الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تعلُّم فن التقدم في السن»

4 نوفمبر 2009 23:48
هذا العنوان هو عنوان كتاب لطبيب العصبية الألماني (هارتموت راديبولد وزوجته هيلديجارد وكلاهما باحث في مشكلة تقدم العمر والتكيف معها وتعلمها على حد تعبيرهما؟). يبلغ الطبيب هارتموت 74 عاماً وزوجته 67 وفي الدراسة التي تقدم بها في كتابه الجديد الذي نشرته مؤسسة (كليت – كوتا -) يعتبر أن الكثير ينكر التقدم في السن ولا يتكيف معه، بل يبغضه ويتظاهر بخلافه فيصبغ شعره، وينكر شكله، ويلعب بشاربيه، ويخفي مظهره، في محاولة لإيقاف الزمن وافتراسه للعضوية، خاصة عند المرأة التي تتصابى وتحاول الإبقاء على مظاهر أنوثتها وجمالها، ولو بتناول الهرمونات التي تقودها في النهاية لسرطان الرحم والثدي. ويعتبر طبيب العصبية هارتموت أن هذا المركب يجب تعلمه، كما هو في أي فن من تعلم لغة، ومرافعة في محكمة، كذلك السن والتقدم فيها كانا قدراً مقدوراً، فيجب إدراك حلاوة كل مرحلة في العمر. وهذا هو ما أشار إليها عالم النفس ايركسون عن أزمات الارتقاء الثماني في رحلة الإنسان عبر السنين. ويعتبر التقدم في السن بدءاً من سن الخامسة والستين أنه مؤشر الدخول إلى المرحلة الثالثة من عمر الإنسان، وهي ليست أسهلها ولا أحبها ولا أحسنها، ففيها يخف الإنتاج، وأثناءها يضعف البدن وتطقطق المفاصل ويعشو البصر وتضعف الذاكرة. ويقول إن هناك الكثيرين من المحاضرين المرموقين المتقدمين في السن ممن يصابون بتفكك الذاكرة يستمرون في محاضراتهم، ولا يردعهم طلابهم أو ينبهونهم مع كل ملامح الانهيار الأليم، حباً فيهم ومداراة بهم واحتراماً لهم، وهو ليس من احترام العلم... ويقول عن نفسه: إنه في اللحظة التي يصل فيها هذه المحطة سوف يتوقف عن التدريس وإلقاء المحاضرات، التي هو ناشط فيها هذه الأيام. بل ويتطرف عند هذه النقطة، فهو يعتبر الإنسان كياناً واعياً، فإذا خرف وزال الوعي كان حرياً به أن يعلن مغادرته الحياة، ويقول: لقد تكلمت مع ابني وهو مثلي طبيب وقلت له لا تكونوا عقبة في طريقة مغادرتي الحياة إن أردت، فما فائدة وجودي إن بقيت نباتياً، ولم أعد إنساناً مكرماً بالإنسانية التي هي الوعي. وهذا الأمر حزين، فقد كنت في زيارة لرجل أحبه في كندا، فاجتمعت بوالده فقرأت ملامح الانهيار في وجهه، قال لي: إنه خرج مرة من البيت ولم ننتبه له وإذا بالشرطة الكندية تقرع الباب وتقول هل تفتقدون أحداً؟ قلنا: لا! فدفعوا بوالدي إلى داخل المنزل... قالوا لقد مضى علينا ساعة ونحن نحاول التأكد من معرفة المنزل، الذي شرد منه! فضرب صديقي يده على رأسه، أمام أثر تطاول العمر على سلوك الإنسان! قلت له: إنها بدايات الزهايمر! قال: لا إن الأطباء وصفوه بالعته أو الخرف! قلت: هو ما عناه القرآن (يُرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئاً)... أو بتعبير سورة يس (ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون). وفي الطب نعرف هذه الظاهرة بيولوجياً من بدايات ترابط النورونات عند الأطفال ونمو المعرفة عندهم، وتفكك هذه الارتباطات مع تقدم السن، فتبدأ الذاكرة تخبو ويضعف البدن، في مجموعه في رحلة إلى الهبوط من دون توقف فهذا هو نظام الحياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©