الأربعاء 8 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غزو العراق... كما يراه ضحايا صدّام

10 ابريل 2013 23:12
جيفري جولدبرج محلل سياسي أميركي في حوار جرى مؤخراً مع صحيفة «نيويورك تايمز»، قالت الكاتبة توني موريسون: «أتحدى أي شخص أن يقدم لي سبباً وجيهاً ومقنعاً لذهابنا إلى العراق». والحق أن كلامها لا يخلو من وجاهة وسداد؛ ذلك أنه سبق أن سمعنا حججاً مماثلة كثيراً خلال الأسابيع القليلة الماضية، أثناء إحياء الذكرى العاشرة للحرب. فهناك اتفاق واسع على أن الغزو الأميركي للعراق جاء نتيجة سلسلة من الأكاذيب وعمليات الخداع. وبدون شك، فإن الكثير مما حدث خلال السنوات العشر الماضية في العراق كان كارثياً. ذلك أن الكلفة من حيث الدماء والأموال العراقية والأميركية مروعة، والضرر الذي لحق بسمعة بلدنا، وبالأفكار التي تحرك النزعة التدخلية الليبرالية، قد يكون غير قابل للإصلاح. غير أن ما لاحظته خلال الأسبوعين الماضيين هو أن العراقيين أنفسهم لا يُسألون في كثير من الأحيان حول رأيهم في الحرب. كما أن العراق، بعد أن فشل بوش الإبن في إنجاز مهمته، كان عبارة عن مقبرة جماعية كبيرة، حيث قتل نظام صدام ما يصل إلى مليون عراقي خلال سنوات حكمه المطلق. والكثير من الأميركيين ينسون هذا الأمر، لكن معظم العراقيين لا يفعلون. ديكستر فيلكينز من مجلة «ذا نيويوركر»، الذي كتب أفضل كتاب حول العراق بعنوان «الحرب الأبدية»، تذكر مؤخراً زيارةً قام بها بعيد وقت قصير على الغزو إلى إحدى غرف التعذيب التابعة لنظام صدام، وكانت تدعى الحاكمية. وتابع فيلكينز يقول: «اليوم، في عام 2013، بعد مرور عقد من الزمن، ليس من غير النادر القول إن الغزو الأميركي لم يخدم أي هدف مفيد»، مضيفاً: «لكن، ماذا عن العراقيين من أمثال الموسوي؟ أو غرف التعذيب مثل الحاكمية؟ أين نضعها في ذكرياتنا؟ والأهم من ذلك: كيف ينبغي أن يشكلا حكمنا على الحرب التي قمنا بشنها؟». وأضاف يقول: «اسألوا العراقيين، اسألوهم، إذا استطاع أي واحد، في هذه اللحظة من تأمل الذات الأميركية، أن يكلف نفسه عناء ذلك». اتبعتُ نصيحة فيلكينز وسألت أحدَ مَن سبق لهم زيارة غرف التعذيب التابعة لنظام صدّام، وهو رجل اسمه برهم صالح، عن رأيه في الغزو، بعد مرور عشر سنوات. اليوم، صالح هو رئيس مجلس الجامعة الأميركية في السليمانية، والتي تقدم تعليماً ليبرالياً في منطقة لم تكن معروفة بمثل هذه الظاهرة من قبل. وخلال السنوات الأخيرة، عمل صالح كنائب لرئيس وزراء العراق وكرئيس وزراء لحكومة إقليم كردستان، وكان من بين الأشخاص الذين جادلوا بأن قرار صدام بارتكاب إبادة جماعية ضد الأكراد العراقيين (بواسطة الأسلحة الكيماوية أحياناً) في أواخر الثمانينيات، يجعل من تنحيته واجباً أخلاقياً. سألته حول ما إن كان يعتقد أن الغزو كان يستحق العناء، فكان جوابه: «من منظور الشعب الكردي، بل ربما أغلبية الشعب العراقي، الأمر كان يستحق العناء»، مضيفاً: «الحرب ليست خياراً جيداً، لكن بالنظر إلى تاريخنا ووحشية نظام صدام، فربما كانت الخيار الوحيد لإنهاء حملة الإبادة الجماعية التي شنّها صدام ضد الأكراد وأقليات أخرى في العراق». ثم سرعان ما تحول جوابه إلى حسرة وأسف، إذ قال: «غير أنه يجب أن أعترف بأنه بعد مرور عشر سنوات، مازال تحول العراق تطبعه توقعات لم تتحقق، بالنسبة لكل من العراقيين وبالنسبة لمحررينا الأميركيين. فالعراق ليس الدولة الديمقراطية الصديقة الذي كانت تأمل فيها الولايات المتحدة، وهو أبعد ما يكون عن الدولة الديمقراطية الآمنة والشاملة لجميع الأطياف، التي يستحقها العراقيون ويتطلعون إليها». ثم راح يلقي اللوم على العراقيين، بدلا من الأميركيين، ويحمِّلهم مسؤولية إخفاقات العقد الماضي. وقال في هذا الصدد: «إن الكثير يمكن أن يقال حول الخطوات والحسابات الأميركية الخاطئة في هذه العملية، لكن بدون شك فإن الزعامة السياسية العراقية تتحمل المسؤولية الأكبر عن إهدار فرصة فريدة لشعبها. وطلبتُ من صالح رأيه في من يقولون إن الأكراد، وهم يشكلون قرابة 20 في المئة من سكان العراق، كانوا بحلول عام 2003 يعيشون عموماً في أمن وسلام نسبيين في منطقة محمية بحظر جوي يفرضه الأميركيون، أو بعبارة أخرى فإن الغزو لم يكن يمثل ضرورة إنسانية في تلك اللحظة! فقال: «إن كل العراقيين كانوا يعيشون تحت نظام لم يكن يقيم وزناً أو اعتباراً للحياة الإنسانية»، مضيفاً: «فالإعدامات وأعمال القتل استمرت بدون توقف، وآلاف العراقيين كانوا يرسلون إلى مقابر جماعية؛ والأكراد لم يكونوا أبداً في أمان لأنهم كانوا يعرفون أن صدام حسين يستطيع في أي وقت استعادة منطقة حظر الطيران». والواقع أنني آخذ رأي توني موريسون على محمل الجد؛ فالأخطاء الكثيرة والمأساوية لإدارة بوش، وسذاجة أشخاص مثلي، تجعل من التشكيك في قيمة الغزو الأميركي أمراً ضرورياً. فقد كنتُ أعتقد أن العراق، وبمساعدة أميركية كفؤة وفعّالة، يستطيع التحول إلى دولة شبه ديمقراطية على الأقل، حتى بعد تكبده هذا الضرر المادي والنفسي خلال السنوات الحالكة من حكم صدام. غير أن الأشخاص الذين يعتقدون أن الغزو كان عملا يعوزه العقل، لاسيما أولئك الذين يقدمون أنفسهم كمدافعين عن حقوق الإنسان والكرامة والحرية، عليهم على الأقل أن يسألوا ضحايا صدام عن رأيهم في المسألة قبل إصدار حكم نهائي. وبدوري، أشجع موريسون على التحدث مع الضحايا العراقيين، وأنا واثق من أن الجامعة الأميركية في السليمانية ستكون سعيدة بمنحها لقب أستاذة زائرة. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©