح في تحقيق نتائج متفاوتة في ثلاثة منها وهي: 1ـ تحرير المرأة: حيث واصل ما بدأه الرئيس السابق الحبيب بورقيبة بخصوص حقوق المرأة التونسية. 2ـ مكافحة الإرهاب: قمع كل ما يقلق النظام من نشاط معارض وغيره وتصويره على أنه إرهاب. 3ـ السياحة: خلق عديد الآليات والتشجيعات والحوافز على حساب ميادين أخرى قصد إنعاش هذا القطاع وإنجاحه. وهذا الثلاثي يمثل الواجهة أو الصورة التي يريد أن يظهر بها النظام أمام الغرب وذلك لغاية السكوت عن سياساته القمعية من جهة، وتمكينه من الدعم اللازم على جميع المستويات من جهة أخرى. أما الميدان الرابع فقد عرف نجاحا منقطع النظير إذ شهد إبداعا فكريا للرئيس المخلوع ويتمثل في منهجية خاصة به وبعائلته لنهب وسرقة ثروات البلاد وابتزاز المواطنين وتفقيرهم وتهريب الأموال إلى الخارج. كذبة يقول المؤلف إن الحديث عن حقوق الإنسان في تونس بن علي موضوع يمكن أن تكتب عنه مجلدات عديدة، فمن خلال الخطب الرئاسية والصحافة كان يجري الترويج إلى احترام السلطة لتلك الحقوق، إلا أن الواقع عكس ذلك تماما وما يجري على الأرض ليس في حاجة إلى دليل على أنه مجرد شعار يرفع بين الحين والآخر لمغالطة الرأي العام الوطني والعالمي. وقال الضابط مؤلف الكتاب بوصفه شاهد عيان إن 99 % من بيوت الإيقاف في مراكز الشرطة لا تتوفر فيها أبسط الظروف الصحية الملائمة، وهي لا تصلح حتى لإيواء الحيوانات بها. مضيفا: “لقد كنت أتألّم عندما أقارن واقع تونس في عهد بن علي مع ما عشته وما رأيته في إسبانيا خلال دراستي العليا هناك بأكادبمية الحرس المدني بمدريد واطلاعي على القوانين الإسبانية وهامش الحرية والحقوق الواسعة التي تعطيها للشعب، وكنت أقول هل هؤلاء بشر ونحن شيء آخر أقل درجة؟ ويكفي أن نعرف كم يحترم الإنسان في إسبانيا حيث إنه مهما كانت جريمته فإن القانون يضمن له عدة حقوق أهمها ما جاء بالفصل 520 من قانون المرافعات الجزائية الذي يتضمن صفحتين بالتمام والكمال بهما حقوق الموقوف ويجب تلاوتهما عليه قبل الاحتفاظ به. كما يمكن له أن يطالب بمراجعة قرار إيقافه ويأتيه الرد بسرعة من النيابة العمومية. وعملية الاستنطاق لا يمكن الشروع فيها قانونيا بإسبانيا إلا بحضور محام”. شهادات وأورد المؤلف شهادات لعديد الأشخاص عن الرئيس السابق زين العابدين بن علي، فقد أكد الزعيم التاريخي لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين السيد أحمد المستيري أنه أبلغ من طرف بعض ضباط الجيش الوطني، لما كان وزيرا للدفاع، بأن زميلهم بن علي كان يتجسس عليهم كثيرا. كما أفاد أحد أصدقاء الرئيس المخلوع أنه نبه في إحدى المرات إلى سلوك أصهاره وتذمر الشعب منهم بسبب ما كانوا يقترفونه من فساد ومظالم وابتزاز فكانت إجابته كالآتي: “لماذا ينتقدهم الشعب الآن ولما كانوا فقراء لم يهتم بهم أحد”. وورد بموقع “ويكيليكس” على لسان سهى عرفات زوجة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تعجبها لما لاحظت أن الرئيس المخلوع كان يقضي يوميا أغلب وقته في اللعب مع ابنه محمد زين العابدين (6 سنوات) غير مكترث بشؤون الدولة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©