الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النواطير يتسامرون حول طبق طعام وفنجان شاي

النواطير يتسامرون حول طبق طعام وفنجان شاي
23 أغسطس 2008 23:43
والبوابون أناس يعرفون كيف يستمتعون بأيامهم وأمسياتهم، فكيف إذا كانت سنوات يمضونها في الغربة بعيدين عن عائلاتهم وأبنائهم· لا تؤنسهم سوى جلسات ودية مع زملائهم في المهنة· خافون بركي بواب جاء من الهند إلى أبوظبي قبل 12 عاما، هو الأصغر سناً بين بوابي الحي الذين يوكلون إليه الأعمال الشاقة لأن بنيته أكثر شبابا منهم· يصفه زملاؤه بـ ''صاحب المهمات الصعبة'' كونه لا يرفض طلبا لأحد· ولا يرى خافون زوجته وأولاده الثلاثة سوى شهرين كل 3 أعوام، ومع ذلك يشعر بالسعادة لأن الغياب عنهم يصب في مصلحتهم، ويقول: ''قبل مجيئي إلى هنا لم أكن قادراً على الزواج ولا على تكوين أسرة لأن الأوضاع المالية في بلادي لا تتيح للرجل الكثير من مجالات العمل''· وهكذا كان قرار سفره بمثابة ''فرصة العمر'' التي يحسده عليها أقاربه ويتمنون أن يخطوا على خطاه· ويؤكد أنه يرسل كل راتبه إلى زوجته، مبقيا 50 درهما ثمنا للطعام والشراب· وعن كيفية قضاء وقت فراغه، يبين خافون أنه يقضيه مع أصحابه البوابين، والبقالين، وبائعي الخضار، لافتاً إلى أنهم يقطنون في عمارات متقاربة، ما يسهل اجتماعهم يوميا خلال أوقات متقطعة بحسب الظروف على الأرصفة، وأحيانا بالقرب من المخبز· من جهته، يرى البواب الباكستاني ماندات خان علي جول أن ''أهم ما في الحياة العمل، والصحة الجيدة''· ولكنه يعتبر ''البوابين مظلومين فهم يتقاضون رواتب قليلة لا تكفي في ظل الغلاء الفاحش''· وبحسبه، لا يتجاوز راتب البواب الـ 620 درهما في الشهر، تطير إلى مكاتب الحوالة قبل أن تصل إلى جيوبهم· ويتابع: ''أصحاب العمارات لا ذنب لهم في الأمر لأننا منذ البداية ارتضينا بما قسمه الله لنا من رزق، ولكننا نتعجب من السكان الذين نخدمهم ليلاً نهاراً، ويندر أن يتذكرونا ولو بدراهم قليلة''· ويعمل جول، الذي أصبح جداً لسبعة أحفاد، في الحراسة داخل الدولة منذ 30 عاما، وقد أمضى الأعوام الـ 13 الأخيرة في خدمة المبنى نفسه، ويؤكد أنه يتصل بهم مرة في الشهر لدقائق معدودة من بطاقة اتصالات واحدة تكفيه لثلاثة أشهر· ويعيش صديق جول ومواطنه علي شيروالي في أبوظبي منذ 14 عاما، وهو ملقب بـ ''الحنون الوفي'' لأنه صلة الوصل بين جميع البوابين؛ إذ يحضر لهم الطعام كل مساء، ويجمعهم على سفرته المتواضعة ليغمسوا من طبق واحد· ميزته أنه يدبر أموره بتنظيم تام، ولا يمزج أبدا بين العمل، وأوقات الراحة، والجلسات مع الرفاق· ويستيقظ ''الحنون'' باكرا لينهي أعمال التنظيف، ورمي النفايات، وتلميع الزجاج، وهو يبدو مسيطرا على الوضع العام للمبنى ثم ما يلبث أن يتفرغ لنفسه· ويقول شيروالي، وهو أب لثلاثة أولاد ومثلهم بنات،: ''أهم ما في برنامجي اليومي الصلاة في المسجد بمواقيتها، فلا يشغلني عنها شيء، وتراني أترك كل ما في يدي بمجرد سماع صوت الأذان''· وهو يخصص فترة ما بعد العصر لشراء الخضراوات والطهي استعدادا لتناول العشاء مع رفاقه، وهم بدورهم يتشاركون معه في المصروف لقاء تذوق طعامه الشهي· ويستعد البواب أمير خان إلى العودة إلى بلاده قريبا لظروف خاصة تعاني منها أسرته بعد أن قضى في العمل هنا 20 عاماً· ورغم شدة لهفته إلى لقاء أهله الا أنه سيفتقد زملاءه، يقول: ''العشرة الحلوة تجعلنا نتأثر عند وداع الأشخاص الذين أمضينا معهم سنوات عدة فيها الأفراح والأحزان والمتاعب، لكن الحياة تعلمنا أن نتقبلها كيفما شاءت الظروف''· ومن بين الأمور التي سيفتقدها أمير جلسات الشاي عند الغروب، وكل تلك الأحاديث التي كانت تجمعه مع شلة البوابين والعمال· فهم كل الأصدقاء الذين عرفهم في حياته ولا يدري ما إذا كان قادرا من جديد على بناء صداقات قوية كتلك· يعود ويعزي نفسه قائلا: ''لقد اشتقت لأبنائي وحفيدي الوحيد الذي لم أره بعد، كما أنني اكتفيت من العمل والبعد عنهم، وأدعو الله أن يجمعني بهم على الخير''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©