السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين الهوى واللوم

بين الهوى واللوم
4 نوفمبر 2009 23:32
تحفل كتب الأدب بأخبار الشعراء لأنهم كانوا نجوم المجتمع وصفوة أهل الفن والإبداع فيه، فأهل السلطة والسياسة ينشدون دعمهم، وأهل الورع والدين يخشون تأثيرهم، وأهل الطرب والغناء يتسقطون أخبارهم ويتغنون بالعذب السائغ من أشعارهم، وقد قدر لبشار أن يلعب دوراً رائداً في هذا الصدد. روى هشام بن الأحنف، رواية بشار قال: إني لعند بشار ذات يوم، إذ أتته امرأة فقالت: يا أبا معاذ، عَبْدة تقرئك السلام، وتقول لك؛ قد اشتد شوقنا إليك، ولم نرك منذ أيام، فقال: عن غير مقليه (كُره) والله كان ذاك، ثم قال لراويته: يا أبا هشام خذ الرقعة واكتب فيها ما أقول لك ثم ادفعه للرسول، قال هشام فأملي عليّ: عبدُ إني إليك بالأشواق لتلاقٍ وكيف لي بالتلاقي أنا والله أشتهي سحر عينيك وأخشى مصارع العشاق وأهاب الحرْسيّ محتسب الجند يلف البريء بالفساق فهذه رواية طريفة، لأن عبدة هي التي تغريه وتعاتبه، وتبثه أشواقها من ناحية، ولأن السلطة التي يخشاها ويتوجس منها ليست معنوية تتمثل في لوم الزهاد والنساك فحسب، ولكنها تتصل بالشرطة ومحتسب الجند الذي يذكره باسمه ويحدد تهمة الفسق التي يرميه بها، فهذا هو المجتمع إذن يقف في مواجهة الشاعر مدافعا عن تحفظه وقيمه من نزقه وخروجه، ولم يكن لمثل بشار إلا أن يذعن للضغوط وتمثيل ما يطلب منه. روي عن محمد النوفلي أنه قال: أتيت بشارا ذات يوم، فقال: ما شعرت منذ أيام إلا بقارع يقرع بابي مع الصبح؛ فقلت: يا جارية، انظري من هذا، فقالت: مالك بن دينار، فقلت: مالي ولمالك بن دينار، ما هو من أشكالي، ائذني له، فدخل فقال لي: يا أبا معاذ، أتشتم أعراض الناس، وتشبب بنسائهم، فلم يكن عندي إلا دفعه عن نفس بأن قلت له: لا أعاود، فخرج من عندي وقلت في أثره: غدا مالك بملاماته عليّ وما بات من باليه تناول خودا هضيم الحشا من الحور مخطوطة عاليه فقلت دع اللوم في حبها فقبلك أعييتُ عذاليه وإني لأكتمهم سرها غداة تقول لها الجالية عبيدة مالك مسلوبة وكنت معطرة حالية فقالت على رقّةٍ إنني رهنت المرّعث خلخاليه بمجلس يوم سـأوفي به ولو أجلب الناس أحواليه فمع مطاردة السلطات المدنية والدينية لبشار وحصارها لحركته كان ينتقم لنفسه بسرد مطارحاته ومغامراته شعراً يفتن جمهوره ويذيع أمر نموذجه ويجعل سيرته هامشاً مفسراً لشعره وشارحاً ملابساته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©