الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وهْم الصدع العرقي بالسودان

23 أغسطس 2008 23:14
اسأل عباس آدم إبراهيم عما إذا كان عربياً أم إفريقياً؟ وعندها سوف يتعثر في الإجابة ويقول لك في نهاية الأمر بعد صمت وتردد إنه يمثل كلا الانتماءين العربي والإفريقي، مع أنه ينتمي إلى قبيلة ''الفور'' في الأساس، التي تصنف على أنها قبيلة إفريقية ويقال إن حكومة الخرطوم التي تسيطر عليها العرقية العربية تضطهدها· يذكر أن كبير قضاة محكمة الجزاء الدولية كان قد أطلق تهماً ضد الرئيس السوداني عمر البشير في موضوعات زعم أنها ذات صلة بمخططات رمت إلى استهداف أعداد كبيرة من مجموعات الفور والمساليت والزغاوة بسبب انتمائهم العرقي· ولكن تظل هذه الفروق المزعومة بين عرب وأفارقة السودان الذين يتعايشون سلمياً فيما بينهم غير واضحة المعالم بهذا القدر الذي يروج له الغرب· فعلى سبيل المثال يعتقد آدم أن في شرايينه بعض دماء عربية· وخلال سنوات الجفاف التي ضربت إقليم دارفور في بداية عقد الثمانينيات، كان آدم قد نزح من دارفور متجهاً صوب شمال السودان الذي تغلب عليه العرقية العربية، بحثاً عن حياة أفضل في دنقلا، التي تبعد عن الخرطوم مسافة تزيد على 300 ميل شمالاً، واستقر به المقام وسط القبائل العربية منذ ذلك الوقت وحتى الآن· ولم يعش آدم هناك فحسب، بل تمكن من الزواج من إحدى الفتيات العربيات، وله منها أربعة أطفال تختلط دماؤهم بين العروبة والإفريقية· وفي منطقة مجاورة قريبة، هناك نادٍ اجتماعي صغير متواضع لأبناء دارفور، يعلو منه الصخب ويضج بالحيوية والنشاط· وفيه يتجمع الشباب ويجلسون حول طاولات حيث يلعبون ''الدامة'' بحماس، بينما ينهمك بعضهم في مشاهدة التلفزيون· ومعظم هؤلاء من الذين نزحوا من إقليم دارفور قبل عدة سنوات· وبينهم كذلك عدد من المنتمين إلى قبائل عديدة قيل إنها تقتل بعضها بعضاً الآن في دارفور وولاية كردفان المجاورة لها· وعلى حد قول محمد الشيخ وهو من عرب كردفان ''فإنه لا شيء اسمه عرب وأفارقة في بلادنا··· لأننا سودانيون جميعاً''· وفي عشرات الأسواق والأندية والمنازل في الشمال العربي، يعمل العرب والأفارقة جنباً إلى جنب، ويرسلون أطفالهم إلى المدارس نفسها ويتزاوجون فيما بينهم· وليس من معنى كبير يذكر بينهم لهذا التمييز الحاد بين العرب والأفارقة الذي تروج له وسائل الإعلام الغربية في تغطايتها الصحفية عن إقليم دارفور· بل الواقع أن المؤرخين يقولون إنه لا أساس واقعياً لهذا التمييز· وعلى العكس تماماً فإن هناك تقاليد طويلة من التزاوج بين القبائل العربية والإفريقية التي استقرت فيما أصبح يعرف بالسودان حالياً· فعلى حد قول بشرى محمد صالح، أستاذ التاريخ ومعتمد محلية دنقلا الكبرى، فإنه ليس بمقدور أي قبيلة سودانية أن تزعم لنفسها عروبة أو إفريقية خالصة، لأن جميع قبائل السودان خليط من العروبة والإفريقية· ومن رأي اللواء حسن حمدين -الذي سبق له أن تولى منصب حاكم غرب دارفور في أواخر عقد التسعينيات- أن الحكومة ارتكبت خطأ فادحاً للغاية في استجابتها للتمرد الذي شهده الإقليم، بدعوتها لقوات الدفاع الشعبي المحلية لمحاربة متمردي دارفور· ومن سوء الحظ أن غالبية المستجيبين لذلك النداء الحكومي كانوا من العرب، وأن الكثيرين منهم قد انضموا إلى مليشيات الجنجويد سيئة الذكر، التي تتهم بإزالة مئات القرى الإفريقية في الإقليم، إلى جانب ارتكاب أعمال النهب والسلب والاغتصاب والقتل واسعة النطاق· ومن رأي اللواء حمدين أن الحكومة وظفت ذلك النزاع على نحو غير مدروس· وبالنتيجة فقد تطور ما بدا أول الأمر نزاعاً عادياً روتينياً بين القبائل الرعوية العربية والمجموعات الزراعية غير العربية، إلى ما وصف بأنه أكبر كارثة إنسانية دولية· ومع ذلك يقول حسن إنه لا يأخذ جميع العرب بجريرة ما حدث· ومن رأي هذا الزعيم المحلي أن للنزاع بين العرب وغيرهم في دارفور أسباباً متعددة منها المراعي والكلأ وغيرها من الموارد الطبيعية الأخرى، وإنه لا يعود إلى الانتماء القبلي بحد ذاته· يذكر أن حسن أدلى بهذا القول أثناء جلوسه تحت شجرة في المدرسة الإسلامية التي يديرها في مدينة دنقلا، حيث يجلس ويتعلم معاً أبناء العرب والأفارقة· هبة علي - دنقلا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©