الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فشلت لكنني لست خوّيفاً !

فشلت لكنني لست خوّيفاً !
23 أغسطس 2008 23:55
وجدنا على شاطئ مدينة ''بينانج'' الماليزية لعبة التحليق فوق البحر بمظلة موصولة بقارب سريع، يسير القارب فتطير أنت في الهواء، وتبقى هكذا دقائق معلقاً بين السماء والبحر· لم يتردد ابن أخي في قطع تذكرة اللعبة، وبتشجيع منه، وإصرار أخي، قطعت واحدة وعلى الفور شعرت بحرقة في بطني، فهرمون ''الأدرينالين'' الذي يسري في قلوب الناس عند الإثارة أو الإحساس بالخطر، يضلُّ طريقه في جسمي ويتسرب إلى بطني· ارتديت العدَّة ورحت أتلو الآيات التي أحفظها من القرآن، لكن فرائصي، ولا أدري أين هي، بقيت ترتعد· عدتُ مع ضحكات من معي إلى الموظفة أرجوها أن تعيد نقودي، وأخذ ابن أخي يغني باللهجة المصرية: ''خوّيف جبان··· بطاطا باذنجان''، وذهبت محاولتي في إقناعه بأن الشجاعة شيء والتهور شيء آخر سدى· في الحقيقة لم أكن خائفاً من التجربة وإنما خائفاً من جسدي، فاللعبة تحتاج إلى مجهود بدني عند الانطلاق وآخر عند الهبوط، وأنا أثق بعقلي ثقة أقل من عمياء بقليل، لكنني لا أثق بجسدي، فقد خذلني في كل مرة أحتاج فيها إليه، حتى كرة القدم التي بدأت أجيدها في أواخر المراهقة، كانت ثمرة سنوات من التمرين وملايين التسديدات ''الفشنك''· الغريب أنني في صغري كنت ألعب الجمباز، وأتسلق الجدران، وأدخل رأسي في برميل القاذورات مثل القطط السائبة، لكن لا أدري ماذا حصل، عقلي يقوم بدوره على أحسن وجه، يصدر الإشارات والتوجيهات اللازمة، بينما جسدي لا يستجيب أو يتأخر في الاستجابة· لحسن الحظ كان معي كتاب عن التحليل النفسي، وبالصدفة وجدت هذا العنوان: ''لماذا أنا مُبتلى بالشك بالذات؟''، يا سلام، كأنني أنا السائل، ووجدت الداء في هذه السطور: ''ما نعتقده عن أنفسنا يملي علينا تصرفاتنا وأفكارنا ومعتقداتنا ومشاعرنا''، وهذا صحيح، فكل التحديات التي أخفقت فيها كان سببها الأول أنني أبدأ هكذا: ''أدري أنني سأفشل''· سأفشل في رفع هذا الثقل، سأفشل في هذه ''الضرابة''، سأفشل في الجري إلى تلك المسافة دون توقف، وفعلاً أفشل ويزداد شكّي في جسدي· استقبلني ابن أخي صباح اليوم التالي وهو يغني أغنيته الكيدية، وعرفت زوجتي و''العيال'' بالأمر، ولإسكات ابن أخي وبعد تشجيع زوجتي، ولأنني أصلاً عرفت السبب، فقد قررت خوض التجربة بقلب من صخر· كنت أنتظر دوري وأنا أردد: ''سأنجح في هذه اللعبة السخيفة''، وما رفع من معنوياتي أكثر أن زوجتي و''عيالي'' كانوا يشجعونني، بالإضافة إلى صعود وهبوط عشرات الأشخاص بسلام، حتى بعض الخليجيات المنقبات، جعلت معنوياتي فوق السحاب· جاء دوري، وبدأت أجري حين أخذ القارب السريع الذي يربطني به حبل طويل في الحركة، وكل من لعب هذه اللعبة جرى قليلاً ثم ما أن اقترب من الماء حتى وجد نفسه يطير في الهواء إلا أنا، فقد وقعت على الأرض وأخذ القارب يسحبني سحباً ولولا المظلة لغرقت في الرمال قبل الماء· طارت المظلة فوق البحر وأنا ألعن الغبي مؤلف ذلك الكتاب، فوالله العظيم كنت أعتقد أنني سأنجح، فلم فشلت كالعادة؟ وفوراً تذكرت الهبوط، فعدت إلى آيات القرآن خصوصاً أنني بقيت طاهراً برغم الأهوال· وحين يكون الإقلاع اضطرارياً من الطبيعي أن يكون الهبوط كذلك، فقد جذبت الحبل الخاطئ، ولولا صراخ وتلويحات عشرات الأشخاص على الشاطئ، وقفز المدرب في الهواء لجذبي، لوجدت نفسي في ''بالكونة'' إحدى الغرف· فشلت كالعادة لكنني ''أخرست'' فم ابن أخي· ahmedamiri47@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©