الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من «شَابَه» «أخاه»..

من «شَابَه» «أخاه»..
10 ابريل 2013 20:35
شاعرتنا اليوم هي علية بنت المهدي.. التي كانت مثار جدل وخلافات في وجهات النظر عند جميع الدارسين أو المؤرخين للشعر العربي، وخاصة لشعراء العصر العباسي. فشاعرتنا علية بنت المهدي هي سليلة أحد خلفاء بني العباس، وهو الخليفة الذي تولى الحكم بعد أبي جعفر المنصور، وهي أخت أهم خلفاء العصر العباسي ألا وهو هارون الرشيد. ولدت علية بنت المهدي في بغداد عام 777م وتوفيت أيضاً في بغداد سنة 825م. تعددت الروايات ووجهات النظر في أخيها هارون الرشيد، كما تعددت فيها.. فهو لدى البعض الخليفة الورع المتدين الذي يحج عاماً ويغزو عاماً.. ويصلي مائة ركعة في اليوم في بعض المراجع العربية، بينما نجده في المراجع غير العربية ذلك الملك المتخم والمتمتع بالحياة، ليله طرب وأنس بين القيان والجواري. كذلك أخته علية بنت المهدي.. فهي كما قال الصولي: لا أعرف لخلفاء بني العباس بنتاً مثلها، كانت أكثر أيام طهرها مشغولة بالصلاة ودروس القرآن ولزوم المحراب فإذا لم تصلي انشغلت بلهوها. وماذا كان لهو شاعرة في مكانتها ودرجاتها؟ لم يكن يزيد عن نظم الشعر والتغني به.. حيث كانت كأخيها الآخر إبراهيم بن المهدي تحسن الغناء وتشتهر به، حتى قيل إن أخاها إبراهيم بن المهدي كان يأخذ الغناء عنها. هل كانت علية بنت المهدي جميلة كليلى الأخيلية؟ تقول المراجع: كان في جبهتها اتساع يشين وجهها.. فما كان منها إلا التحايل على ذلك العيب الخلقي بوضع عصابة مرصعة بالجواهر الثمينة تغطي بها جبهتها فتظهر للعين كأجمل ما تكون المرأة. كان أخوها الرشيد يقدر أخته علية، لا لمجرد أنها أخت، بل لأدبها وشعرها وغنائها أيضاً، فكان يبالغ في تكريمها ويجلسها معه على سريره، والسرير هنا بمعنى كرسي عرشه الذي يكون عادة في صدر المجلس، ولكنها كانت تأبى ذلك احتراماً له وإيفاء بحقه، فعلى الرغم من أنه أخوها فهو أمير المؤمنين خليفة المسلمين. أمها كانت جارية تجيد الغناء، وتسمى بكنونة، وقد تزوجها أبوها المهدي قبل أن يتقلد الحكم ويصبح الخليفة العباسي الثالث. ومن أمها على ما يبدو تعلمت الغناء، وكان الغناء في ذلك العصر مرتبطاً بالشعر.. ولذلك عندما نطلع على ديوانها، نجد أن القصائد فيه قصيرة، أحياناً لا تزيد القصيدة عن بيتين، وحتى البحور الشعرية التي لجأت إليها في شعرها هي بحور غنائية كلها.. لم تكن علية بنت المهدي تهدف إلى مزاحمة الشعراء الفطاحل، وما أكثرهم في عصرها.. بل إنها اتجهت إلى الشعر لتسدّ حاجتها إلى الكلمة المغناة. يروي عنها أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الذي يعتبر من أهم المراجع التاريخية في الشعر والأدب، أنها كانت تقول الشعر الجيد وتصوغ فيه الألحان الحسنة. تزوجت علية بنت المهدي من موسى بن عيسى العباسي، ولكن بعض المراجع تذكر أنها كانت معجبة قبل الزواج بأحد خدم أخيها الرشيد واسمه طل، فكانت تراسله بالشعر ولما غاب عنها ذات يوم، سارت إليه في مكان إقامته معرّضة نفسها للخطر، وفي هذا قالت: قـــــد كــان ـما كُلِّفْتُـــــهُ زمنــــاً يا طــلُّ مــن وجـدٍ بكـــم يكفـــي حتــــى أتيتـــــكَ زائـــــراً عجـــــلاً أمشـي علـى حتــفٍ إلـى حتفــي وعلم الرشيد بما فعلته أخته، وأدرك أنها تحب خادمه طلاّ فغضب وحلف عليها ألا تكلّم طلاً ولا تسميه باسمه، وأقسمت أمامه ألا تفعل.. وبعد ذلك بأيام دخل الرشيد إليها، وكانت تقرأ القرآن، فأخذ يصغي إليها وهي ذات الصوت العذب الأخاذ ويتأمل في الآيات التي تتلوها.. وكانت تلك الآيات من سورة البقرة، فلما بلغت قوله تعالى: «فإن لم يصبها وابل فطل».. ووقفت فجأة عند وابل.. ثم قالت بدلاً من كلمة (فطل)، فالذي نهانا عنه أمير المؤمنين.. فابتسم الرشيد وقبل رأسها قائلاً: لا أمنعك بعد هذا من أي شيء تريدينه. ولها في طل الكثير من الأشعار والتي فيها صنعة ولحن.. ونقلها لنا الأصفهاني في كتابه الأغاني منها: يا رب إنــي قـد عرضـــت بهجرهـا فإليــك أشــــــكو ذاك يا ربَّــــــاهُ مــولاة ســــوء تســتهين بعبـــده نِعـمَ الغـــلام وبئســـتِ المــولاهُ طـلُّ ولكنــــي حرمــــت نعيمـــه ووصالـــه إن لـــم يغثنــــي اللــهُ يـارب إن كانــت حياتــــي هكـــذا ضــــراً علـــيَّ فـلا أريـــد حيـــــاهُ وبما أن الحرمان هو النبع الثر للشعر، فقد أدى حرمان علية من طل ذلك الذي كان يصغي إليها بجوارحه ويدغدغ مشاعر الأنثى فيها.. أدّى ذلك الحرمان إلى أن تنظم عدة قصائد فيه بعد تحريف اسمه أو تصحيفه، فكانت تطلق على طل أسماء أخرى في شعرها، مثل ظل .. أيا سـروة البســـتان طـال تشـوقي فهـل لـي إلــى ظـلّ لديـكَ سـبيلُ متـى يلتقــي مـن ليــسَ يقضــي وليــس لمـن يــهوى إليـه دخــولُ عسـى اللـه أن نرتـاحَ مـن كربـة لنـا فيلقــى اغتباطــاً خلــــةٌ وخليـــلُ وقالت أيضاً: ســــلم علــــى ذلــك الغـــــــزالِ الأغـيـــــــد الحســـــــــن الــدلالِ ســـــلم عليـــــــه وقــــــــل لـــه يا غـــــــل ألبـــــــاب الرجــــــــالِ خليــــــت جســــــمي ضاحيــــــاً وســـــكنت فـــي ظـــل الحجــالِ كانت علية بنت المهدي شاعرة راجزة، تنظم شعرها لتلحنه وتغنيه واكتسبت مع أخيها إبراهيم بن المهدي شهرة أعظم مغنية في عصرها.. ولكنها لم تكن تغني كباقي المغنيات في مجالس الرجال، بل كان غناؤها مقتصراً على أفراد أسرتها وسكان قصر أخيها الرشيد، حيث كانت تقيم. بل إن بعض الدارسين يرون أنه لولا إبداعها في الغناء لما نظمت الشعر. يقول بعض الرواة: إن صفة علية كملحنة غلبت ما عداها من صفاتها.. وقيل إن ألحانها بلغت ثلاثة وسبعين لحناً لقيت الإعجاب من الجميع ففضلت بعض ألحانها على ألحان أخيها إبراهيم بن المهدي الذي كان مجدداً في الموسيقى العربية، ولكن شعر علية بنت المهدي يعتبر أيضاً تجديداً، فنحن عندما نقرأ شعرها لا نجد فيه الألفاظ الصعبة الغريبة، بل إن معظم ذلك الشعر كان في الغزل والحب، وهو ما لم يعتد عليه المجتمع العربي في ذلك الزمن رغم أن الدولة العباسية على أيام هارون الرشيد كانت متفتحة غير متزمتة تسمح للمرأة بالغناء والشعر الغربي. فهي في النهاية إنسان من حقه أن يعشق وأن يعبِّر عن مشاعره في الحب كالرجل تماماً.. وعلى الرغم من هذا الجو المتسامح إلا أنها أخت أمير المؤمنين ومتزوجة من أمير أيضاً. بطبيعة الحال حافظ شعرها الغزلي على نهج ما يمكن أن نطلق عليه اسم الحب العذري.. لنصغ إليها، وهي تقول: أـما واللــه لــو جوزيـــتُ إحســـانا لمـا صـدّ الـــذي أهــوى ولا خانــا رأيت الناس من عليهـم نفسـه هانـا فزد غباً تزد حباً وإن حُملـتَ أشـجانا أحبت علية طلاً وتجرأت على زيارته وعرضت نفسها لخطر الوشاة وغضب أخيها وعائلتها.. ولكن الحب كان أقوى من مقاومتها.. وعندما علم أخوها بما فعلت، ضيّق عليها وحرمها حتى من رؤية من تحب.. ولم يكن هارون الرشيد متعصباً أو قاسياً، ولكنه بحكم مكانته كخليفة للمسلمين وكأمير للمؤمنين وتمشياً مع عادات وتقاليد المجتمع العربي المسلم فلم يكن بالإمكان أن يسمح لأخته بإعلان الحب كما يفعل أي رجل في ذلك المجتمع. وهذا الحرمان هو الذي فجر شاعرية علية، والتي ولدت وفي فمها معلقة من ذهب. لم نجد لهذه الشاعرة قصيدة طويلة واحدة تصلح لرواية حكايتها، ولكن شعرها كله كان عبارة عن حكايات، سنتناول بعضها كمسك الختام لهذه الشاعرة. سُئلتَ علية بنت المهدي عن تعريفها للحب، فأجابت: ما أقصر اسم الحب يا ويح ذا الحبِّ وأطول بلواه على العاشـق الصـبِّ يمر بـــه لفـــظ اللســـان مســـهلاً ويرمي بمن قاساه في حائر صعبِ كذلك أحبت علية شاباً آخر غير طل، وكان يعمل أيضاً في قصر أخيها هارون الرشيد.. وحتى تكتم هوية حبيبها فقد سمته زينب في شعرها وتغزلت بهذا الاسم.. جاء في كتاب الأغاني: أخبرني محمد بن يحيى قال: حدثني ميمون بن هارون عن محمد بن علي بن عثمان الشطرنجي أن علية تقول الشعر في خادم لها يقال له: رشأ وتكنى عنه بزينب: وَجَـــــدَ الفــــــــؤادُ بزينبــــــــــا وجـــــداً شــــــــــديداً متعبـــــــا أصبحــــت مــــن كلفــــي بهــــا أدعــــــى ســــــــقيماً منصبـــــا ولقــــد كنيـــت عــــن اســـــمها عمـــــــداً لكـــــي لا تغضبــــــــا وجَعلــــــــتُ زينــــبَ ســــــــترةً وكتمــــــت أمــــــــراً مُعجبـــــــا قالـــت وقـــــد عـــز الوصــــــال ولـــــم أجـــــد لــــي مذهبـــــــا واللـــــــه نلــــــــتُ مودّتـــــــي أو أن تنـــــــــــالَ الكوكبـــــــــــا المراجع والمصَادر: -1 الأغاني لأبو الفرج الأصفهاني. -2 أشعار أولاد الخلفاء/ أبو بكر الصولي. -3 لسان العرب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©