اطمئن يا صديقي، قرار إنهاء خدماتك من عملك بالشركة لن يكون نهاية حياتك، في يدك أن تجعله بداية حياتك، ليس في قدرة بشر. أن يدفن كفاءة أو يدوس عبقرية أو يدفن طموح إنسان وهو على قيد الحياة؛ كل ما هو مطلوب منك أن تتحدى قرار إنهاء خدماتك من عملك وتتشبث بالحياة، نحن الذين ندفن أنفسنا بخضوعنا واستسلامنا وضعفنا.
هذه الشركة التي أنت موظف فيها ليست الشركة الوحيدة في العالم، هناك ألف شركة وشركة، أبحث عن أي عمل آخر، أقبل عليه مهما كان بسيطاً، في قدرتك أن تحول العمل البسيط المتواضع إلى عمل كبير مجز؛ ضع فيه قلبك وفكرك؛ أجعله هوايتك وحبك، فالنجاح هو قصة حب، وبقدر ما تعشق العمل تتقدم فيه ننبغ وننطلق، وبقدر ما نكره عملنا نفشل ونهوي إلى القرار.
فقيمة الإنسان ليست بالمنصب الذي يتولاه بل بالعمل الذي يؤديه، وكم عدد الذين أنهيت خدماتهم ولم يموتوا، ذلك أن الله وحده الذي يحيي ويميت، وما دمت مؤمناً بالله فإن أحداً لن يستطيع أن يسحقك أو يميتك جوعاً، أو يقف في طريق مستقبلك، فالمستقبل بيد الله وليس في يد مخلوق.
أذكر منذ سنوات طويلة أن جاءني صديق قديم يقول لي إن أحد المديرين يضطهده، يوقف كل ترقية له، بل كل إنسان يتكلم عنه بسوء أصبح مقرباً له ويرفض أن يسمع أي كلمة خير بشأنه. وقال الصديق، إنه قرر ترك العمل لأنه علم أن هذا الرجل باقٍ في منصبه ولن يتزحزح عنه وثابت في مركزه.
قلت له: أصبر الأمانة تجلب الرزق ونصف العقل مداراة الناس وللذهب ثمن ولا ثمن للحكمة وكل الخسائر قابلة للتعويض إلا أن تخسر سنوات من عمرك باحثاً عن رضا الناس والحياة دوارة وتصيب الظالم بما ظلم والشامت بما شمت والمسيء بما أساء ولا تحزن ربك أعدل العادلين ولا تخاف من الذين يكرهونك بل خاف من الأشخاص الذين يتظاهرون ويدعون محبتك ولا يتواضع إلا من كان واثقاً من نفسه ولا يتكبر إلا من كان عالماً بنقصه، وأن معلوماتي أن هذا المسؤول المتكبر الذي لا يحبك سيخرج من الشركة وفعلاً بعد أسبوع خرج المسؤول وجاء صديقي يسألني في دهشة: كيف علمت بأن هذا الرجل سيرحل؟
قلت: لم أعلم ولكني أعلم أن الله موجود.
محمد العصفوري?
عدد اليوم
