الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عدل» مطلق في الأحكام والتشريعات

«عدل» مطلق في الأحكام والتشريعات
14 ابريل 2011 20:20
«العدل» اسم من الأسماء الحسنى لله سبحانه وتعالى، وهو أيضا من أسماء القرآن الكريم كما ورد في كتاب الله تعالى واتفق كثير من العلماء على ذلك مستندين لقوله عز وجل: «وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم» سورة الأنعام الآية - 115. وتشير التفاسير حول معانيها الى أن حكم الله قد صدر، فتمت كلمات ربك الصادقة العادلة بإنزال الكتاب العظيم مشتملا على الصدق، وفيه الميزان الصادق بين الحق والباطل، ولا يوجد من يغير كلمات الله وكتابه، وهو سبحانه سميع لكل ما يقال، عليم بكل ما يقع. هذا حكم الله بالحق، تبينه الآيات الساطعة أملا يسوغ أن يطلب حكم غيره يفصل بين الناس، وقد حكم سبحانه بالعدل فأنزل الكتاب الكريم حجة للرسول على البشر، وقد عجز الأولون والآخرون والخلق الى يوم الدين عن أن يأتوا بمثله، وهو مبين للحق وللعدل، وإذا كان الله سبحانه وتعالى هو الحكم العدل الذي يرجع الى كتابه في طلب الحق ومعرفته، فلا تتبعوا أحدا يخالف القول الحق، لأنكم تعتمدون على شرع منزل من عليم خبير، وقد جاءكم من خالقكم ومالك أمركم حجج وبينات في القرآن، تنير طريق الحق والعدل. والقرآن الكريم «عدل» لأنه يحكم بالحق، ولا يميل بالهوى، وهو طيب في النفوس يقوم على الاستقامة، وقد قال صاحب البرهان وصاحب «بصائر ذوي التمييز» وآخرون الى أن «العدل» اسم من أسماء القرآن. عدل مطلق يؤكد الشيخ العلامة محمد رشيد رضا في كتابه «الوحي المحمدي» ان القرآن الكريم يوجب العدل المطلق والمساواة، ولما كان العدل أساس الأحكام وميزان التشريع وقسطاسه المستقيم، فقد اكد الله تعالى الأمر به والمساواة فيه بين الناس في السور المكية والمدنية، قال سبحانه: «إن الله يأمر بالعدل والإحسان» سورة النحل - الآية 90- وقال عز وجل: «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» سورة النساء -الآية 57- وقوله: «يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين» سورة النساء - الآية 135. فقد أمر الله تعالى المؤمنين بالمبالغة في القيام بالقسط وهو العدل، وأن تكون شهادتهم في المحاكمات وغيرها لله عز وجل، لا لهوى ولا مصلحة أحد، ولو كانت على أنفسهم أو والديهم والأقربين منهم، وأن لا يحابوا فيها غنيا لغناه تقربا اليه أو تكريما له، ولا فقيرا لفقره رحمة به وشفقة عليه، ونهاهم عن اتباع الهوى في الحكم أو الشهادة، وأنذرهم عقابه إذا مالوا من الحق أو أعرضوا عنه. قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون» -سورة المائدة - الآية 8- فهذه الآية الكريمة متممة لما قبلها، فهناك يأمر بالمساواة في العدل والشهادة بين النفس وغيرها وبين القريب والبعيد وبين الغني والفقير، وهنا يأمر بالمساواة بين الإنسان وأعدائه مهما يكن سبب عداوتهم ولا فرق فيها بين ديني ودينوي، فالشنآن البغض والعداوة، وتعني الآية انه لا يحملنكم بغضهم وعداوتهم لكم أو بغضكم وعداوتكم لهم على ترك العدل فيهم، فالعدل أقرب الى تقوى الله تعالى. والعدل هو الميزان في قوله تعالى: «الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان» -سورة الشورى الآية 17.. وقوله تعالى: «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس» -سورة الحديد الآية 25- وتعني الآيتان أن خير الناس يصدهم عن الظلم والعدوان هداية القرآن، ويليهم من يصدهم العدل الذي يقيمه السلطان، وشرهم لا علاج له إلا حديد السيف أي العقاب. فقوام صلاح العالم، بالإيمان بالكتاب الذي يحرم الظلم وسائر المفاسد، فيجتنبها المؤمن خوفا من عذاب الله في الدنيا والآخرة ورجاء في ثوابه فيهما، وبالعدل في الأحكام الذي يردع الناس عن الظلم بعقاب السلطان. مراعاة الفضائل يضيف الشيخ رشيد رضا أن الأمر لا يقف عند هذا الحد من مقصد القرآن في إقامة العدل، بل أيضا ما ورد في تحريم الظلم، والوعيد الشديد له، وقد ذكر الظلم في مئات من آيات القرآن تنذر مرتكبه بأسوأ العواقب في الدنيا والآخرة، وتؤكد أن الناس هم الذين يظلمون انفسهم «ولا يظلم ربك أحدا»، وأن عاقبة الظلم في الدنيا أنه مهلك للأمم ومخرب للعمران فيقول تعالى: «وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون» -سورة هود الآية 117- إنما تهلك الأمم بالشرك وظلم انفسها، «وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكم موعدا» -سورة الكهف - الآية 59، والشواهد كثيرة من الآيات. ومن يستقرئ الأحكام الشرعية في كتاب الله تعالي يرى أن الغرض منها كلها قاعدة مراعاة الفضائل من الحق والعدل والصدق والأمانة والوفاء بالعهود، والعقود والرحمة والمحبة والمواساة والبر والإحسان، واجتناب الرذائل من الظلم والغدر ونقض العهود والكذب والخيانة والقسوة والغش والخداع، وأكل أموال الناس بالباطل كالربا والرشوة والسحت. وهناك عقوبات منها الحدود وهي عقاب على جرم مبين بالنص كالقتل لحفظ الأنفس، والزنا لحفظ العرض والنسل والسرقة لحفظ المال، والفساد في الأرض بقطع الطرق لحفظ الأمن، والشكر لحفظ العقل، والحكمة في هذه الحدود المعينة إرهاب الأشقياء والفساق، وإقامة الحدود من حق الإمام الأعظم -أي الخليفة- دون غيره من الحكام. وهناك التعزير، وهو مفوض الى اجتهاد الحكام مع وجوب العدل وحفظ المصالح العامة والخاصة وهو الأعم الأشمل، والعبرة في كل هذه القواعد التي يفضل بها الاسلام على جميع شرائع الأنبياء وقوانين الحكماء والعلماء، أنها قد جاءت على لسان نبي أمي نشأ بين أميين ليس عندهم شرع منزل، ولا قانون مدون، فجاء مطابقا لاستعدادات البشر، وحياً من الله «إن هو إلا وحي يوحى» -سورة النجم - الآية 4. شواهد القرآن أهم القواعد التي يدعو القرآن لمراعاتها، تحري الحق والعدل المطلق العام، والمساواة في الحقوق والشهادات والأحكام، وحفظ المصالح ودرء المفاسد، ودرء الحدود بالشبهات وكون الضرورات تبيح المحظورات، وتقدير الضرورة بقدرها، واكتساب الفضائل واجتناب الرذائل، وحسبنا في ذلك كله شواهد القرآن العظيم العدل من عند إله هو العدل.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©