الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منار الحمادي: فقد بصري وجهني إلى احتواء من يعيشون حالتي

منار الحمادي: فقد بصري وجهني إلى احتواء من يعيشون حالتي
1 نوفمبر 2009 22:40
حملت منار الحمادي في طيات نفسها أوجاع المكفوفين، تستنبط من واقع حياتها التي تكللت بالنجاح مثالاً لترشد به كل كفيف استسلم لليأس وأوصد ذهنه وقلبه أمام كل شيء من حوله. فلم تستسلم لواقع فقدان بصرها، بل تعلمت وعملت وصمدت إلى أن باتت مدربة متطوعة في «جمعية الإمارات للمكفوفين» ووهبت وقتها لمواجهة مشاكل المكفوفين رغم وعورة الطريق وتركت بصمات الانتصار لتشع بين خلجات كل كفيف. مأساة طفلة ولدت منار الحمادي مبصرة ترى النور من حولها، تلهو وتلعب مع الآخرين باندفاع وجرأة، إلى أن تعرضت لحادث سلب منها البصر، نتيجة لخطأ طبي في العلاج أدى إلى تلف في إحدى العينين، وكانت النتيجة أن أصيبت العين التي كانت تتشبث بالضوء والحياة بمرض التعاطف وهو تأثر العين السليمة بالمريضة، تقول الحمادي: «أجريت لعيني عشر عمليات جراحية علها تستطيع الحفاظ على بقايا بصرية، لكن دون جدوى، واستمرت مسيرة العلاج من عمر ست سنوات إلى ثماني سنوات، أي لم ألتحق لمدة عامين بأي جهة تعليمية وكان ينتابني أمل كبير بأنني سوف أستيقظ من كابوسي لأرى الحياة مجددا، فقد كنت أتوق إلى اليوم الذي أجد نفسي اخترق صفوف اللعب بحماس وثقة لألعب مع الأطفال وأمارس حياتي التي ما لبثت أن أشرقت حتى أنطفأت، لكن وجدت نفسي أسير مرغمة عني في ظلام دامس». وتشير الحمادي إلى أن ذلك الوضع المستجد لم يطل شخص الحمادي بمفردها، وإنما كذلك بمن حولها الذين لم يكونوا مهيئين أساسا للتعامل مع حالة جديدة تعاني من كف البصر، ولم تستطع تقبل هذا الوضع الذي فرض عليها العزلة التامة والانطواء والابتعاد كليا عن الحياة اليومية السعيدة. علم وعمل استطاعت الحمادي أن تفك القيود النفسية التي فرضها عليها وضعها الجديد، فتقبلت الأمر إنما بعد سنوات ليست بالقليلة، حتى أثبتت جدارتها علميا وعمليا، واقتنع الناس أنها تمتلك القدرة على تحقيق ما عجز عن تحقيقه بعض المبصرين، وحملت على عاتقها مسؤولية احتواء المكفوفين والتعرف على أوضاعهم ومشاكلهم للعمل على فك قيودهم وأحزانهم، لتكون منارا لكفيفي البصر نحو طريق النجاح. تقول الحمادي: «لايعرف المرء ماذا يخبئ له الزمن، فيمر بمحطات عديدة في حياته، منها مؤلمة وبائسة لا يستطيع أن يزيح عن نفسه تداعياتها، فلا يلاحظ إلا الأمور السلبية. لكن بعد أن تخطيت مصيبتي، صرت أفكر مليا في الواقع النفسي السيء الذي يعيشه كل فرد تعرض لفقدان البصر سواء كان رضيعا أو طفلا أو يافعا أو كبيرا، ووجدت نفسي أحمل على عاتقي مسؤولية زرع الأمل والإرادة في نفس كل كفيف وأحاول قدر الإمكان أن ألمس أوجاعهم وأن أبث فيهم معاني الإرادة والتحدي وأن ينظروا إلى الحياة من حولهم بإيجابية أكثر». تبتسم وتضيف: «كنت كما معالجة نفسية لهم، فالفرد الذي تعرض لحادث نتج عنه إعاقة ما لا بد أن هذا الأمر سيتبعه ألم نفسي وقهر وحزن، وهنا يأتي دور المعالج النفسي الذي يقع على عاتقه مسؤولية العمل على مساعدته في تقبل هذا الوضع، والعمل كذلك على تهيئة أفراد الأسرة في كيفية التعامل مع حالة ووضع جديد». المدربة المتطوعة من خلال تطوعها في «جمعية الإمارات للمكفوفين» اقتربت الحمادي من المكفوفات والمكفوفين ووقفت على معاناتهم وقدمت لهم مهارات الكتابة بطريقة برايل حتى يتمكنوا من النهوض بأنفسهم ويحققوا جانب من أحلامهم، عبر مواصلة تعليمهم وتحقيق مراتب علمية عليا. وهي الغاية التي تريد أن تدفعهم نحوها. تقول في ذلك: «في بداية استقبالي للمتدربين لابد أن أخضعهم لبعض الاختبارات البسيطة، ومن خلالها أضع بعض النقاط الأساسية لمعرفة جوانب شخصياتهم ومستوى ذكائهم ومدى ما يتمتعون به من ثقافة وعلاقات عامة، وأعرف مشاكلهم واحتياجاتهم، فتتضح لي الرؤية حول طبيعة الشخصية الماثلة أمامي ومستوى القصور الذي يعانينه، عندها يمكن أن أضع أسس التعامل مع كل منهم. حيث تتفاوت أعمار المتدربين من ست سنوات إلى منتصف الثلاثين فمنهم من ولد وهو فاقد البصر ومنهم من فقد بصره من جراء حادث ما». تضيف موضحة: «هناك حالات جاءتني وهي يائسة بشكل كبير، وأخرى محطمة نفسيا، ومنهم من يجد نفسه عالة على الآخرين لا يستطيع أن يقوم بمهامه اليومية لوحده ويحتاج دائما إلى المساعدة. لذا حاولت جاهدة أن يتقبل الكفيف ذاته وواقعه وينظر إلى الحياة بنظرة إيجابية، من خلال إخبارهم عن واقع حياتي وكيف استطعت أن أتغلب على مأساتي وأحقق نجاحات متتالية. كما أحاول وبقدر الإمكان أن أستخرج مهارات كل منهم في محاولة لدفعهم وتشجيعهم على مواصلة التعليم. مردود معنوي تجد الحمادي أن التدريب في الجمعية ساعدها وأثرى شخصيتها ومنحها المردود المعنوي الكبير وعزز قدراتها، تقول في ذلك: «اكتسبت مهارات عديدة في كيفية التعامل مع الأطفال وتبسيط أسلوب الشرح لهم ومتى يجب أن أتساهل وأكون مرنة ومتى علي الحسم والحزم، إضافة إلى الصبر الذي لابد منه حتى نحقق النتيجة المرجوة، كما أصبحت لدي خبرة في كيفية التعامل مع الفروقات الاستيعابية بين المتدربين». تضيف: «أذكر أنه من أصعب الحالات التي مرت علي وبقيت معها مدة سنة ونصف وأنا أحاول وأسعى جاهدة أن ألقنها أصول الكتابة بطريقة «بريل» وكانت حالة تعاني من إعاقة ذهنية وكف البصر، ولم أكن أعلم بطبيعة هذه الحالة التي كانت تواجه صعوبة في تقبل مبادئ التعلم، عندها وجدت نفسي أخوض هذه التجربة ولم أتوصل إلى نتيجة مع هذه الحالة، فاستشرت الآخرين في أمرها كي أتزود أنا أيضا بالمعرفة»
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©