السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليبيا الجديدة... وتحدي الهجرة السرية

9 ابريل 2012
دفع أحمد مصطفى وأصدقاؤه مؤخراً آلاف الدولارات التي جمعوها فيما بينهم من أجل الوصول إلى ليبيا، حيث سافروا مع عصابات التهريب عبر غرب أفريقيا. فقد كانت تلك طريقتهم للخلاص من بؤس الأحياء العشوائية الفقيرة المتزاحمة في العاصمة الغانية "آكرا". وكان مصطفى قد سمع إشاعات حول اعتقالات تعسفية ومجموعات من المنفعلين تقتل الأفارقة السود خلال حرب العام الماضي التي خُلع وقتل فيها الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، ولكنه كان يعول أيضاً على الحظ، وعن هذا يقول: "لم أُعر ذلك اهتماماً في الواقع... وقلتُ في نفسي إنني سآتي وسأحصل على عمل ما، ثم أرسلُ بعض المال إلى عائلتي". ولكن بدلاً من ذلك انتهى به المطاف في سجن حكومي -مركز اعتقال توشي- حيث ينام على فراش صغير في غرفة تكتظ بالعشرات. ذلك أن إحدى الميليشيات رأتهم قبل أسبوعين وهم يمشون على طريق مغبر في شمال البلاد فألقت عليهم القبض فوراً. ولكنهم ما زالوا في السجن قابعين بدون أن توجه لهم أي تهم وبدون تمثيل قانوني. وفي ليبيا، أخذت الآن الهجرة غير القانونية ترتفع من جديد، وهي تتم عبر طريقين رئيسيين للتهريب في شرق البلاد وغربها، حيث يتجشم الأفارقة - من صوماليين، وإريتريين، ونيجيريين، وسودانيين، وماليين- الذين يحلمون بحياة جديدة، عناء رحلة محفوفة بالأخطار إلى ليبيا. ولكن في وقت ما زالت فيه الاضطرابات تسود معظم البلاد، فإن العديد من هؤلاء المهاجرين يتم تجميعهم واعتقالهم، وأحياناً يتم استغلالهم في أعمال السخرة. وفي هذا الإطار، يقول جيرمي هسلام، مدير بعثة المنظمة الدولية للهجرة في ليبيا: "إن معدل الدخل بالنسبة لمهاجر يتراوح ما بين 260 و800 دينار ليبي"، أو حوالي 210 و645 دولاراً، مضيفاً: "تتمثل إحدى المشاكل الموجودة في أن العديد من منشآت الاعتقال ليست خاضعة حاليّاً لسيطرة الدولة، وإنما تدار من قبل المجالس المحلية أو حتى جهات خاصة، علماً بأن هذه الأخيرة قد تشمل الجريمة المنظمة وإدارة عمليات للاتجار في البشر". وفي بعض مراكز الاعتقال، يقوم بعض الموظفين بتأجير معتقلين أفارقة سود لمشغِّلين يقومون بالمساهمة في السجون لمساعدتها على تغطية التكاليف، في حين يقال إن مهاجرين آخرين يُسخرون صراحة لمشغِّلين. ويقول هسلام: "في بعض الحالات، قد يبدو الأمر كصفقة شرعية ولكنها تقوم عموماً على الاستغلال... وهي شائعة ومنتشرة". والواقع أن حدود ليبيا لطالما ابتليت بعصابات التهريب التي تقوم بنقل المخدرات والأسلحة والمهاجرين عبر شبكة معقدة من طرق التهريب السرية. ذلك أن ثروة البلاد النسبية، التي تأتي من القطاع النفطي بشكل أساسي موفرةً دخلاً فرديّاً سنويّاً يقدر بـ12 ألف دولار ويُعد الأعلى في أفريقيا- ضمنت لليبيا مكانتها كوجهة للمهاجرين غير القانونيين. وكان المهاجرون يشتغلون كعمال نظافة أو بناء أو فلاحة، أو يشتغلون كخدم في المنازل. فهؤلاء العمال، الذين كان يبلغ عددهم 1,5 مليون شخص على الأقل مع اندلاع حرب العام الماضي، كانوا يخدمون النشاط الإنتاجي وكان البلد يعتمد عليهم كثيراً. وكان يُنظر إليهم غالباً كعمالة ضرورية من أجل شغل الوظائف التي لا يقبلها الليبيون. وفي غضون ذلك، كان آخرون ممقوتين لأنهم كانوا تجار مخدرات وينشطون في عالم سري من عنف العصابات وأنشطة أخرى غيرها خارجة على القانون. ولكنهم باتوا في النهاية جميعاً يمثلون نماذج لحقيقة كون تركيز القذافي على بلدان أفريقيا جنوب الصحراء -بعد محاولات عديدة تم التخلي عنها للاندماج في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا- كان على حساب شعبه. فازدادت مشاعر الاستياء. يذكر أن ليبيا لم تكن، في عهد النظام السابق، تتوافر على إطار تشريعي لحماية المهاجرين من الاستغلال وسوء المعاملة. وفي تقريرها حول الاتجار في البشر لعام 2011، صنفت وزارة الخارجية الأميركية ليبيا في الصنف الأخير المخصص للبلدان التي "لا تمتثل للحد الأدنى من المعايير بشكل كلي ولا تبذل جهوداً معتبرة" من أجل القضاء على الاتجار في البشر. غير أن الهجمات التي تحركها العنصرية ومعاداة الأجانب، التي كانت تحدث بشكل متكرر قبل الثورة، زادت بشكل كبير خلال العام الماضي في وقت انزلقت فيه البلاد إلى الفوضى. كما انتشرت عبر بعض أرجاء ليبيا إشاعات -محرفة إلى حد كبير، حسب منظمة العفو الدولية- تفيد بأن القذافي يستقدم جنوداً مرتزقة بأعداد كبيرة، مع ما يعنيه ذلك من عواقب مرعبة بالنسبة للعمال المهاجرين السود في البلاد. ويُظهر مقطع فيديو غير مؤرخ نُشر مؤخراً أفارقة سوداً معتقلين في قفص يحيط بهم أشخاص غير منضبطين وقد جلسوا وأقدامهم مغلولة وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم. وقد وضعت في أفواههم جميعاً الأعلام الليبية السابقة الخضراء. كما يُظهر المقطع رجالاً يصيحون "كلاب" و"الله أكبر" ويُرغمون الأفارقة المقيدين على عض الأعلام. ويُسمع صوت إطلاق نار من مسدس، فيقف الرجال ويقفزون أمام جلاديهم، كما لو أن الأمر يتعلق بعرض من عروض سيرك جنوني. ثم يُسمع صوت إطلاق نار آخر وينقطع الفيديو. ويقول مصطفى، وهو واقف في فناء السجن خارج زنزانته: "أريد أن أقول للحراس إنني لست من المرتزقة. ولكنني لا أستطيع تحدث العربية والتعبير عما أريد تبليغه". جلين جونسون - طرابلس ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©