الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أقنعة عبد الوهاب البياتي

أقنعة عبد الوهاب البياتي
4 نوفمبر 2009 23:33
ما زالت أشعار الشاعر العراقي الكبير عبد الوهاب البياتي تشغل النقاد والدارسين، فقد أصدرت سلسلة كتابات نقدية، دراسة للدكتور محمد مصطفى علي حسانين بعنوان “خطاب البياتي الشعري/ دراسة في الإيقاع والدلالة والتناص”، وتعامل الباحث مع مشروع البياتي باعتباره خطاباً متلاحم الأجزاء يضيء بعضه بعضاً عبر مسيرة شعرية ممتدة، أصدر خلالها الشاعر 22 ديواناً، صدر الأول عام 1950 وظهر الأخير 1999، وتميزت هذه الدواوين بتفاوت وسائل التعبير وقد برز البياتي منذ ديوانه الأول “أباريق” باعتباره واحداً من طليعة الحركة الشعرية في العراق، بل في العالم العربي كله، ساهم في إرساء دعائم قصيدة التفعيلة مع نازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وارتاد أفق التحديث في تشكيل النص الشعري العربي. قضايا وتقنيات يرصد الباحث الدراسات الأكاديمية حول شعر البياتي، بدءاً من “رسالة البياتي شاعر النضال والإنسانية” عام 1958 بالجامعة السورية، وصولاً إلى رسالة “قضايا الإنسان المعاصر في شعر عبد الوهاب البياتي” بجامعة عين شمس عام 1995 وغيرها من الدراسات التي أجريت في بيروت والمغرب وتونس ومصر، ويلاحظ أن معظم هذه الدراسات على وفرتها تسير في اتجاه واحد، هو الجانب الأيديولوجي من دون بقية الجوانب الأخرى، وهذا يتوقف على مرجعية كل باحث. ففي الخمسينات والستينات كانت الأفكار والرؤى الاجتماعية وأفكار الصراع الطبقي والثورات السياسية والاجتماعية، هي الغالبة على الباحثين والنقاد. مما دعا الباحث إلى الاحتفاء بخطاب البياتي في مجمل جوانبه. وفي شعر البياتي عدة تقنيات أسلوبية بارزة تباعد بين الشاعر والقصيدة من خلال عمليات التحويل للضمائر الشخصية، وتعد قضية “القناع” واحدة من هذه التقنيات البارزة في إزاحة عملية التطابق بين الشاعر ونصه، وحين يقول الناقد إن الكلمات هي “قناع” للمؤلف فهذا يعني أن المؤلف قدم شخصية مقنعة، وقد استثمر البياتي ذلك لتخطي ذاتيته، فالشاعر ـ كما يقول البياتي ـ “يعمد إلى خلق وجود مستقل عن ذاته، وبذلك يبتعد عن حدود الغنائية والرومانسية التي تروي أكثر الشعر العربي فيها”. ويقول البياتي أيضا “إن القصيدة في مثل هذه الحالة عالم مستقل عن الشاعر، وإن كان هو خالقها”. أغلب أقنعة البياتي تم استدعاؤها من التراث العربي والفارسي وإعادة تأويلها من جديد ويصبح القناع وسيلته للتعبير، ويستحضر الباحث مقارنة بين بنية الأقنعة لدى البياتي وفي الشعر العربي المعاصر، ويخلص إلى عدة أمور من بينها أن البياتي يتفرد مع أودنيس في الشعر الحداثي باستحضار القناع بكثافة، واضحة في الأعمال الشعرية، فقد وصل عدد الأقنعة عند البياتي إلى عشرة أقنعة، وعند أدونيس إلى تسعة، أما عدد القصائد المحملة بالأقنعة فهو 12 قصيدة لدى كل منهما، وأقنعة البياتي جميعها ـ كما يرى الباحث ـ غير متكررة عند شعراء آخرين، وهو يتفرد بتوظيفها كما ينفرد هو باستحضار القناع من مصادر أولى، لا تتوافر لعدد كبير من الشعراء، حيث ينفرد بالبحث عن أقنعة من الشعر الفارسي ومن المسرح الإنجليزي. ويحتل البياتي المرتبة الأولى بين الشعراء في استمداد القناع من التراث الصوفي فنجد لديه الخيام والعطار والرومي والسهروردي والحلاج وابن عربي، ويلاحظ أنه لا يبقى كل الإطار العام للشخصية، بل يعيد إنتاج القناع من جديد بفاعليات من نصوص أخرى مما يؤدي إلى تناسخ الإشارات، واعتمد البياتي على القناع في كثير من القصائد عبر تسعة دواوين ويأتي في مقدمتها ديوانه “الذي يأتي لا يأتي” وديوانه “الموت في الحياة” وقد استخدم فيها قناع الخيام. ويعمد البياتي في قصائد القناع إلى جدلية التحول الداخلي للضمائر الشخصية ومراجعها بما يقضي في كثير من نماذجه إلى درجة من الالتباس، ويلاحظ ذلك في قصيدته “محنة أبي العلاء” حيث تبدو فاعلية التناهي بين أنا الشاعر الغنائي وأنا القناع المعري. “كان زمانا واعرا، يا سيدي، الشعراء غرقوا فيه ما كانوا سوى خراف وكنت انت بينهم عراقي أو كنت في مأدبة اللئام شاهد عصر ساده الظلام” وهذا التداخل من صوت سارد مغاير لصوت المعري، يؤدي إلى خلخلة القناع، إلا أن هذا التداخل يؤدي إلى رؤية المعري، وإعادة تحديد هويته في ضوء اللحظة التاريخية المنفلتة والكناية بشخصيته عن الواقع الراهن. الأسطورة والرمز مع ديوانه الذي يأتي بدأ النص الشعري عند البياتي يكون رؤيته باستخدام الرموز والأقنعة، وأخذ البياتي يصنع لغته معتمداً على التواشيح مع الأساطير والدخول في التراث العربي، والعالمي، ورمز “عائشة” هو رمزه الشامل الأكثر إشكالية وتلازماً بخطابه الشعري، وهو رمز قادر على الانفتاح والتمرد والتنامي المستمر عبر دواوينه المتلاحقة، ففي هذا الرمز يعيد خلق الأساطير والتجارب الدالة علي الحب. ويتشكل رمز “عائشة” أولاً بالاشتقاق اللغوي من مادة “عاش” واسم الفاعل المؤنث الدال على استمرار الحياة وديمومتها فيفرد تعويذة البقاء والتجرد، ويتماهى الاسم واقترابه بالمجانسة الصوتية مع الآلهة السومرية “عشتار” ويكتسب أسطورة الموت والانبعاث، ولحظة الميلاد الجديد. ويتميز الخطاب الشعري لدى البياتي بالقدرة على استثمار الشخصيات الصوفية وخطابها، حيث يقوم بتحويلها إلى نماذج تحمل دلالات معاصرة، ترتبط بالواقع المعاش وقضاياه. وهو يوظف اسم الشخصية أو يتقاطع مع مسيرتها ويدخل في حوار مع نصوصها. ففي قصيدة “كنوز الفقراء” يقول: “المهراجا قال لغالب ماذا جئت بهذا الخاتم قطرة سم أم تعويذة حب أم جارية حسناء؟ فأجاب بحزن: جئت بهذا الخاتم شعري وكنوز الفقراء” غالباً هنا هو “اسد الله غالب” شاعر هندي متصوف، يستغل اسمه فقط، من دون أن ينقل عنه أي عبارة أو حتى سيرته ولكنه ينقل دلالة كنوز الفقراء التي تحمل لدى المتصوفة دلالة روحية ولكنها هنا تحمل دلالة مباشرة، إذ تعني الفقر بمعناه المباشر، فضلاً عن دلالته الروحية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©