الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حدود النظرية وفضاء التطبيق

حدود النظرية وفضاء التطبيق
10 ابريل 2013 20:36
أخذ الاهتمام النقدي بدراسة السيرة الذاتية وتعالقاتها مع السرد الروائي يزاد بصورة ملحوظة في السنوات الأخيرة، كما أخذت كتابة السيرة الذاتية تلقى رواجا في الأدب العربي المعاصر، حتى أصبحت تمثل جنسا أدبيا يفرض حضوره. وتعد الرواية في الإمارات التي تمثل امتدادا للتجارب الروائية العربية الأخرى واحدة من التجارب التي احتلت فيها السيرة الذاتية حيزا واضحا، الأمر الذي يجعل تعالقها مع السيرة الذاتية يتطلب البحث والدرس لاكتشاف حدود هذا التعالق ودلالاته وتجلياته. وتشكل مساهمة الناقد عبد الفتاح صبري واحدة من تلك الإسهامات التي تسلط الضوء على هذه التجربة، وتستكشف مضامينها وجمالياتها في كتابه «التعالق مع السيرة الذاتية/ مقاربة في الرواية الإماراتية» الصادر بالتعاون بين وزارة الثقافة واتحاد كتاب الإمارات. يتألف الكتاب من ثلاثة فصول يتوزع كل فصل منها على مجموعة من المحاور تتضمن أولا التعريف بمصطلح السيرة الذاتية، والتعريف بسرد الذات، والعلاقة بين القصة والرواية، وفي المقدمة منها الرواية النسائية، ورواية الرجل، إضافة إلى دراسة القضايا التي عالجتها القصة والرواية في دولة الإمارات. الفن بعد مقدمة يقارب فيها مفهوم السيرة الذاتية وأنواعها الثلاث، يرى المؤلف أن بعض التجارب الروائية في الإمارات تتأرجح بين هذه الأنواع الثلاثة، بينما يرد غياب كتابة السيرة الذاتية من قبل أدباء الإمارات إلى الواقع الاجتماعي. وينسحب الأمر على الأعمال الروائية التي يجد أنها تواجه معيقات فنية أو مجتمعية عديدة تمنع تعالقاتها مع السيرة الذاتية، ما جعل الرواية الاجتماعية تتسيد مشهد الكتابة الروائية في الإمارات. يختص الفصل الأول بالبحث في موضوع سرد الذات وعلاقته بفن السيرة الذاتية، حيث يفتتح البحث بالإشارة إلى ما باتت تحوز عليه السيرة الذاتية من استقلالية باعتبارها جنسا أدبيا يتداخل مع أجناس أدبية أخرى كالرواية والقصة والشعر. يتوقف الباحث في البداية عند تجربة وحيدة وفريدة لعضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي صدرت بعنوان «سرد الذات»، لكنه قبل تناول هذه السيرة يعود للبحث في فن السيرة عربيا باعتباره نمطا كان سائدا في التراث العربي عرف منذ القرن السادس الهجري، ثم يتناول السيرة الذاتية من حيث المفهوم والمصطلح، ليصل إلى متن البحث الأساس الذي يتناول فيه نموذجين من نماذج السيرة التراث، الأول للشيخ الدكتور سلطان القاسمي والثاني للشاعرة ميسون صقر القاسمي في روايتها «ريحانة». يسجل الباحث مجموعة من الملاحظات تخص العمل أهمها هو أنه المرة الأولى التي يكتب فيها حاكم سيرته الذاتية وهو في سدة الحكم، وثانيها التلقائية في سرد الوقائع والأحداث والامتناع عن سرد بعضها الآخر بسبب حساسيتها ومنعكساتها. أما رواية «ريحانة» التي تعد سيرة ذاتية للشاعرة، تحاول فيها قراءة الماضي عندما كانت أسرتها هي التي تحكم الشارقة. في هذه الرواية تعمل الكاتبة على إبراز صورة كل من المرأة والرجل، إضافة إلى طرح قضية العبودية والعبيد، لكنها تركز على موضوع المرأة التي تتجلى في الرواية كمثقفة وأمية وعبدة دون أن تغفل عن إبراز التحولات والتبدلات الاجتماعية التي كانت تطرأ على الواقع هناك. التعالق على الرغم مما يحمله العنوان من دلالات عامة، إلا أنه يركز على دراسة أنماط التعالق مع السيرة الذاتية في الرواية النسائية كما يسميها بغية الوصول إلى الكشف عن بعض خصائص هذه الرواية فنيا ومضمونا، من خلال دراسة شخصية المرأة في عدد من الأعمال الروائية التي كتبتها المرأة، إلى جانب دراسة شخصية الرجل وتحولاتها في تلك الأعمال، إلا أنه يعود لدراسة موضوع التجنيس الأدبي في هذه الأعمال. الموضوع الأول في هذه الدراسة هو العلاقة بين القصة والرواية، بينما يخصص القسم التالي من الدراسة للبحث في محور البحث الأساس في هذا الفصل والمتمثل في التعالق بين الرواية والسرد الذاتي كما تجلى في رواية «طروس إلى مولاي السلطان» لسارة الجروان التي تقيم تعالقاتها مع الكتابة التراثية، ورواية «حلم كزرقة البحر» لأمنيات السلام التي اختلف الكتاب حول مسماها كرواية أو سيرة ذاتية، خاصة وأنها تتناول حياة امرأة وعلاقتها بالواقع بعد مرحلة التحولات وما تحمله من دلالات تتعلق بالعلاقة الجمعية مع الماضي الجميل، ومع الواقع الحاضر المتبدل. ومن الروايات الأخرى التي تخضع للبحث والدرس رواية «تثاؤب الأمل» لرحاب الكيلاني والتي يقوم بناءها على اليوميات، التي تتولى فيها الشخصية الساردة الكشف عن غموض غياب الأم من خلال البحث في صندوق أوراقها. كذلك رواية «حدثتنا ميرة» لميس المرزوقي والتي تقوم هي الأخرى على التعالق بين السرد الروائي والسرد السير ذاتي. وأخيرا يتناول رواية «زاوية حادة» لفاطمة المزروعي والتي تعرض لسيرة أنثى في مجتمع محافظ من خلال شخصية الساردة التي تتولى مهمة سرد حكايتها منذ طفولتها وحتى ما بعد تخرجها من الجامعة ودخولها ميدان العمل. المكان يفرد الباحث لدراسة العلاقة بين سيرة المكان وسيرة الأنثى حيزا خاصا يكشف فيه عن طبيعة تلك العلاقة من خلال دراسة عدد من الأعمال الروائية النسائية وفي مقدمتها رواية «طوي بخيتة» لمريم الغفلي التي ترصد فيها حياة المجتمع البدوي وقيمه التي تواجه فيه الأنثى عنفيا ماديا ومعنويا، ليخلص من تلك الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها أن مفهوم الرجولة يشكل العنصر الحاسم في صياغة النظام الأبوي كبنية اجتماعية وثقافية، إضافة إلى ما تتبدى فيه المرأة من صورة وما تحمله في ذلك من مدلولات اجتماعية وطبقية بوصفها ضحية لشرطها الاجتماعي. كما يدرس عناصر التشابه بين شخصية الراوي الذي هو بطل الرواية في تلك الأعمال وبين شخصية الكاتب. ويفرد الفصل الثالث من الكتاب لدراسة أهم القضايا التي عالجتها كتابات أهل القمة من الحكام ورجال السياسة إلى جانب دراسة القضايا التي عالجتها الرواية الإماراتية بصورة عامة والرواية التي كتبتها المرأة الكاتبة بصورة خاصة. وإذا كانت موضوعات أهل القمة قد ركزت على صراعات أهل الحكم فإن القضايا الأخرى كانت وثيقة الصلة بالصراع مع المستعمر الانجليزي إلى جانب الاهتمام بالقضايا الوطنية والقومية والمد القومي في الشارقة. أما القضايا التي عالجتها الرواية في الإمارات فيجملها في موضوعات عدة منها صورة المرأة المأزومة كما تبدت في رواية «رائحة الزنجبيل» لصالحة غابش، ومشاكل الخلافات الأسرية وانعكاساتها النفسية في رواية «أوجه المرايا» وصورة المرأة المهمشة في رواية «طروس إلى مولاي السلطالن» ورواية «طوي بخيتة». بالمقابل يسجل الباحث ملاحظة تخص المسكوت عنه والذي لم تغامر رواية المرأة بالاقتراب منه واستحضاره في أعمالها الروائية حتى الآن، الأمر الذي يجعل هذه الرواية تتوقف في معالجتها السردية عند القضايا التقليدية للمرأة دون أن تحاول التوغل بعيدا في هموم المرأة والتحديات التي تواجهها على المستوى الوجودي الذاتي والإنساني، لا سيما ما يتعلق منه بقضايا الجسد وعلاقتها به ونظرة الرجل إلى بيولوجيا المرأة .
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©