الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشراكة عبر الهادي.. مخاطر «التسييس»

31 يوليو 2016 23:04
تحولت الشراكة عبر الهادي، وهي اتفاقية تجارية متعددة الأطراف، تضم الولايات المتحدة ودول كثيرة مطلة على المحيط الهادي، إلى شيء أشبه بالبعبع، لليسار واليمين الأميركيين. فالمرشح «الجمهوري» دونالد ترامب، شجب تلك الشراكة، وقال إنها محاولة لاسترضاء الصين، على الرغم من أن الصين ليست عضواً فيها. والمرشح «الديمقراطي» بيرني ساندرز، يعارضها أيضاً، أما الرئيس باراك أوباما و«تيم كين» المرشح كنائب للرئيس على تذكرة هيلاري كلينتون، فيؤيدانها، في حين انقلبت عليها هيلاري كلينتون التي كانت قد ساعدت في المفاوضات التي أدت للتوصل إليها في الأساس. والكيفية التي ينظر بها الأميركيون بشكل عام للشراكة غير واضحة، وإن كانت استطلاعات الرأي، تشير إلى دعم فاتر من جانبهم، وتبين أنهم ينظرون إلى التجارة الخارجية، باعتبارها تمثل فرصة أكثر منها تهديداً. ولكن من الواضح من تلك الاستطلاعات، أن هناك أقليات ملتزمة وصريحة من كلا الحزبين تعارض تلك الصفقة بقوة، وأن كلا المرشحين يعطيان تلك الأقليات ما تريده. وهذا موقف غريب في الحقيقة، لأن الشراكة عبر الهادي صفقة ليست لها أضرار، علاوة على أن تطبيقها سيتم بشكل تدريجي، كما أنه ونظراً لأن الحواجز التجارية بين البلدان المشاركة فيها ليست مرتفعة، فإن إزالتها لن يترتب عليه سوى مكاسب ضئيلة. وبالمعيار نفسه، يمكن القول إن عدد الوظائف الأميركية المعرضة لخطر الفقدان بسبب تلك الاتفاقية قليل، والأكثر أهمية من أي شيء آخر، أن الدول الرئيسة فيها دول غنية ومتطورة، وهو ما يعني أنه ليس هناك احتمال لحدوث نوع من التآكل الصناعي في تلك الدول، مماثل لذلك الذي وقع عقب انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية عام 2011. الجزء الأكثر إشكالية من الصفقة، يتعلق بالملكية الفكرية، وإن كنت لا اعتقد من جانبي، أن أي شريحة مهمة من المعارضين للشراكة تبني معارضتها بسبب اهتمامها بهذا الموضوع. بدلا من ذلك، أعتقد أن الشراكة عبر الهادي، هي كبش فداء لذلك القطاع من الأميركيين الغاضبين من الانفجار التجاري الصين. ولكن تقويض الشراكة عبر الهادي لن يعيد أي من الوظائف التي فقدتها الولايات المتحدة في الألفية، وإنما سيكون بمثابة انتقاد عام لاذع للسياسيين، من أصحاب النزعة الدولية، مثل كلينتون وأوباما. الشراكة عبر الهادي ليست اتفاقية تجارية، من حيث الجوهر، لأن هدفها الرئيس على الأرجح ليس اقتصاديا، وإنما جيوبوليتيكا، ولأنها تمثل في الأساس جزءًا من جهد الولايات المتحدة لتعزيز تحالفاتها في آسيا، في مواجهة القوة الصينية المتنامية. فالاتفاقات التجارية، لا تتعلق بفتح الأسواق الأجنبية، أو توفير واردات رخيصة الثمن للمستهلكين المحليين فحسب، وإنما عادة ما تكون جزءًا من التوازن الدقيق والحرج للدبلوماسية الدولية. ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن علماء السياسة، كانوا يقومون دوما بدراسة الصلة بين الاتفاقيات التجارية والأحلاف السياسية والعسكرية بين الدول. من هؤلاء العلماء البروفيسير، «بول بوست»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو، الذي كتب عدة أوراق حول هذا الموضوع، خلص في نهايتها إلى أن الاتفاقيات التجارية تجعل الأحلاف العسكرية تدوم لفترات أطول. يتفق هذا مع الحكمة التقليدية المتعلقة بما ساد في فترة ما بعد الحرب العالمية. عندما فتحت الولايات المتحدة أسواقها للحلفاء في أوروبا وشرق آسيا- اليابان، ألمانيا، فرنسا، وتيوان وآخرين- على الرغم من أن هؤلاء الحلفاء، لم يتعاملوا معها بالمثل. ولكن الروابط التجارية الناتجة عن ذلك، وكما كان يقال لنا في أحيان كثيرة، ساعدت على المحافظة على بقاء تلك الدول في المعسكر الغربي، خلال سنين الحرب الباردة، التي احتدمت فيها المنافسة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق على نفس المنوال، نجد هناك منافسة مماثلة بين الولايات المتحدة والصين في شرق آسيا في الوقت الراهن، وإن كانت أقل توترا من تلك التي كانت قائمة بين الدولتين العظميين إبان الحرب الباردة. لذلك ففي حين أنه قد يكون من المغري التضحية بالشراكة عبر الهادي، من أجل استرضاء الخصوم، إلا أن الأبعاد الجيوبوليتيكية والاستراتيجية للصفقة، يجب ألا تغيب عن أذهاننا. فباعتبارها اتفاقية تجارية، فإن الشراكة عبر الهادي، ليست أداة لتغيير قواعد اللعبة، ولكنها تمثل، على الأرجح، طريقة من الطرق المهمة، اللازمة للمحافظة على قوة ووحدة الحلفاء الديمقراطيين للولايات المتحدة في آسيا. وهو ما يعني أن التخلي عنها سيكون بمثابة خطوة في اتجاه العودة إلى الانعزالية. *أستاذ المالية المساعد في جامعة ستوني بروك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©