الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العود أحمد

العود أحمد
13 ابريل 2011 21:01
تحت هذا العنوان الودود، بعث لي بعض القراء، رسائل لماحة، يطلبون فيها مني العود لمطارحة عيون الشعر، بتوجيه القراءة الحرة لفلذات غالية من كنوز التراث. فصادف هذا الطلب هوى في نفسي، لأن هناك منطقة أثيرة لدي، لم أقاربها في التجربة السابقة، على طول ماعايشتها خلال مقامي في اسبانيا، وهي منطقة الشعر الأندلسي الذي فتنت بابتكاراته، خاصة في مجال الموشحات، فكتبت عنها مقالا موجزا نشر في كتابي “شفرات النص”، حيث طبقت عليها بعض مبادئ النقد الحداثي في الانحراف والتناص، لكنني لم أشف غليلي منها، ولم أطل صحبتها وتذوق روائعها، وها أنذا أفتح صفحتها معكم اليوم متخذا دليلا لي هو كتاب العالم الثبت المرحوم الدكتور سيد غازي الذي جمع أكبر عدد منها في مجلدين تحت عنوان “ديوان الموشحات الأندلسية” ورتبها طبقا للعصور التاريخية. ولأن جل اهتمام الدارسين بها كان ينصب على تاريخها من ناحية، وأسبقية أهل الأندلس على المشرق في إبداعها، ونظامها الفني والتقني في توزيع الأبيات والأغصان والأقفال ومصطلحاتها من ناحية أخرى، فإنني أوثر البدء في مطارحة نماذجها وتذوق حلاوتها دفعة واحدة، والطريف أن أول ما سجلته كتب الأدب منها كان مكتمل التكوين إلى درجة كبيرة، مما جعل مهمة أبحاث النشأة والتطور عسيرة، خاصة لأن المؤلفين القدماء تعارفوا على عدم خلطها بالأدب الرسمي، المعترف به في الموسوعات، لأنها تنتمي إلى مجال الفنون الشعبية المولدة، وتستخدم غالبا في مقطعها الأخير جزءا من أغنية شعبية باللهجة الدارجة بين أهل الأندلس حينا، أو باللغة الرومانثية أي الإسبانية القديمة حينا آخر، الأمر الذي دعا كبار العلماء لاتخاذ موقف طريف منها، فهم يجدونها مليحة شيقة، لكنها غير جديرة بأن تتخذ موقعها إلى جانب الأدب الكلاسيكي من شعر ونثر في كتبهم الرصينة، حتى إن ابن عبد ربه صاحب “العقد الفريد” يعزى إليه أنه أحد الذين ابتكروا شكل الموشحات وأبدعوا فيها، لكنه لم يضمن كتابه أية إشارة أو نموذج منها. وظلت هناك إشكالية أخرى تحيط بالموشحات أحب أن أنبه إليها وهى تتعلق بأوزانها، فقد اختلف العلماء في أمرها، وموجز القول نلخصه في النقاط التالية: أولا، طورت الموشحات في وزن الشعر العربي ونظام تقفيته، فهي ثورة عروضية تجديدية، كسرت عمود القصيدة التقليدية وابتكرت نظاما منضدا جديدا في الشعر. ثانيا، يرى كثير من العلماء العرب أنها لم تخرج على بحور الخليل وإن غيرت في أطوال الأشطار ونظام التفعيلات ووظفت بعض الأعاريض المهملة كما يقول الأقدمون. ثالثا، يرى بعض المستشرقين الإسبان أنها تعتمد على نظام النبر المعتمد في الشعر الإسباني، فتجمع أوزانا عربية وإيقاعات أندلسية أوروبية. رابعا، من المؤكد أنها كانت تعتمد على الغناء والتلحين، وأن تطويع أوزانها ربما يعود إلى هذه المرونة الموسيقية التي كانت تجبر بعض ما يخيل للقارئ أنه كسر عروضي. وهي على أيه حال قطع فنية فريدة في بنيتها وإيقاعاتها وصورها وروحها الشعرية الأصيلة. drsalahfadl@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©