الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمد خان..رحل قبل زحمة الصيف

محمد خان..رحل قبل زحمة الصيف
2 أغسطس 2016 22:31
إيهاب الملاح القاهرة (الاتحاد الثقافي) برصيد 25 فيلماً ومحبة غامرة تسكن القلوب وجماهيرية مستحقة بين عشاق السينما والفن عموماً، غادر المخرج المصري الكبير محمد خان عالمنا عن عمر ناهز الـ74 عاماً، إثر أزمة صحية مفاجئة توفي بعدها مباشرة في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 26 يوليو الماضي. وفاة خان كانت من الضخامة وبعد الأثر للدرجة التي تحول فيها الشارع الثقافي والفني في مصر إلى سرداق كبير، افتراضياً وعبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، سادت حالة من الحزن الشديد بين رواده، سواء كانوا من أصدقاء خان والمتصلين به عن قرب، أو من مشاهدي أفلامه ومحبيه وقرائه، خاصة من الشباب والأجيال الجديدة، كان خان من أبرز المخرجين الحريصين طوال الوقت على التواصل مع الأجيال الشابة والانخراط في مناقشات لا تنتهي معهم حول السينما والحياة، والنظرات الجديدة في الإخراج والتصوير وكل ما يخص صناعة السينما في العموم. خسارة مخرج بحجم خان لم تكن فقط على المستوى الفني والسينمائي، بل كانت في المقام الأول خسارة إنسانية، عرف عن خان حبه للبشر والحياة والتعاطف مع البسطاء والمهمشين (عنصر تكويني رئيسي في كل أفلام خان)، كان يعتبر أن كل ما رآه وعاشه في الحياة وما اكتسبه من خبرات وما قدمه من فن لا بد أن يكون ملكاً خالصاً لمن أراد أن يرى فيها شيئاً. في كل لقاءاته وندواته الأخيرة، وقد كان في قمة نشاطه وحيويته، كان يقول: «نصيحتي هي عدم اليأس، لا تيأس أبداً كصانع للأفلام»، وحينما كان يلح عليه الشباب في الحديث عن البدايات وبمن تأثر من المخرجين العالميين، كان يقول «تأثرتُ بأفلام أنطونيوني، والتقيته في لندن أثناء تصويره لفيلم «blow up» في إحدى المكتبات، كانت معه سكرتيرته، تابعتُه عندما نزل إلى الشارع، طرقتُ على زجاج سيارته، قلت له إنني معجب بأفلامه، فشكرني. قابلته بعدها بسنوات طويلة في مهرجان قرطاج، حيث عرض المهرجان لي فيلم «خرج ولم يعد»، سألت أنطونيوني في قرطاج عن آنا بطلة فيلمه «المغامرة» وأين اختفت، فقال لي: لا أعرف، سألته عن مقولته الشهيرة والصحيحة بأن كل مخرج في الواقع لا يخرج سوى فيلم واحد في حياته، ولكن بطرق وأشكال مختلفة، فقال معلّقاً: «سيكون المخرج محظوظاً حقاً إذا أخرج فيلمين». عرف عن المخرج الكبير محمد خان قدرته الرهيبة في الحكي، تقريباً وفي كل لقاء جمعه بعشاق أفلامه وفنه كان يفتح خزانة الذكريات والأسرار ويتدفق في الحكي عن رحلته الطويلة مع السينما، القاسم المشترك في هذه اللقاءات جميعاً قدرة المخرج القدير على الحكي والسرد المتدفق، تتخللها قفشاته ومداعباته المحببة التي كان يتجاوب معها الحاضرون بشدة. مولود في غَمرة مشوار محمد خان في الحياة والسينما معاً كان غنياً وعامراً، الميلاد كان في حي السكاكيني/‏‏ غمرة من أحياء القاهرة العريقة، وبها كان الشغف بالسينما والولع بها، سافر إلى لندن لدراسة الهندسة، واكتشف بالمصادفة البحتة أن هناك دراسة للسينما فقرر أن يدرس السينما بدلاً من الهندسة، بنفسه عن تلك الفترة، يروي خان: «ولدتُ في غمرة، وعشتُ في أرض شريف، حيث توجد داران للسينما أمام بيتنا، فنشأتُ عاشقاً للسينما، وكنت ابنا وحيداً لوالدي، وعندما ذهبت إلى لندن في سن 17 لدراسة الهندسة، عرفت بالصدفة من جار سيريلانكي بوجود دراسة للسينما، فتغيرت حياتي إلى الأبد، كان معهد الدراسة حجرتين فوق السطوح في عمارة في سوق للخضار، أرسل لي بعد ذلك صديق العمر سعيد شيمي، أخبرني بوجود شركة جديدة باسم فيلمنتاج (الشركة العامة للإنتاج السينمائي)، أرسلت رسالة إلى صلاح أبو سيف مدير الشركة، فطلب مني الحضور، على أن أقدم له نفسي من خلال كتابة عملين أحدهما طويل والثاني قصير، وقمت بذلك فعلاً في 3 شهور، فعُيِّنتُ في لجنة القراءة بالشركة، وكان هناك كثيرون في لجنة القراءة مثل هاشم النحاس ورأفت الميهي ومصطفى محرم، ولكني تركت العمل بعد عام إذ وجدته عملاً مكتبياً، كما أن حماسنا لفيلم «الجبل» الذي أخرجه خليل شوقي، انتهى إلى إنجاز فيلم لم يحقق نجاحاً جماهيرياً على الإطلاق، فشعرت بخيبة الأمل، سافرتُ بعدها إلى بيروت حيث عملت مساعداً في أفلام تافهة، ثم عدت إلى لندن، وكنت أقرب إلى عمدة للمصريين، حتى طلبت مني نادية شكري العودة إلى مصر لعمل أفلام، فعدت، لتتغير حياتي للمرة الثانية». يعود خان إلى مصر للعمل مع صلاح أبو سيف في قراءة سيناريوهات الأفلام، يسافر بعدها إلى بيروت ويعمل كمساعد مخرج في عدد من الأفلام التجارية، لكنه يعاود السفر مرة أخرى إلى لندن، وهناك يكتب أول مؤلفاته بالإنجليزية «مقدمة في السينما المصرية»، ويعود بعدها إلى مصر ويخرج أول أفلامه القصيرة «البطيخة». جذور وملامح سينما محمد خان تظهر في هذا الفيلم الذي تعاون فيه مع صديق عمره المصور الكبير سعيد شيمي، لكن النقلة الحقيقية كانت عندما تعرف على المونتيرة الكبيرة نادية شكري في لندن، وهي التي أقنعته بالعودة لإخراج أول أفلامه الروائية الطويلة «ضربة شمس» 1978، كان خان مصمماً على أن ينتج بنفسه فيلمه الأول بتحويشة العمر، لكن الفنان الراحل نور الشريف تحمس لكي يتحمل المخاطرة الإنتاجية بدلاً من خان، وحقق الفيلم نجاحاً ساحقاً عند عرضه، ومن هنا بدأ المشوار. ومن الفيلم الأول وحتى الفيلم الأخير «قبل زحمة الصيف» (بدور العرض حالياً) تشكلت ملامح وأسلوبية سينما خان التي دشنت ما اصطلح على تسميته بتيار الواقعية الجديدة في السينما المصرية. مخرج على الطريق إلى حد كبير، تحددت حيثيات نجومية محمد خان كمخرج سينمائي، وعبر مشواره الفني العامر، بثلاثة مظاهر رئيسية، الأول أن فنه عابر للأجيال بمعنى أن حماسة الأجيال الشابة والجديدة لأفلامه لا تقل ولا تنقص بمرور الوقت، بل العكس هو الذي يحدث. الثاني هو صنع أسلوبية وبصمة خاصة في أفلامه، وأما المظهر الثالث، فهو الاستمرارية، 38 عاماً أخرج فيها 24 فيلماً، أثبت خلالها خان أنه مخرج كبير وقدير، إبداعه حي ومتجدد. أما الدرس الأهم والأبرز الذي تقدمه سينما محمد خان من بين دروس كثيرة على مستوى الكتابة والإخراج، فهو أنه بدون عشق الأفلام، لن تستطيع أن تتحمل مشقة صنع وإنتاج الأفلام، ومن دون أن تبذل كل جهد في خدمة من تحب، فإنك لن تستطيع الادعاء بأنك من العاشقين، خصوصاً عاشقي الفن السابع والمغرمين بأضوائه ومشاهده وخياله. في كتابه الأخير «مخرج على الطريق» (صدر عن دار الكتب خان في القاهرة 2015)، وعلى مدار صفحاته التي تقترب من الـ600، قدم خان ما يشبه «الخلاصة» لمشوار طويل مع السينما، عشقاً وصناعة وإخراجاً، حصاد لتجربة عريضة وممتدة مع هوى الفن السابع، درس عملي بين يدي عشاقها ومحبيها عما وراء الكواليس، أو «ما وراء الكاميرا تجربتي مع السينما»، وربما يرى فيها البعض سيرة مولع «حقيقي» بالسينما. عبر عشرات المقالات تناول فيها قضايا وموضوعات كلها عن السينما، همومها وأوجاعها، حنين السنوات البعيدة، ذكريات لندن، مما سجله خلال أكثر من خمسة وعشرين عاماً على صفحات الجرائد العربية والمصرية والمواقع الإلكترونية، الحياة اللندنية، القبس الكويتية، الدستور الأصلي المصرية، وجريدة التحرير المصرية. هذا الكتاب الذي كان في ما يبدو رسالة خان «الأخيرة» على الورق وليس الشاشة، ولذا، كان يجوب المكتبات ويسافر خارج مصر مستجيباً لدعوات استضافته للحديث عن الكتاب ومناقشة جمهوره بحماسة شاب في العشرين من عمره. خان في «أبوظبي للكتاب» استضاف معرض أبوظبي الدولي للكتاب المخرج الراحل محمد خان، في التاسع والعشرين من أبريل الماضي، للحديث عن الطبعة الثانية من كتابه «مخرج على الطريق» الذي احتوى على خلاصة تجربته الفنية والإنسانية، إضافة إلى تفاصيل وهوامش وآراء في السينما والسياسة والسفر والكتابة. وتناول محمد خان في ذلك اللقاء أهم المحطات الفنية والأفلام المبكرة التي مهدت لمسيرته الملهمة والفارقة في عالم السينما المصرية والعربية عموماً. كما تحدث عن الأفلام التي صنعها مبكراً، وقال يومها إنه لم يندم على أي فيلم قدمه للجمهور، كما أنه استمتع بكل الأفلام التي صنعها، مشيراً إلى أن الفيلم الأهم بالنسبة له، والذي شكّل علامة خاصة في حياته، وجعله يتخطّى كل الحواجز الذاتية والخارجية التي تواجه أي مخرج في بداية انخراطه بهذا المجال، هو فيلم: «ضربة شمس»، أما الفيلم الذي تحددت من خلاله بوصلة اتجاهه وأسلوبه السينمائي فهو فيلم «طائر على الطريق»، وهو أيضاً الفيلم الذي خلق تلك العلاقة الفنية والإنسانية والمهنية الرائعة مع الممثل القدير الراحل أحمد زكي. سبب للأسى عبرت أفلام محمد خان دوماً عن مصر وطنه الذي ولد وتعلّم وعاش فيه، ولكنه لم يحصل على الجنسية المصرية إلا في 19 أكتوبر من العام 2014، وبقرار رئاسي من الرئيس عدلي منصور آنذاك، وكان خان يشعر بالأسى من تجاهل طلب الجنسية طوال سنوات ماضية، رغم أن أوراقه سليمة قانونياً، وتؤكد أن والدته مصرية، مما يجعله مستحقاً الجنسية من دون أي تدخلات عليا، ولكنها البيروقراطية الحكومية التليدة، التي سخر منها خان في فيلمه «خرج ولم يعد». بطاقة حياة * ولد محمد خان في القاهرة في 26 أكتوبر من العام 1942 لأب باكستاني وأم مصرية من أصول إيطالية، درس في معهد التقنيات السينمائية في لندن في عامي 1962 و1963 (المعروف حالياً باسم المدرسة الدولية للسينما)، وعمل في قسم السيناريو في الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي (فيلمنتاج). * قدم خلال مسيرته الطويلة 25 فيلماً، بدأها العام 1972 بالفيلم القصير «البطيخة»، والفيلم الروائي الطويل «ضربة شمس»، والذي عرض العام 1980. * حصدت أفلامه طوال مسيرته أكثر من 30 جائزة محلية وعربية وعالمية، أهمها: جائزة السيف الفضي، وجائزة أفضل ممثل عن فيلم «زوجة رجل مهم» من مهرجان دمشق السينمائي (1987)، والجائزة البرونزية في مهرجان فالنسيا السينمائي عن فيلم «أحلام هند وكاميليا» (1988)، وجائزة الخنجر الفضي من مهرجان مسقط السينمائي عن فيلم «في شقة مصر الجديدة» (2007)، وجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسكي) للأفلام العربية الروائية الطويلة، وجائزة أفضل ممثلة في مهرجان دبي السينمائي عن فيلم «فتاة المصنع» (2013)، كما فاز الفيلم نفسه بجائزة أفضل سيناريو من المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا في المغرب، وجائزة أفضل ممثلة في مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد 2014.. وغيرها كثير.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©