الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جاسم المرزوقي: الانتحار ينجم عن فشل الفرد في تحقيق التوازن بين مستويات ذاته الثلاثة

جاسم المرزوقي: الانتحار ينجم عن فشل الفرد في تحقيق التوازن بين مستويات ذاته الثلاثة
15 يونيو 2010 21:31
قبل وصف الانتحار بأنه هروب من المواجهة، لا بد من تحديد تعريف له، ورغم الاختلاف في التعريفات إلا أن هناك اتفاقا على أنه إزهاق الفرد لروحه ذاتياً بأي طريقة أو أسلوب. كما أنه لا بد من التمييز بين “الانتحار” و”الشروع في الانتحار”، إذ الفيصل بينهما لا يتعدى إلا شعرة وهنا الاختلاف ملتبس على البعض، لأن النجاح في عملية الانتحار هو المقياس للذين يقبلون عليه. يمكن تمييز مدى دافعية الفرد للانتحار، فأحياناً لا تكون لدى الفرد نية حقيقية في الانتحار، وإنما هي رغبة لإثبات شيء ما أو الحصول على شيء ما، أو دفاع عن أمر ما، كما أن هناك أفرادا ينتحرون بعد أن يئسوا من حال ما. حول الانتحار وأسبابه ودوافعه، يقول الدكتور النفسي جاسم المرزوقي “ تتضافر العديد من الأسباب لتؤدي بالفرد للتفكير بهذه الطريقة المميتة، وبحسب وجهة نظر علماء النفس في تفسيرهم لهذا السلوك، بأن الفرد لا يمتلك مهارات وأساليب وقدرات اجتماعية، كما لا يتمتع بمرونة في التفكير، إلى جانب أنه قد يكون تعرض للقسوة في الطفولة، ولم يكن لديه قدرات اتخاذ القرار أو ضيق سعة الأفق، إلى جانب صلابة الرأي، وغيرها من الأسباب التي تشكل أسساً للتأثير على الفرد في قراراته مما يفقد القدرة على اتخاذ القرار”. دوافع الانتحار فيما إذا كان الانتحار هروباً من المواجهة أم لا، يوضح المرزوقي” نعم أؤيد ذلك، ففي جميع الأحوال ومهما تعددت مسببات الانتحار فإن الشخص نتيجة لعدم قدرته على التصرف وفق مبتغيات الوقائع فإنه يُوثر الانتحار على مجابهة الواقع، وبالتالي هناك انعدام لقدرته على إيجاد الحلول تدفعه إلى أسهل الطرق والأساليب نجاحاً للقضاء على أسباب المشكلة”. وسيكولوجية الانتحار، وفق المرزوقي “هي النظر إلى هذه المشكلة من جميع الزوايا للوصول إلى تحليل دقيق لأسبابها، والانتحار كأي مشكلة تتسبب بها جوانب عدة كالعنف على سبيل المثال، ومن هنا فإن الانتحار ينظر إليه من الجوانب الشخصية، والخبرات الماضية وأثر التنشئة في سمات شخصية الفرد، إلى جانب العوامل الأخرى كالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والصحية والعاطفية والنفسية، فلا يمكننا النظر إلى دوافع الانتحار إلى إذا وضعنا جميع العوامل السابقة في خلاط وإظهار أثر كل عامل من العوامل على إقبال الفرد على الانتحار، فإذا ما تجمعت العوامل شكلت ضغطاً على الفرد، ودفعته لذلك”. ويقول المرزوقي “فالشخص الذي نشأ في أسرة مضطربة انتهجت القسوة والعقاب للتربية، يكون تأثيره على الذات كبيرا جداً في رسم خريطة شخصيته التي تتضمن نقاط الضعف فيها. ويشرح “لو كنا في رحلة مغامرة فإن المبدأ الذي تقوم عليه الرحلة تتمثل في مواجهة التحديات والمتعة، هي النجاح في تحقيق الانتصار لذا فإن المرء في هذه الرحلة على افتراض أنها رحلة الحياة يواجه عقبات متنوعة كما هي في رحلة المغامرة فمنها اجتماعية ومنها شخصية ومنها صحية ومنها اقتصادية ومنها عاطفية، وإذا لم يستطع المرء التغلب عليها فإنها تؤثر على حياته وبمقدار قدرته على التحمل سيحقق الانتصار ولو استمر الحال مدى الحياة، لأن المتفائل لا ينظر للحياة إلا أنها تقوم على مبدأين هما النجاح والفشل. أما الإخفاق فهو الاستسلام واليأس، والمنتحر لا ينظر للحياة إلا أنها تقوم على مبدأ واحد وهو النجاح فإذا لم يستطع تحقيقه فإن الحياة قد انتهت بالنسبة له”. الجانب النفسي عن التحليل النفسي للانتحار، يقول المرزوقي “نتيجة فقدان الإنسان القدرة على التوازن النفسي بين مستويات الذات الثلاثة الأنا الأعلى (المثل والقيم)، وبين الهو (مبدأ الشهوة والدونية)، وبين الأنا (المبدأ الذي يحقق التوازن بين الرغبتين)، ونتيجة للضغوط فإن النزاعات الداخلية الداعية إلى الفضيلة والرذيلة وفق مبدئين اللذة والعدوانية تؤثر على قرارات الفرد فينقاد لا شعورياً نحو التأثر بالنزاعات فيلجأ إلى الانتحار هرباً من الصراع غير المحتمل”. ويتابع “كما أن شخصية المنتحر تسيطر عليه النزعات المتناقضة، فكل شخصية انتحارية تسيطر عليها نزعات لاشعورية شديدة من الكراهية والعداء وترتبط بعدم القدرة على حب الآخرين وتحت تأثير الاضطرابات الشخصية فإن تأثير اللاشعور يزيد من كراهية الذات فيوقع العدوان على الأنا تدميراً ذاتياً، نتيجة الفشل في توجيهه إلى الخارج ولذلك يعد الانتحار علامة تأكيد الأنا على كسب الخلود والشهرة”. فيما إن كان الانتحار ظاهرة أم أحداثا عابرة، يقول المرزوقي “لا بد من الرجوع إلى الإحصائيات التي تشير إلى معدلاتها في أي دولة، وبالرجوع إلى إحصائيات الانتحار دون الالتفات إلى أرقام إحصائية، فإنها أكثر انتشاراً عند الغرب، منها عند العرب والمسلمين، وأسباب ذلك ترتبط بالإيمان، وإذا ما أردنا أن نصنفها كونها ظاهرة أم لا، أعتقد بأننا لا نستطيع اعتبارها ظاهرة لدى مجتمعاتنا العربية والمسلمة، رغم زيادة الإحصائيات التي تشير إلى ارتفاع معدلاتها في السنوات الأخيرة، بعكس الغرب الذين بدأت عندهم هذه المشكلة تصنف ضمن مؤشرات الظواهر الخطيرة التي بدت تقلق الحكومات الغربية نظراً لارتفاع معدلاتها بين جميع الشرائح والمستويات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة وضمن مختلف الفئات العمرية حتى الصغار منهم”. سمات المنتحر يلخص المرزوقي سمات المنتحر بالقول “بحسب ما ورد في كثير من المرجعيات ونتائج الدراسات فإن آراء الكثير من علماء النفس عن شخصية المنتحر أو الذي يشرع في الانتحار تغلب عليه سمات عدم النضج والتأثر بخبرات الطفولة السيئة التي قد تكون سبباً رئيسياً في تمركزه حول الذات، ما قد يتسبب في شعور المنتحر أو الذي يشرع في الانتحار بالوحدة النفسية والانطواء الشخصي والدونية الشديدة، بالإضافة إلى عدم قدرته على تكوين علاقات اجتماعية سليمة، والفجاجة وعدم النضج في فهم الأمور والحكم عليها، والخوف الزائد وعدم الاطمئنان في مواجهة مواقف الحياة، ويتسم أيضاً بالحساسية الزائدة والقابلية للتهيج بشدة، وبعدم اتزان انفعالاته، كما تتسلط على شخصيته أفكار قهرية مصحوبة برغبات قوية في الموت، لذلك فهو يعاني من الأرق، ويحتفظ بنزعات عدوانية أو رغبات لاشعورية، وكثيراً ما يتحدث عن الشعور بالإثم ويهتم بالعقاب الزائد ويستعذب الألم، كما أنه قد يعاني من الإحساس بالتفاهة وعدم الاطمئنان ، وفقدان الذاكرة أحياناً”. الانتحار ليس حلاً يؤكد المرزوقي أن الانتحار ليس حلا، ويقول “عندما نكون في طريق ما ذي مسارين، ونمضي في أحدهما فإن نهاية مسرب هذا الطريق قد لا يؤدي إلا إلى هاوية، فالعاقل ينظر إليها على أنها مشــكلة ويبدأ في التفكير لإيجاد حل ما تتمثل في طرق وبدائل أخرى للعودة إلى المسار الصحيح، بينما الجاني على نفسه فلا يرى هذه الهاوية إلا أنها نهاية الطريق وهنا لب المشــكلة الأســاسية بين الذي يقبل على الانتحار وبين الشــخص الذي يتمتع بقدرة أكبر على تحمل الإخفاقات إلى جانب تمتعه بمرونة التفكير وطرح البدائل وعدم تهويل الأمور، فالمبدع هو من ينظر للمشكلة على أنها تحديات في طريق تحقيق النجاح، بينما المنتحر أو الشخص الذي يفكر في الانتحار يرى في المشكلة حصنا منيعا وعازلا رصينا وعقبة كارثية ومشكلة ليس لها حل إطلاقاً”. الرجال أكثر المنتحرين ويشير موقع الدكتور عبد الدائم الكحيل الإلكتروني www.kaheel7.com، إلى أن هناك حالة انتحار كل 40 ثانية في مكان ما حول العالم، وأن أعداد المنتحرين كل عام يصل لنحو 873 ألف إنسان، وأن هنالك 450 مليون شخص يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية 90% منهم يقبلون على الانتحار بسببها. وأن الرجال هم أكثر عرضة للانتحار من النساء بأربعة أضعاف تقريباً، ولكن محاولات الانتحار عند النساء أكثر، كما أظهر أن 60% من حالات الانتحار يستخدمون الأسلحة النارية مثل المسدس للانتحار، وأن قابلية الانتحار تزداد لدى الفئات كلما تقدم في السنّ”. أما في الإحصائيات التي نشرتها الولايات المتحدة الأميركية عن الانتحار عام 2002 فأظهرت أن “عدد المنتحرين أكثر من 31 ألف حالة، عدد الرجال منهم 25 ألف رجل، بينما النساء 6 آلاف حالة، وأن أكثر من 5000 شخص بين هؤلاء هم من المسنين الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً، أما عدد الشباب بين هؤلاء المنتحرين من الذين يتراوح أعمارهم ما بين 15-24 سنة فقد بلغ 4000 منتحر، وبناء على هذه الأرقام فإنه يمكن القول بأن هناك شخصاً في الولايات الأميركية يقتل نفسه كل ربع ساعة، ومن هذه الإحصائية يتبين بأن هنالك 17 ألف شخص قد قتلوا أنفسهم بإطلاق النار من مسدساتهم، وهنالك أكثر من 6 آلاف شخص فضَّلوا شنق أنفسهم، وأكثر من 700 من هؤلاء ألقوا بأنفسهم من الطوابق العليا، وأكثر من 300 شخص رموا بأنفسهم في الماء فماتوا غرقاً”.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©