الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا... استياء من دور المنقذ المالي

9 ابريل 2012
قبل عقدين من قيامها بإنقاذ اليونان من أزمتها الاقتصادية، شرعت ألمانيا في مهمة إنقاذ منطقة أخرى مأزومة، وشديدة الفقر وهو نصفها الآخر الذي كان قد تخلص تواً من أغلال الشيوعية. المساعدة الهائلة التي قدمتها ألمانيا، والتي بلغت فيما بعد تريليوني دولار ما زالت متواصلة، على الرغم من أن النتائج كانت مختلطة على أحسن تقدير، حيث ما زال اقتصاد الجزء الشرقي في ألمانيا متأخراً عن نظيره الغربي، الأمر الذي أدى إلى زرع نوع من الشك العميق بين العديد من الألمان حول قدرة المال وحده على حل العلل المالية. وفي مدينة"دروتموند"، وهي مركز مهم لصناعة الحديد، تعاني من مشكلاتها الخاصة، دعا المسؤولون إلى وضع نهاية لإرسال الأموال للجزء الشرقي بحجة أن الاستمرار في إرسالها سينتج عنه جذب الغرب للأسفل بدلاً من مساعدة الشرق على الخروج من وهدته. في الوقت الراهن، ينظر سكان المنطقة نحو اليونان وغيرها من الدول التي احتاجت إلى إنقاذ مالي، ويخشون من أن التاريخ ربما يكرر نفسه. ترتفع عبر أوروبا حالياً نداءات تدعو ألمانيا إلى التخلي عن التزامها بالعقيدة التي ترى أن الدول المختلفة التي خرجت عن السياق الاقتصادي تعود إليه مرة أخرى عن طريق الإجراءات التقشفية وحدها في حين أن معظم الاقتصاديين والخبراء يرون أن ذلك يمكن أن يتحقق من خلال تنشيط النمو الاقتصادي. لكن ألمانيا التي تعتبر مركز القوة الاقتصادية في أوروبا، ظلت مترددة عن إلزام نفسها بدفع أي أموال إضافية للمساعدة على إنقاذ الجيران المتعثرين الذين يستخدمون نفس العملة التي تستخدمها "اليورو". يقول "كليمينز فاويست" أستاذ الاقتصاد بجامعة أكسفورد ومستشار وزارة المالية الألمانية:"يظهر توحيد ألمانيا التكلفة المالية الباهظة التي يمكن أن يتكبدها جزء غني في بلد ما من أجل مساعدة جزء آخر من نفس البلد يتحد معه في العملة المالية من خلال التحويلات المالية فحسب" ويضيف"فاويست" لما سبق قوله:"والوضع في ألمانيا يمثل تحذيراً حقيقياً". عندما اتحدت ألمانيا عام 1990 وجد الجزء الغربي منها الذي كان يزهو بسيارات "بي. إم.دبليو" الأنيقة التي تجوب شوارع مدنه الزاهرة التي أعيد بناؤها عقب الحرب العالمية الثانية وصناعات متقدمة يصدر معظمها للخارج يندمج مع جزئه الشرقي الذي كان يمتلك عملة ضعيفة، وصناعات غير تنافسية، وبنية تحتية مهملة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبعد إعادة التوحيد وجد الملايين من العمال الذين كان نظام ألمانيا الشرقية الشيوعي يضمن لهم العمل، من دون وظائف كما وجدت صناعات بأكملها نفسها وقد تعرضت للإفلاس في بحر شهور. ولتجنب الهلاك الاقتصادي في الشرق اضطر الجزء الغربي لفتح صنبور من الأموال التي تدفقت على الشرق من أجل إعادة بنائه. وكانت النتيجة أن الشرق بات يمتلك شبكة من الطرق الجديدة تماماً، وأبنية مجددة جميلة، ومعدل بطالة نسبته 11.3 في المئة يعادل ضعف معدل البطالة في باقي البلاد- بعد أن كان يزيد عنه بعدة مرات. ليس هذا فحسب بل أن بعض مدن الجزء الشرقي من ألمانيا مثل"دريسدن" و"ليبزيج"، بات يعج بنشاط اقتصادي جديد. ولكن كان هناك جوانب أخرى سلبية منها أن مناطق بأكملها قد أفرغت من سكانها وأن الاستثمارات الخاصة لم تكن متسقة وموزعة بشكل متساو وإنما كانت تركز على قطاعات من الاقتصاد وتتجاهل أخرى. وكانت خلاصة كل هذا أن فاتورة التكلفة التي تتكبدها ألمانيا آخذة في التزايد ويرى الألمان نتيجتها في شيكات الرواتب التي يقبضونها، والتي تفرض عليها ضريبة اسمها "ضريبة التضامن" تبلغ نسبتها 2.5 في المئة تخصم من رواتبهم وستظل تخصم حتى عام 2019. في الوقت نفسه تشعر مناطق أخرى بخلاف تلك التي أشرنا إليها بالإهمال وباتت تشكو من متاعبها علناً. لعلاج تلك المشكلة يقول" كلاوس فهلنج"عمدة مدينة "أوبرهاوسن"، وهي مدينة صغيرة يقطنها 210 آلاف نسمة وتقع بالقرب من "دورتموند"، وهو أيضاً من الذين دعوا إلى مراجعة "ضريبة التضامن"، لأنها تعني أن مديونية سكان الجزء الشرقي ستتزايد كما دعا أيضاً إلى إعادة النظر برنامج إعادة البناء :"إن الأموال يجب أن تنفق على القطاعات التي تحتاج إليها أكثر من غيرها". بيد أن منتقدي نداءات ومطالبات هؤلاء المسؤولين الداعين لإنهاء برامج المساعدات المالية المتجهة شرقاً يقولون إن العديد من المشكلات التي تعاني منها المدن في المناطق الشرقية من البلاد، هي من صنع تلك المدن نفسها وليس نتيجة لخطأ أو عوار برامج المساعدات الهادفة لإعادة بناء الشرق، وأنه على الرغم من أن الشرق ما زال متأخراً عن الغرب، وأن الكثير من المكاسب التي حققها بعد عام 1990 قد توقفت تقريباً فإن البديل من دون إرسال تلك الأموال كان سيكون أسوأ بكثير. وقالت سيدة رفضت أن تعطي اسم عائلتها لأنها كما تقول تخشى من العواقب التي يمكن أن تتعرض لها نتيجة لانتقادها لنظام الخدمات العامة في "دورتموند" الذي يعاني من العديد من النواقص، "يجب على ألمانيا أن تساعد شعبها أولاً قبل أن تقدم يد العون للآخرين". ويسود شعور لدى سكان "دورتموند" وغيرها من المدن الألمانية بالطبع بأن أموال ألمانيا التي قدمتها كحزم إنقاذ لليونان والبرتغال وإيرلندا، قد بعثرت. يقول الإسكافي "فرانكو فاليسو" مشيراً للحفر التي تملأ الأرض خارج محله: "منذ عامين كنت في ألمانيا الشرقية، ورأيت مساحات جديدة جميلة من الطرق دون أن أرى أي مساكن في مدى النظر ما يدل على أن هناك حاجة للاستثمارات، ولكننا نرى الآن أن الشعب الألماني يدفع الكثير من المال لليونان . مايكل بيرنباوم دورتموند- المانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©