الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدولة بين الصيانة والتدمير

الدولة بين الصيانة والتدمير
2 أغسطس 2016 22:26
د. خزعل الماجدي الخلاصة العامة لتطور الدولة، واقعاً ومفهوماً، يمكن معرفتها من خلال تحولات عصور التاريخ المتتابعة (القديم، الوسيط، الحديث، المعاصر)، ولكي نقف على التغير الواسع في فهم وتصور وواقع حال الدولة في كل هذه الحقب التاريخية. يصبح من الضروري، كمدخلٍ علميّ، التعرّف على تصنيف الدول على أسس مختلفة للتصنيف يمكن أن نجملها في التالي: تصنف الدول من حيث التاريخ إلى: القديمة، الوسيطة، الحديثة، العصرية، ومن حيث الشكل: البسيطة (الموحدة)، الاتحادية (الشخصية، الفيدرالية، الكونفيدرالية)، أما من حيث المضمون فهناك الدولة الدينية والدولة المدنية، وأما من حيث السلطة، فهناك: الملكية، الجمهورية، الأوليغارشية (حكم الأقلية)، الديكتاتورية الشمولية، العسكرية، الديموقراطية. أما الحكومة، وهي جزء من الدولة، فتتسم بالتغير الدائم ولها تصنيفات كثيرة يصعب الخوض فيها. ما يهمنا هنا هو تتبعنا لأنواع الدول تاريخياً وفحص مضمونها الديني أو الدنيوي. ظلت الدول القديمة، ثم الوسيطة تتحرك بين قطبي البندول المتحرك، وهي تخوض احتمالات التدمير وضرورات الصيانة، أغلبها لم يصمد طويلاً فانهارت بِناها لمصلحة التغيير الجذري المتمثل بالشكل الحديث للدولة، وبعضها بقيَ يزوّق تكوينه ويصبغ واجهاته، بما هو حديث منعاً لانهياره من ناحية وإقناعاً لأهله بما هو جديد من مسايرة للزمن من ناحية أخرى. تُرى ما العوامل التي جعلت الدول القديمة والوسيطة تنهار وتتبدل رغم ظاهرها القوي؟ وكيف استطاع التاريخ أن يضعها في المضيق رغم أشرعتها العالية في عباب البحر؟ لا بد من معرفة أشكالها ووظائفها لكي نجيب عن مثل هذه الأسئلة. الدولة القديمة.. النشأة والمفهوم لم تُنشئ مجتمعات ما قبل التاريخ الزراعية دولةً بالمعنى المعروف، فقد كانت الأسرة هي نواة المجتمع، والمجتمعات تنتظم بنظام قبليّ، وزعيم القبيلة يقوم بفرض النظام والاستقرار وكان الاقتصاد الزراعي والحرفي ومعه الصيد والرعي أعمدة حياتهم اليومية، وحين ظهرت المدينة في الألف الخامس قبل الميلاد ظهرت أهمية الدين في نشوء الحكم حيث المعبد يتوسط المدينة ويسيطر على الأراضي الزراعية التي حولها. أول نظامٍ للدولة في العصر التاريخي القديم بدأ مع السومريين عندما ظهر نظام (دولة المدينة City State)، في عصر السلالات المبكر في سومر 2900 ق.م، والذي كان يقوم على أساس أن المدينة هي دولة صغيرة قائمة بذاتها ولها حاكم أو ملك، ثم نشأ اتحاد شكليّ بين دول المدن السومرية يقوم على أساس وحدة اللغة والجغرافيا وترتبط به دول المدن من خلال عاصمتها الدينية (نيبور) حيث معبد إلههم المشترك (القوميّ) وهو الإله (إنليل). ثم ظهرت الدولة السومرية القديمة على يد (لوجال زاكيزي) الذي قام بتوحيد المدن السومرية في دولةٍ واحدة. وظهرت الدولة المصرية القديمة عندما وحّد الملك (مينا) الوجهين القبلي والبحري لمصر في مملكة واحدة. ومع الدولة المصرية منذ الأسرة الثامنة عشرة ظهرت الدولة الإقليمية التي تضم ما حولها بدافع حماية كيانها السياسي والجغرافي فتصنع تخوماً إقليمية لها. أما أول نظام إمبراطوري فقد كان مع (الإمبراطورية الأكدية) التي ظهرت على يد (سرجون الأكدي) الذي استحوذ على الدولة السومرية للوكال زاكيزي ووسع حدودها خارج وادي الرافدين. بقيت هذه الأنظمة الأربعة الرئيسة (دولة المدينة، الدولة الموحدة أو المملكة، الدولة الإقليمية، الإمبراطورية) هي الأشكال الرئيسية للدول القديمة، وكانت، في الغالب، ذات طبيعة مدنية رغم وجود الأديان القومية المختلفة لكلٍّ منها. مع الإغريق تطور المفهوم السياسي للدولة رغم عدم وجود دولة إغريقية موحدة، أما الدولة المقدونية فسرعان ما تحولت إلى إمبراطورية كبرى على يد الإسكندر المقدوني. نظر الإغريق إلى الدولة على أنها النظام السياسي الذي يدير المجتمع ورأوا أنه يمكن أن يكون على ثلاثة أشكال: (ملكي، أرستقراطي، ديموقراطي) ورفضوا الأشكال الأخرى رغم وجودها في العالم القديم (الديني، الأوليغارشي -أي حكم الأقلية). معايير الدولة القديمة 1. الحاكم أو الملك له صلةٌ بالآلهة، فهو إما الإله المجسد على الأرض، أو نائب الإله، أو المفوض منه للحكم وإدارة الدولة. 2. كانت طاعة السلطة تعتمد على أساس دينيّ يصعب تجاوزه، وكان ورع الإنسان وخشيته من العواقب المترتبة على ذلك تُلزم المواطن بطاعتها والامتثال لها. 3. الطاعة قرينة الحاجة إلى الدولة، والمواطن القديم كان يجد اختلالاً في الحياة عندما لا توجد دولة أو سلطة، وهذا ما ساعد على نشوء الاستبداد وظهور الدولة المستبدة، لأن طاعة الحاكم كانت جزءاً من طاعة الآلهة، فالملك هو المشرع والقاضي باسم الإله وهو ما نصت عليه بعض قوانين تلك الشعوب القديمة. 4. بالإضافة إلى الأساس الديني لاحترام السلطة السياسية كان للطبيعة الاجتماعية للإنسان العراقي، مثلاً، أثرها في طاعة الشعب للملك ومن خلاله طاعته للآلهة، فقد امتدت هذه الطاعة من الالتزام بأبسط الواجبات والأوامر الصادرة عن ممثلي السلطة لتصل إلى حد الركوع أمامهم، فقد كان يتم الركوع أمام الآلهة والعاهل، وكذلك أمام الشخصيات البارزة في المجتمع. 5. مسؤولية الحكام أمام شعوبهم كانت من خلال المعبد ورجال الدين، فهم الذين يبررون تصرفاته ويحسنون أو يسيئون له حسب علاقتهم به، وهذا ما يفسر العلاقة الحميمة بين الحاكم ورجال الدين. 6. الجهاز التنفيذي للدولة كان مقتصراً على الوزير العام (الذي هو بمثابة رئيس الوزراء الحالي)، وحكام المدن والأقاليم بشكل أساسيّ. الدولة الوسيطة: النشأة والمفهوم اندمجت السلطة في شخصية الحاكم، سواء كان (الأمير الإقطاعي، الخليفة كزعيم ديني ودنيوي، الملك، الإمبراطور) وأصبحت الدولة تتجسد في شخصية الحاكم. وكان لظهور الإقطاع المرتبط بالأفراد المتمكنين والعوائل الثرية وتحكمهم في المجتمع وظهور الأديان الشمولية، الدور الكبير لتحديد ملامح شكل الدولة الوسيطة الذي يمتاز بالمركزية الحادة وبالشمولية المترهلة والحكم المطلق. بعد انشطار الإمبراطورية الرومانية إلى شرقية بيزنطية وغربية وثنية ضعفت الأخيرة منذ نهاية القرن الرابع الميلادي، وتعرضت لهجمات الشعوب الجرمانية والشعوب الأوروبية القديمة الأخرى، كالقوط، وسقطت سنة 476. وظهرت عدة ممالك في أوروبا عجزت عن الدفاع عن نفسها خلال القرنين التاسع والعاشر ضد هجمات النورماندين من الشمال، والهنغارين من الشرق والمسلمين من الجنوب لعجز ملوكها عن توفير الأمن، والاستقرار لشعوبهم، وهو ما جعل الناس يحتمون بالزعماء المحليين وقد عُرف هذا الوضع بالنظام الفيودالي، الذي تضافرت في صنعه الكنيسة ورجال الدين مع الإقطاعيين وأصحاب الأراضي الذين كانت الكنيسة تسبغ شرعيتها عليهم. أما طبقات المجتمع الوسيط، في أوروبا، فكانت تتكون من: 1. الملك الذي قد لا يكون هو الأقوى بين أقطاب السلطة والمجتمع لكنه هو الذي يمنح الإقطاعات ويدعم القادة والسادة والإقطاعيين، ويتنازل لهم عن حق جباية الضرائب مقابل دعمه في الحروب. 2. الأسياد والإقطاعيون: أصحاب الأراضي الواسعة والقصور الحصينة. 3.الفرسان: الذين يجندهم الأسياد والإقطاعيون لمساعدتهم في المعارك مقابل إقطاعية تُمنح لهم. 4. الفلاحون الأحرار: الذين يعانون من كثرة الضرائب. 5. الأقنان: الذين تُفرض عليهم أنواع عديدة من السُّخرة والضرائب والواجبات تجاه الإقطاع والفرسان ورجال الدين. كان واقع حال الدولة في العصر الوسيط، سواء كانت إسلامية أم مسيحية، شمولياً قابلاً للتمدد ويستند إلى أساس حكم ثيوقراطي ترتبط فيه بالله والذي يمثله على الأرض الحاكم ورجال الدين ومن يتبعهم. أما شكل الدولة في التاريخ الوسيط، إجمالاً، فهو الثيوقراطي وهي كلمة مكونة من مقطعين هما (ثيو: إلهي وقراط: حكم)، والثيوقراطية هي حكم رجال الدين أو من ينصّبه رجال الدين حاكماً أو ملكاً أو يرضون عنه بحيث تتحول المؤسسات الدائمة للدولة إلى مؤسسات لا تخرج عن أحكام الدين وتمتثل له، وغالباً ما يدّعي الحاكم بأنه يستمد سلطته من الله أو من نبي الله. ولا شك في أن هناك بعض الفروق النوعية في الدولة الوسيطة الغربية والشرقية (المسيحية والإسلامية) لكن هناك من الصفات العامة ما يجمعهما. والمصطلح الذي ساد في العصر الوسيط، عربياً وإسلامياً، هو المصطلح الذي استخدمه ابن خلدون والذي كان يتطابق فيه معناه اللغوي مع معناه الاصطلاحي في الإشارة إلى أن الدولة تزول وتأتي غيرها، ولذلك افترض ابن خلدون أن للدولة عمراً محدداً يبدأ من الولادة والنمو ثم الشيخوخة والسقوط. وتجسد الحكم الثيوقراطي والدولة الدينية في نمطين أساسيين هما: ادعاء الربوبية للحاكم الإلهي وإضفاء القدسية عليه وهو ما ساد في الكثير من الدول الدينية القديمة مثل مصر وألوهية الفرعون، أما النمط الثاني الذي ساد في التاريخ الوسيط فقد تمثل أولاً في الدولة البيزنطية التي منحت الكنيسة حقاً إلهياً مقدساً ثم صار البابا هو الذي يتمتع بحق السلطة المقدسة، وكذلك ظهر بطريقةٍ مختلفة في الإسلام حين أصبح الخليفة الحاكم الديني والدنيوي المطلق وأصبحت الشريعة الإسلامية هي مرجع الدولة في الحكم. ورغم أن هناك بعض الدول الدينية التي ظهرت في التاريخ القديم فإن التاريخ الوسيط هو الحاضنة الحقيقية والحقبة الأنسب لظهور الدولة الدينية الشمولية بشكل خاص، ولعل أكبر نموذجين لهذه الدولة هما الدولة البيزنطية المسيحية والدولة الإسلامية. وقد أخذا الشكل الإمبراطوري الذي تفكك إلى دول مستقلة دينية الطابع، خصوصاً في حالة الإمبراطورية الإسلامية. معايير الدولة الوسيطة 1. دولة دينية تفوّض رئيس الدولة بطريقة مقدسة أو شبه مقدسة باعتباره المسؤول عن تطبيق العدالة والشريعة الإلهية على الأرض. 2. حكمها استبدادي، وشعبها يميل إلى العنف وسحق المعارضين، وتميل إلى العدوان على غيرها من الدول والشعوب باسم الدين رغم هشاشتها وضعفها بسبب ضعف مركزيتها وتحكّم أمراء الحروب بمقدراتها. 3. نظامها الاقتصادي إقطاعي وهو نظام اجتماعي اقتصادي سياسي حربي يقوم على حيازة الأرض من قبل مجموعة من المتنفذين الأقوياء المقربين من الدولة والحكم ويستغلون الفقراء ويستعملونهم كعبيد لهم وللعمل في الأرض والزراعة، وتمتد جذور النظام الإقطاعي إلى دولة الفرنجة المسيحية في القرن الثامن وقد انتشر في أوروبا في العصور الوسطى واستمر سائداً فيها حتى بداية القرن الخامس عشر، فبعد انتشار المسيحية في أوروبا حرص الملوك على إعطاء الأراضي الموقوفة للإنفاق علي المساكن ‏والأمراء لمصلحة الكنيسة وازداد ثراء الكنائس وتحول الأساقفة إلى أمراء أكليروس فهم أمراء مال ودنيا ورجال دين في الوقت نفسه. أي أن الكنيسة أقامت تحالفاً مع الإقطاعيين، وكانت تجني عوائدها من الجميع، سواء أكان ذلك على شكل (عُشر الدخل)، أو صكوك غفران لمن يدفع الثمن، أو صكوك حرمان لمن يعترض على سلطتها الروحيّة. 4. ظهور طبقة النبلاء ضمن مالكي الأراضي في دولة الفرنجة، بشكل خاص، وقيام صغار المالكين برهن أملاكهم لمن هم أكثر نفوذاً وقوة، لتأمين الحماية لهم، وهو ما سبّب حالة الضعف والفوضى التي ظهرت في أوروبا بعد ضعف الحكومة المركزية للدولة، وعجزها عن صدّ الأخطار الخارجيّة. 5. نشأ مفهوم (الفيودالية) وهو تنظيم سياسي اجتماعي اقتصادي، تميّز باختفاء مفهوم الدولة، وانتشار مجموعة من الأعراف والتقاليد وأساليب العيش المهينة التي حكمت العلاقات بين السيِّد الإقطاعي، والأقنان المرتبطين بالأرض باعتبارهم جزءاً من الأرض يباعون ويشترون معها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©