السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رؤية للعمل

رؤية للعمل
4 نوفمبر 2009 23:29
اشتغلت لسنوات عديدة بالعمل الثقافي العام إلى الدرجة التي تدفعني إلى التفكير جديا في الاعتزال، والاقتصار على الناقد الأدبي والأستاذ الجامعي، وهما الصفتان اللتان لا أزال أفخر بهما وأعتز. وأعتقد أن أهم ما خرجت به من دروس العمل الثقافي العام وخبراته أنه لا معنى لهذا العمل ولا تأثير إذا لم يكن صادرا عن رؤية حقيقية، أصيلة وفاعلة، ومن ثم قادرة على التأثير في مجالها. وتستند هذه الرؤية، في تقديري، على ثلاثة أركان تتبادل التأثر والتأثير فيما بينها. أما أولها فيتصل بالمجال المحلي للعمل الثقافي، هادفا إلى تحقيق ثقافة الاستنارة بكل لوازمها القائمة على العقلاني واحترام الاختلاف والعمل على خلق أوسع وأرحب لمجالات الحوار القائم على التسامح بين كل التيارات الثقافية التي لابد من احترام اختلافها وتنوعها. وثقافة التنوير ثقافة مدنية بالضرورة، تقوم على دعم الدولة المدنية، وتأكيد صفاتها الحديثة القائمة على دستور وقانون مدنيين، من صنع البشر. وكما تقوم الدولة المدنية الحديثة على مبدأ التنوع البشري، حيث القبول الطبيعي للاختلاف العرقي والجنسي والديني والجغرافي، فإنها تقوم على مبدأ التنوع الثقافي الخلاق، وهو مبدأ يفتح الأفق أمام كل الزهور لتتفتح. وما ينطبق على المجال المحلي الإقليمي أو الوطني، ينطبق على المجال القومي، خصوصا أن العالم العربي لا يتكون من كيانات متجانسة، سياسيا أو دينيا أو عرقيا أو ثقافيا، ولذلك فمبدأ التنوع الخلاق ألزم ما يكون في السياسات الثقافية القومية والعالم العربي كيانات غير متجانسة اقتصاديا في الوقت نفسه، ولذلك فمبدأ الاعتماد المتبادل أهم ما يكون في التخطيط الثقافي على المستوى القومي، خصوصا حين ننظر إلى الثقافة من حيث هي عملية إنتاجية يلزمها رأسمال قومي، يضخ الحيوية في أدوات إنتاجها وعلاقات إنتاجها على السواء. ويعني ذلك أن الدول الغنية يمكن أن تقدّم المال مقابل الخبرات البشرية والأيدي العاملة للدول غير الغنية، وهو أمر بالغ الأهمية إذا أردنا ثقافة قومية تغتني بالتنوع الثقافي القائم على التسامح وتقبل الاختلاف وتثرى بالحوار الذي يهدف إلى التقريب بين الإخوة الأعداء. أما المجال الأخير فهو المجال الإنساني ككل ثقافة عربية هي محلية بحكم فرادة أو تميز الموقع الجغرافي والتاريخي داخل العالم العربي، وهي قومية بحكم كونها فرعا من أفرع شجرة عربية واحدة، وهي إنسانية بحكم انتمائها إلى ثقافة العالم كله أو حضارة المعمورة البشرية. والمبدأ الحاكم هو التنوع الثقافي الخلاق في موازاة التنوع البشري القائم على احترام الهويات الثقافية والخصوصيات الحوارية والاعتماد المتبادل الذي يؤدي إلى تقدم جميع أقطار الكوكب الأرضي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©