الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

قطاع البريد العالمي بين مطرقة الركود الاقتصادي وسندان التواصل عبر الإنترنت

قطاع البريد العالمي بين مطرقة الركود الاقتصادي وسندان التواصل عبر الإنترنت
4 نوفمبر 2009 23:41
بدأ العاملون في قطاع البريد الملكي البريطاني أمس الأول إضراباً جديداً في كافة أنحاء المملكة المتحدة، فيما يسيطر الغموض على مستقبل هيئات البريد التقليدية في اليابان وأميركا وفرنسا، حيث تراجع استخدام البريد الورقي بشكل كبير خلال العقد الأخير تحت ضغوط الرسائل عبر الإنترنت والرسائل القصيرة عبر المحمول، مما يجعل هيئات البريد في العالم تبحث عن استراتيجية للبقاء في وسط عالم اقترب من نسيان ساعي البريد التاريخي. وخلال الأسبوع الماضي، أقالت حكومة اليابان الجديدة رئيس هيئة البريد الوطنية ومعظم مجلس إدارتها وتعتزم إلغاء خصخصة قطاع البريد. وفي الولايات المتحدة اضطرت هيئة البريد الغارقة في الديون إلى إرجاء تسديد مستحقات صندوق تقاعدها. وفي فرنسا يوشك المشرعون على عرض مشروع تغيير وضع هيئة البريد القانوني من كيان حكومي إلى شركة، الأمر الذي يلقي معارضة البعض لأنه يمكن أن يفتح مجال الخصخصة. الركود «القاتل» قبل الأزمة الاقتصادية العالمية، بدأ نشاط إرسال المواد المطبوعة عتيقاً، ولكنه كان على الأقل مزدهراً في الدول الغنية، فالتحول الإلكتروني الذي وجه فيه الأفراد والشركات حساباتهم واتصالاتهم إلى الإنترنت اعتبر أمراً حتمياً في الأجل الطويل، ولكنه كان يجري بوتيرة معتدلة وكانت أحجام الخطابات تتناقص بنسبة بسيطة كل سنة ما كان يتيح توفير إيرادات كافية للحفاظ على هوامش ربح معقولة. ولكن الركود قاد قطاع البريد إلى أزمة حادة، فالشركات التي تشكل 80 في المئة أو أكثر من إيرادات الرسائل في شركات البريد قامت بتقليص ميزانيات إعلانات البريد المباشر ولجأت إلى أساليب بديلة ضمن إجراءات خفض النفقات. وراحت الشركات تشجع الزبائن على التعامل إلكترونياً وتعرض عليهم حسومات وتنزيلات تحفيزية. كذلك يعتقد العديد من الشركات والمنظمات أن المواد المطبوعة تضر البيئة. وبرز أن البريد الشخصي، الذي لا يمثل سوى شريحة صغيرة من أحجام الرسائل، أكثر صموداً أمام الأزمة، ولكنه أيضاً يتحول تدريجياً إلى البريد الإلكتروني والرسائل النصية ومواقع وشبكات التواصل الاجتماعي. ويخشى آدم كروزير رئيس البريد الملكي البريطاني من أن موجة الإضرابات الجديدة ربما تدفع مزيداً من الناس إلى إرسال بطاقات تهاني إلكترونية في أعياد الكريسماس خلال ديسمبر المقبل، بدلاً من البطاقات التقليدية، في ظل انكماش عدد الخطابات المرسلة بوتيرة أسرع من الانكماش الاقتصادي في بريطانيا. وتتوقع العديد من شركات البريد تراجع أحجام الخطابات بنسبة 5 إلى 10 في المئة أو أكثر خلال 2009. وشهد قطاع البريد الأميركي تراجعاً بلغ 14? بنحو 28 مليار رسالة بريدية في العام المنتهي في سبتمبر. ويتوقع مينو ساندرس المحلل في “مورجان ستانلي” أن يتقلص حجم رسائل البريد الأوروبي إلى النصف خلال السنوات العشر المقبلة، هذا بالإضافة إلى أن الخدمات البريدية في أوروبا ستواجه المزيد من التنافس بالنظر إلى أنه اعتباراًَ من عام 2011 من المقرر إنهاء كل ما تبقى من احتكارات توصيل البريد. ومن الطريف أن اليابان لا تعاني بهذا القدر حيث تراجعت أحجام رسائل البريد بنسبة 2 في المئة فقط هذا العام. وفي نوفمبر 2008، أعلنت هيئة البريد في أميركا التي عصفت بها الأزمة ثاني خسارتها السنوية على التوالي البالغة 2.8 مليار دولار وتتوقع أن تخسر المزيد هذا العام. ولكن خدمات البريد الأوروبية زادت من ربحيتها من بداية هذا العقد ولكنها قد تبدأ سريعاً في الخسارة لو استمرت الإيرادات تتراجع بالمعدلات الحالية، فقسم الخطابات في البريد السويسري مثلاً يقول إن هامش أرباحه سيتقلص من 8.5 في المئة عام 2008 إلى 3.3? خلال 2009. ساعي البريد يبحث عن عمل لعل السؤال المطروح اليوم، هو ماذا ينبغي على ساعي البريد عمله في المستقبل؟. ربما إحدى الأفكار هي الاستفادة منهم في شركات الإنترنت المتخصصة في تسليم الرسائل المطلوبة عبر EBAY، وأمازون AMAZON وغيرها من مواقع الشبكة، حيث إن مؤسسات البريد الوطنية تهيمن حالياً على ذلك القطاع من السوق وهي مؤهلة للاستفادة منه، غير أن الشركات المتخصصة في الطرود مثل هيرمس الألمانية ستتزاحم أيضاً وسيكون التنافس على أشده، وهناك استراتيجية أخرى هي تطوير مزيد من نسخ البريد الإلكتروني الآمنة، فالسنة المقبلة ستبدأ هيئة البريد الألمانية مثلاً ببيع “خطابات” إلكترونية تقول الهيئة إنها أكثر أمناً وأكثر موثوقية من رسائل البريد الإلكتروني. كما أن عملية الأتمتة التي تقلل نفقات العمالة ستكون ضرورية لتعويض تراجع الأحجام، ذلك أن البريد الملكي البريطاني الذي يعد الهيئة البريدية الأوروبية الغربية الوحيدة التي تخسر نتيجة تقلص أحجام البريد يعيبها أنها أقل من نظرائها من حيث الأتمتة. ويقوم عاملوها بفرز جميع رسائلها يدوياً قبل تجهيز جولات التسليم بينما تقوم هيئات البريد الأكثر كفاءة مثل هيئة البريد الألمانية وهيئة البريد الهولندية بفرز 85 في المئة من رسائلها آلياً. ومن شأن التحديث الأساسي أن يكفل لهيئة البريد البريطاني هامش ربح يبلغ 8 في المئة حسب بحث أجري عام 2008. تغييرات جذرية إن الواقع الحالي يجبر القائمين على هيئات البريد على القيام بالمزيد من التغييرات الجذرية، إذا رغبوا في تجنب الخسائر. ويدرك بعض كبار مسؤولي البريد أنه ينبغي التخلي عن “تسليم اليوم التالي” على الأقل لزبائن الأعمال، وحالياً يعتبر تسليم اليوم التالي أهم معايير الجودة في قطاع البريد، ولكن بعض الناس يعتقد أنه ليس له لزوم بالنظر إلى أن البريد الإلكتروني بالطبع يسبق أسرع أنواع البريد العادي. فمن شأن إلغاء تسليم اليوم التالي خفض التكاليف بشكل كبير نظراً لأنه سيتيح لهيئات البريد تقليص نفقات رحلات الطيران السريعة وتكاليف الفرز الليلي. ويصعب تقليل عدد مكاتب البريد لأسباب سياسية ولكن إن استطاعت شركات البريد تقليل عدد أيام الأسبوع التي تسلم فيها البريد وبالتالي تقليل عدد الموظفين فإن التكاليف ستقل، في ذلك السياق طلب جو بوتر رئيس هيئة البريد الأميركية من الكونجرس دراسة السماح للخدمات البريدية أن تخفض التسليم من 6 أيام إلى 5 أيام وربما تنتهج هيئات بريدية أخرى نفس النهج، كما أن رفع أعباء الرواتب التقاعدية الهائلة على الحكومة سيكون بمثابة مكسباً لخدمات البريد - غير أن جميع هذه التغييرات تتوقف على وجهات نظر الساسة. في الوقت نفسه، فإن للعديد من شركات البريد أنشطة ناجحة أخرى غير الرسائل، فشركة البريد الألمانية وشركة “تي ان تي” للبريد على سبيل المثال لدى كل منهما قسمان مهمان واحد للطرود والآخر للإرسال السريع كما أن للبريد الألماني وحدة خدمات لوجستية، وهو الأمر الذي سيساعد هذه الشركات المخصصة تعويض تناقص الخطابات البريدية، ويمكن لشركات البريد الأخرى التي تعاني مالياً التوجه للأنشطة المصرفية التي تبدو مؤهلة للنمو والتي في مقدورها مع مرور الوقت دعم أقسام البريد الخاسرة، فهناك عدد من الهيئات البريدية الوطنية منها هيئة البريد الإيطالية وهيئة البريد اليابانية التي تملك أكبر بنك في العالم من حيث الودائع نجد أن إيرادات الخدمات المالية تزيد فعلاً عن إيرادات البريد، وخلال الأزمة استفادت بنوك بريدية في فرنسا وسويسرا وإيطاليا بشكل كبير نظراً لبحث المودعين عن ملاذ آمن. ففي شركة البريد السويسرية يتوقع أن يزيد هامش ربع الوحدة المصرفية من 10 في المئة عام 2008 إلى 17 في المئة هذا العام وتسعى الشركة حالياً إلى الحصول على رخصة نشاط مصرفي كاملة بحيث يمكنها أن تقدم قروضاً للأفراد والشركات مباشرة وليس عن طريق شركاء كما هو متبع حالياً، كما تعزم “لابوست” الفرنسية توسيع بنكها البريدي لابنك بوستال وتتطلع هيئة البريد الأميركية إلى أن يوافق الكونجرس على قيامها بتقديم خدمات مالية أيضاً. الاندماج وفي الآونة الأخرة، اندمجت هيئتا البريد السويدية والدنماركية في خطوة تعد الأولى في مجال اندماج قطاعات بريد عبر الحدود، وذلك خشية احتمالات الأداء الواهن مستقبلاً وأيضاً بسبب منافسة شركة البريد النرويجية التي كانت قد بدأت في مزاولة نشاطها في السويد، ويعكف مسؤولو القطاع في العديد من الدول على دراسة جدوى اندماج هيئات البريد الوطنية بين الدول حسب بول ثيدهام من “اي تي إيه كونسلتنج” في ألمانيا. وفي الوقت الحالي يتفاوت النشاط البريدي بين خدمات حكومية بطيئة الحركة متمركزة محلياً في أغلب الأحوال مثل لابوست الفرنسية وبين شركات مخصصة أكثر كفاءة توسعت وتجاوزت حدودها بكل جسارة مثل “تي إن تي بوست” وشركة البريد الألمانية “دويتش بوست، ومن المنتظر أن تدعم عمليات التحرر الاقتصادي عام 2011 التوجه الثاني رغم أنهما تعانيان أيضاً من تقلص أحجام الرسائل البريدية، وعلى كل حال من المؤكد أن الخدمات البريدية حول العالم ستخضع لكثير من الجدال خلال السنوات المقبلة. عن “ذي ايكونوميست”
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©