الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قانون الأخلاق المهنية في الإسلام

قانون الأخلاق المهنية في الإسلام
14 ابريل 2011 20:20
يرى كثير من علماء الأخلاق أن المعايير الأخلاقية من «عرف، وضمير، ومنفعة، وعقل...إلخ «غير صالحة- على إطلاقها- للتقنين في مجال الأخلاق المهنية، أو أن تكون مقياساً لها. وعللوا لذلك بما يرتبط بتلك المعايير من نسبية لا حسم فيها لمعايير الخير والشر. وهنا يتجلى قانون الأخلاق فى الإسلام وما نستخلصه من تشريعاته إذ نرى جدارتها بأن تكون منبعاً للأخلاق المهنية وغيرها وفى الوقت ذاته يمكن أن تكون معياراً تقاس به تلك الأخلاقيات. فقد تعارف الناس- في ضوء معايير شهد الواقع بصدقها- أن أي صنعة لشيء مما تناولته أيديهم إذا حدث عطب أو خلل بها فإنهم يردونها إلى من هو أعلم بحالها، والأعلم بحالها هنا هو صانعها ومنشؤها، ومن ثم فإنه سبحانه هو الأقدر وليس غيره، على وضع وتشريع ما يضمن له حسن عمله وعمارته لهذه الحياة، وحسن استخلافه فيها، فمن قوَم له خلقه هو الأقدر على أن يقًوم له خُلقه ومن ثم كان قول الله تعالى» أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» الملك (14)من أجل هذا، كان تبيان وتفصيل النظام الأخلاقى الحق، بلا إيهام أو خلط فى كتاب الله سبحانه وتعالى: «مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» يوسف (111). ولكى نكون على بينة من هذا فإننا نتناول قانون الأخلاق الإسلامى من خلال عدة جهات: أولاً: جهة الواضع (المصدر): أما الواضع فهو الله تعالى الذى خلق الإنسان وخلق الكون والحياة، وإذا كان الأمر كذلك فهو الأعلم بما يصلح حال الإنسان والكون، ومن ثم فإن الله تعالى هو الأجدر بوضع القانون الذي به يتعامل الإنسان مع بني جنسه ونوعه، وبه أيضاً يتعامل ويتفاعل مع كافة مناشط الحياة. في حين أن المعايير الأخلاقية السابقة عاجزة عن أن تقود مسيرة الإنسان في الجانب الأخلاقي وذلك لأن «الأخلاق الإنسانية في وضعها السليم ينبغي أن تكون معصومة المصدر، ولا يكون مصدرها إلا إلهياً. وإلا سقطنا إلى الإذعان لكم هائل من المتناقضات في الأخلاق والسلوك الاجتماعي». ثانياً: جهة الموضوع: ما تناولته القوانين الإلهية من حيث موضوعها، تمثلت في مجموعة الأوامر والنواهي التي شرعها الله سبحانه وتعالى لخلقه، والتي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وذلك لأنها نزلت من لدن حكيم خبير عليم. وهذه القوانين التي توجت بالشريعة الإسلامية ثابته لا تغيير فيها ولا تبديل، عامة خالدة، صالحة لكل زمان ومكان ولجميع الناس على السواء، فهي لذلك صالحة لأن تكون مقياساً أخلاقياً إذا فهمنا حكمها وأسرارها، فهماً مستقيماً. من هذا المنطلق تفرعت الأخلاق في الجانب المهني وغيره من الجوانب الحياتية عن القوانين الإلهية، فصدرت منها. ولو فهمت القوانين الإلهية- لاسيما في الدين الإسلامي- حق فهمها لتكَون منها مذهب خلقي لا يقف بأثره عند حدود المجتمع الإسلامي فحسب، بل سيمتد ليشمل المجتمع الإنساني والكون كله. ولا غرابة في ذلك فالقانون الإلهي كمرجعية أخلاقية يطالب الناس كل الناس، ويلتمس منهم إقامة نظام للحياة ينهض بنيانه على المعروف، ولا يشوبه شيء من المنكر، يدعوهم إلى أن يقيموا الخيرات في كل زمان ومكان، وأن يشيعوا الفضل والمعروف في العالم بأسره، وذلك لأن القيم الإسلامية التي استلهمت مادتها من هدى السماء تحقق وظائف عدة: فتحاول هذه القيم رفع الفرد فوق مرتبته الراهنة، إلى المستوى اللائق به كإنسان نفخ فيه من روح الله واستخلف في الأرض من قبله سبحانه لعمارة الكون والحياة. وفيما يتعلق بالمجتمع فإنها تحقق أعظم رابط بين أفراده، وتقيم الصلات بين الأفراد والهيئات على أسس كريمة وغايات نبيلة. من هذا المنطلق يمكن القول إن قانون الأخلاق الإسلامي من حيث موضوعه لم يدع «صغيرة ولا كبيرة تتعلق بالنشاط الإنساني إلا وقد رسم لها منهجاً للسلوك تفصيلاً حيناً وإجمالاً حيناً آخر، فنظم علاقة الإنسان بربه تبارك وتعالى، ونظم علاقة الإنسان بنفسه، وعلاقته ببني جنسه، بل تخطى ذلك إلى علاقة الإنسان بالكون» ثالثاً: جهة أساس التشريع حيث يرتكز قانون الأخلاق الإسلامي في القيام على الحكم المعقولة، والمبررات المقبولة، التي تخاطب الإدراك السليم، والوجدان النبيل، بالأسباب المقنعة التي تبرر أمر السماء وتبين أنه ليس تحكماً مفروضاً بلا تعقل. بل شُرع لمصلحة اقتضت ذلك ومن أعلم بمصلحة العباد من خالقهم. لذا كان قول الله تعالى «إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» وقوله تعالى «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتذكيهم بها» فقانون الأخلاق فى الإسلام حين يطالب الإنسان بشيء أو ينهاه عنه، لا يرضى منه أن ينفذ ذلك تنفيذاً قسرياً آلياً خضوعاً لصولة حكمه فحسب، وإنما يطلب من الإنسان أولاً وقبل كل شيء أن تسري هذه الأوامر في كينونته حتى تنفذ إلى أعماق ذاته، فيتشربها، ثم تفيض منه انبعاثاً نفسياً وذاتياً. ومن ثم كانت أول خطوة يخطوها الإنسان نحو الواجب المهني وغيره هي الإيمان بذات الفعل وأخلاقيته، وكانت الخطوة الثانية، أن ينبع الفعل من ذات الإنسان ونفسه، وإلا كان عمله في نظر قانون الأخلاق الإسلامي هباء منثورا. رابعاً: الباعث على العمل والدافع عليه: نلج إلى هذه الجهة من خلال المسئولية الخلقية للإنسان بالنسبة لأعماله. حيث جعل قانون الأخلاق الإسلامي الإنسان مسئولاً عنها «إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عليهم مسئولاً» ومن هنا تظهر فائدة الأخلاق الدينية للكون كله لأن هذه الأخلاق تسأل الإنسان أمام محكمة ذاته، المؤسسة على تعاليم خالقها وباريها، وتسأله أيضاً في ساحة العدل الإلهي الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا حاسب عليها. من هذا المنطلق كان من بواعث العمل في الحياة الطمع في ثواب الله ، والخوف من عقابه، يقول سبحانه في حق الثواب «إن الذين امنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ابداً رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه». ويقول سبحانه وتعالى في مقام العقاب «قل هل انبئكم بالأخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا». وليس رد الباعث إلى الثواب والعقاب هو كل ما في قانون الأخلاق الإسلامي، بل هناك أيضاً الواجب لذات الواجب والحق لذات الحق، الذي من خلاله يكون الفعل لله تعالى وبالله وإلى الله. وهذا هو الباعث الأعلى والمقصد الأسمى في نظر قانون الأخلاق الإسلامى «وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى» الليل (17-21) ويقول المولى عز وجل «ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله « وفي حق الارتياح والرضى لآداء الواجب يقول تعالى «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ « الغاشية (8) ويقول النبى صلى الله عليه وسلم» من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن». وعندما يتحدث القرآن الكريم عن النعيم المقيم في الجنة يعقب ذلك بقوله « وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ « التوبة (72). وفي هذا تأكيد للباعث الروحي من الالتزام الخلقي في مجال المهنة وغيرها. وبهذا يتضح لنا أن قانون الأخلاق في الإسلام ليس ضيق النظرة أو أحادي الجانب كما هو الشأن في كثير من النظريات الأخلاقية، وإنما هو قانون يمتاز بهيبته في النفوس وشموله وكماله الذي لا يرنو إليه أي كمال. حيث انضوى تحت جناحيه العناصر الفردية، والاجتماعية، والإنسانية ومن قبل ذلك الإلهية. في تناسق رائع لامثيل له في أي دين أو مذهب أخلاقي. وإذا كان بعض الأخلاقيين قد تحفظوا على «المنفعة والضمير والعقل « وغير ذلك كمنبع للقانون المهني. فإن من الأهمية بمكان أن نبين موقف الإسلام من المقاييس الأخلاقية السابقة. ومن ثم نقول إن قانون الأخلاق الإسلامي لا يقف على طول الخط موقف المعارض من المقاييس الأخلاقية السابقة، وإنما موقفه منها موقف الناقد، المنتقي، والموجه. ومن هذا المنطلق صدرت نظرته إليها، والتي تتبلور في قبوله لها، ولأحكامها في ضوء مرجعية معصومة تستند إليها، وفي ضوء ضوابط تحيط بها من كافة جنباتها لئلا تزيغ أو تضل. وإذا كان قانون الأخلاق الإسلامي في مجال المهنة وغيرها مصدره الوحي الإلهي فليس معنى هذا أنه يتصادم مع ما يقرره العقل الإنساني، وكيف يكون هذا وهما في ظر الإسلام يجمعهما مصدر واحد. كما أن أحكام العقل المحفوفة بالضوابط الشرعية التي تمنعها من الضلال محل تقدير من الإسلام وتشريعاته، بل في كثير من الأحوال تعد نوعاً من الاجتهاد الذي يؤجر عليه صاحبه. وإذا نحى العقل جانباً في بعض المجالات التي تعلو فوق إدراكه، فهذا ليس حطا من شأنه وإنما هو تكليف له وفق الوسع والطاقة، وتفريغ له لمهمته التي تكمن في عمارة الكون والحياة. أما بالنسبة للضمير فأمره كذلك معتبر في ضوء المرجعية المعصومة التي عنها تصدر أحكامه، وفي ضوء الضوابط الشرعية التي يراعيها كي لا يضل أو يشقى، ومن هنا فالضمير المعتبر لدى قانون الأخلاق الإسلامي هو الضمير الموجه والمستنير بفضل تعاليم الكتاب والسنة. وهو الضمير الذي له مقياس ثابت وحكم محدد في قضايا الأخلاق. ومن ثم كان له اعتباره في القرآن الكريم حيث يقول الحق سبحانه:»بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ» القيامة (14). وكذلك له منزلة في السنة المطهرة حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه» وقوله صلى الله عليه وسلم لوابصة ابن معبد رضى الله عنه» جئت تسأل عن البر؟ قلت نعم قال: البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك «وحتى عند الحساب بين يدي رب العزة والجلال يكون لسلطان الضمير. د. محمد عبد الرحيم البيومي كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©