الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فلسطين ومشاهدها المؤلمة

فلسطين ومشاهدها المؤلمة
10 ابريل 2013 20:40
تُنظم تسالونيكي، ثاني أكبر المدن اليونانية، مهرجانيين سينمائيين سنوياً. أحدهما للروائي والثاني مختص بالوثائقي، والفرق بين زمن تأسيسهما مختلف. فالمهرجان «الكبير» تأسس قبل ثلاثة وخمسين عاماً في حين جاء بعده متأخراً المهرجان الوثائقي الذي احتفل هذه السنة بذكرى مرور خمسة عشر عاماً على بدايته. الاثنان امتازا بالجودة ودقة التنظيم لكن تميزهما الأبرز كان في سوقيهما. فسوق تسالونيكي واحد من أهم الأسواق السينمائية تتفاعل داخله وبحيوية حركة تبادل وعرض المنتوج السينمائي العالمي، كما يخصص جزءاً من ميزانيته لدعم المشاريع الجديدة، وللعرب منها نصيب جيد، متباين بطبيعة الحال إلا ما تعلق بالعروض فهو سخي معهم وخير مثال يقدمه وثائقي هذا العام، خاصة، وأن ما كان معروضاً من أفلام عربية ضمن البرامج الرئيسية قليل مقارنة بما عرض فيه، هذا الى جانب وجود مجموعة كبيرة تناولت قضايا منطقتنا من إنتاج أجنبي كفيلم الإيطالي بيتر لوم «عودة الى التحرير» و»بنغاري: خلف خط النار» والبلجيكي «معركة حلب» لبيري بيسينين وأغلبيتها توزعت عروضها داخل السوق وخارجه أما أكثر الثيمات تناولاً فهي: فلسطين و»الربيع العربي». فن/ عنف بتماس أقل بالسياسة وأشد بالفن تحيي المخرجة بتول طالب ذكرى استشهاد المسرحي والفنان الإيطالي جوليانو مير ـ خميس عبر تسجيل تجربة مجموعة من الفنانين الفلسطينيين الذي عملوا معه في «مسرح الحرية» في مخيم جنين ومحاولتهم إعادة انتاج ما سبق لهم أن قدموه معه على المسارح المحلية، مستغلين وجودهم أمام كاميرا سينمائية قادرة على تجديد رؤيتهم لدور الفن كوسيلة لنبذ العنف وإيجاد لغة تغيير مختلفة التأثير تنشد مخاطبة العقل قبل العواطف وتدعو الى إعادة النظر في القيمة الحقيقة للشعب الفلسطيني غير قيمة التحدي ومواصلة النضال المباشر إلى شكل آخر يجمع بين الغايات الوطنية وتغيير النظرة الاجتماعية لمجموعة قيم كالموقف من المرأة والفنان وبشكل عام الموقف من كل نشاط ابداعي غير السياسي. متعة الفرجة المسرحية منقولة بالكاميرا السينمائية أهم ميزات الفيلم الوثائقي «فن/ عنف» وقوة حضور الشخصيات المسرحية وبخاصة من الذين عايشوا الفنان الإيطالي وتخرجوا من مدرسته المسرحية. حضور المرأة كموضوع إشكالي جاء في الشريط على مستويين: الأول مجسد بالحكايات المسرحية المقدمة للأطفال وثانياً في علاقة الممثلات بالوسط الاجتماعي المنتميات اليه واقعاً. توزع مادته بين الحقيقة مجسدة بالممثلات المسرحيات وما يعبرن عنه من مواقف سياسية واجتماعية وبين الخيال الأكثر رحابة في مخاطبة الوعي، كما جسدته الكثير من الأعمال المسرحية التي اشتغل عليها الإيطالي جوليانو بأسلوب فني عالي المستوى، مسؤول أخلاقياً أمام حقيقة أن العالم يراقب مستواه قبل أفكاره وبهذا المعنى مثل تجديداً في شكل المخاطبة المسرحية ونقلها من المباشرية الى الإشكالية الجدلية المحفزة للحوار وطرح الأسئلة لهذا يمكن وصف «فن/ عنف» بأنه فيلم ينشد قراءة تاريخ شخصي كجزء من تاريخ عام وبتجنبها البحث عن أسباب مقتل المخرج الإيطالي في أبريل 2011 والذهاب لعرض منجزه وما تركه من أثر في أجيال من الفنانين المسرحيين وعلى جمهوره جنبت بتول طالب نفسها الدخول في موضوعات ربما هي غير التي تنشدها في فيلمها وتركت للآخرين مسؤولية التدقيق في تفاصيل استشهاده بوصفه، كما عرض أمامنا، واحداً من الفنانين المهمين المساهمين في حركة التغيير الاجتماعي. بلاد الغد التفاعل المباشر بين صناع الفيلم والأحداث التي وثقوها خففت من الكليشهات التي تضمنها منجز الإيطاليين أندريا باكو مارياني ونيكولا زامبي «بلاد الغد ـ كيف قررنا هدم الجدار الخفي» ومن إعادته تكرار الصورة النمطية المنقولة عن حال القرى الفلسطينية المقامة حولها مستوطنات إسرائيلية وما يتعرض له سكانها من اعتداءات ومحاولات مستمرة يتعاون فيها المستوطن مع الجيش لإجبارهم على الرحيل منها. تدخلهما المباشر وطيلة أوقات تصويرهم المجابهات اليومية بين سكان قرية تواني في الخليل أعاد السؤال النظري حول الحدود التي ينبغي على صانع الوثائقي الالتزام بها ومقدار الدرجة التي يمكنه فيها من تجاوز حياديته؟ يظهر جلياً ان الايطاليين قد قررا مسبقاً شكل وثائقيهما وأرادوه أن يأتي كشهادة حية وليكونا أيضاً طرفاً فعالاً لتخفيف المعاناة والجور المسلط على رقاب سكان القرية باستغلال كاميراتهما وما تسجل كورقة ضغط على الجنود والسلطات الاسرائيلية. ولعل المواجهة الأولى بينهم وبين مفرزة اعتقلت صبياً من القرية خرج لجمع «الكعوب» في موسمه، بيَّنت دون لبس الدور الذي اتخذاه لنفسيهما والأسلوب التوثيقي الذي جمعا فيه بين الريبورتاج التلفزيوني وبين السينمائي، عبر إضافة التعليق الشخصي على كل ما يسجلانه وبهذه الطريقة أضافا موقفهما الشخصي وآرائهما فيه كما يتجلى في عنوانه «بلاد الغد- كيف قررنا هدم الجدار الخفي» والشرح في الجملة الاعتراضية يشي بحماستهما في الاعتراف بكونهما طرفاً مساهماً في كشف الجدار الخفي والسعي لهدمه أما إذا اردنا التعميم وتجنب الخصوصي في الأمر فإن فعل الهدم في العنوان يقبل إحالته لأفراد قرية «تواني» الفقيرة نفسها وجل سكانها من رعاة الماشية، فبصمودهم وتعريتهم لأكاذيب الجيش الاسرائيلي، الذي يحاول التستر على جرائم المستوطنين والانحياز لجانبهم في كل مواجهة، انما يسهمون في هدم الجدار الخفي. تقاسم فريق العمل السينمائي حياة قرية «تواني» أضاف حميمية للفيلم وأعطاه ديناميكية كسرت طول المقابلات مع مسؤوليها ونشطائها من جانب ومن جانب آخر وفرت له مصداقية عالية تبعد عنه شبه الانحياز غير الموضوعي وذلك عبر جعل كاميرتهم شاهداً على نقل الحقيقة ومراقباً. تدخلات كاميرتهما في كل نزاع ناشب جرتهم الى مواجهات مع الجيش الاسرائيلي ولكنها في نفس الوقت خدمتهم حين اجبرت قادتهم، ولو مؤقتاً، على التخلي عن انحيازهم الواضح لصالح المستوطنين بعد عرضها تسجيلات لمستوطنين اعتدوا على طلاب صغار مسالمين كان في طريقهم الى المدرسة الوحيدة والبعيدة عن قريتهم. واحدة من تجليات الوعي المكتسب لجزء كبير من الشعب الفلسطيني وخاصة في مناطق ال48 والضفة تبنيه الكفاح السلمي خياراً مسبقاً لغيره من أشكال النضال وتجربة الفيلم الايطالي تؤكد صحة هذا المسار على الأقل في مستوى تحقيق المطالب اليومية أو حتى تأكيد الذات، كما في فيلم «أحلام فؤاد» لمارتين دوكورث الذي رافق رحلة عودة المهاجر الفلسطيني فؤاد صهيون الى وطنه بعد أن أجبر على تركه طفلاً أثناء زمن التقسيم والهجرة الى الخارج مع أهله، ورغبته رغم كل هذه السنوات تاطوال بالعودة والعيش ثانية في ذات البيت الذي نشأ فيه في حارة مار موسى الفلسطينية. يدخل فؤاد عالمه القديم بحنين جارف وبوعي اكتسبه من تجربة المنفى ولهذا أراد أن يؤسس لمجيئه بمشاريع شخصية ذات فائدة عامة، ومن خلال بحثه في ماضيه سيسرد لنا فيلمه المتغيرات الكبيرة التي حدثت أثناء غيابه في مدينته وأهمها على الاطلاق عثوره على جذوره وما زالت طرية هناك تكفي لمنح ماءها لنسغ شجرة حياته ولتجدد رغبته في البقاء على أرض تركها ولكنها تماماً مثل الجذور، محبة، استقبلته بالترحاب!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©