الجمعة 10 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بعد السقوط.. لا يحسن السكوت!

14 يونيو 2017 00:40
الآن فقط نستطيع أن نقلب صفحات كتاب النظام العربي المنهار، بعد أن كان هذا الكتاب مغلقاً على ما فيه من عفن وأورام سرطانية خبيثة. وكنا نكتفي بغلاف أنيق لكتاب أسود، ولم يكن مسموحاً بفتح صفحات هذا الكتاب. وكنا مطالبين بأن نكتفي بالنظر إلى غلاف جميل مليء بعبارات الشجب والإدانة والاستنكار والأخوة والأشقاء والعمل العربي المشترك والمحادثات المثمرة والمفيدة والعلاقات والأواصر المتينة والمصير الواحد وتطابق وجهات النظر.. وقد كانت رائحة السطور الكريهة تزكم الأنوف.. لكننا كنا مطالبين بأن نفقد حاسة الشم، وأن نكذب أنوفنا التي تشم رائحة الجثة المدفونة في صفحات هذا الكتاب المقبرة. كان النظام العربي ميتاً وقد شبع موتاً منذ عشرات السنين، لكننا لم نعترف رغم رائحة الجثة. ورفضنا بإباء وغباء وشمم أن نستخرج له شهادة الوفاة أو ندفنه. احتفظنا بجثة متعفنة ومتحللة ورأسنا وألف سيف أن النظام العربي الميت مازال حياً. إنها رذيلة الإنكار العربية، ورذيلة غض الطرف عن مستصغر الشرر حتى أتت النار على الأخضر واليابس في هذه الأمة. غضضنا الطرف عن الدول العربية الخائنة والمتآمرة. وعن جامعة الدول العربية التي ظلت منذ نشأتها كياناً ميتاً لا قيمة له ولا وزن. واكتفينا بتجميل صورة أصل قبيح ودميم وذميم. الصورة حلوة، والخطب حلوة، والقشرة حلوة لكن اللباب والأصل والفعل من أسوأ ما يكون. كنا نقتات على طعام فاسد ومنتهي الصلاحية اسمه النظام العربي والتضامن العربي والعمل العربي المشترك. كنا نهون من قنبلة موقوتة مزروعة في قلب هذا النظام، ونقول إنها غير مؤثرة، حتى فوجئنا بانفجارها في الأمة كلها. فتمزق النظام العربي وانهار على رؤوسنا جميعاً. الآن يخسأ من يقول إن النظام العربي آيل للسقوط فقد سقط فعلاً. ويخسأ من يقول إن كل شيء قابل للحوار والتفاوض. ويخسأ من يقول: تعالوا نفتح صفحة جديدة وعفا الله عما سلف. ويخسأ من يبكي بعد سنوات من موت النظام العربي، بل يخسأ من يظن أنه كان هناك نظام عربي من الأساس وأمة عربية واحدة من الأساس. النظام العربي والأمة العربية والجامعة العربية والعمل العربي المشترك. كل ذلك ولد ميتاً. كل ذلك مجرد كلمات حق يراد بها باطل. والأمة عانت طويلاً من الشعارات التي بلا مضامين. ومن كلمات الحق التي أريد بها باطل وإجرام وإرهاب وخراب ودمار مثل الإسلام هو الحل.. والله أكبر. وإسلامية إسلامية.. الآن فقط فوجئنا بأن النظام العربي كان رمة وأشلاء متحللة لا قيمة لها. وقد حشونا الشعوب بشعارات وأناشيد وطنية وقومية وعندما سقط النظام العربي الميت فوق رؤوس الجميع مازال فريق من الشعوب العربية مغيباً. مازال في مرحلة الإنكار. غير معقول أن تتآمر دولة عربية مع الإرهاب لتدمير دولة عربية أخرى، غير معقول أن تدعم قطر الإرهاب وتموله وتأويه وتطلقه كالكلاب المسعورة لنهش دول وشعوب أمتها.. هذا الفريق المغيب يعيش مرحلة الذهول بعد أن حشوناه شعارات عن القومية والأخوة واللحمة والتضامن.. وسيظل هذا الفريق مذهولاً إلى أن يفرغ بطنه من الشعارات ويفيق على الحقيقة السوداء المرة.. وهي أنه لم يكن هناك نظام عربي ولا أمة عربية.. بل ولا شعوب عربية.. هناك فقط استقواء فريق عربي بالأجنبي ضد العربي.. هناك آلاف وملايين العرب قتلوا بأيدي العرب.. هناك كذبة كبرى صدقها فريق ضخم من الشعوب المغيبة اسمها الأمة العربية والنظام العربي. الآن بعد أن سقط النظام العربي الميت.. لا ينبغي إضاعة الوقت في التباكي عليه فهو لا يستحق قطرة دموع واحدة. ذهب في ستين داهية. تحول إلى أنقاض، ولم يعد هناك جدوى من الترميم أو الترقيع. لم يعد هناك وقت للشعارات والوساطات. لابد من القفز فوراً إلى المرحلة اللاحقة، وهي بناء نظام عربي حقيقي قائم على ركيزتين لا ثالثة لهما. وهما العداء لإيران والعداء للإرهاب بكل جماعاته وكياناته وعلى رأسها جماعة «الإخوان» أم الإرهاب والرحم التي ولدته. وهنا لابد أن يُقال: من ليس معنا في الركيزتين فهو ضدنا. لابد من مجلس أمن عربي بديل للكيان الهش الميت المسمى جامعة الدول العربية، وهذا المجلس يضم خمس دول متفقة على الركيزتين الثابتتين.. وركيزة أخرى ثالثة هي الحذر من تركيا وليس العداء لها الآن.. والدول الخمس هي الإمارات والسعودية والبحرين ومصر والأردن. وبهذا الحساب البسيط يمكن القول إن هذه الدول العربية الخمس هي الوحيدة المتبقية من الأمة العربية.. وباقي الدول العربية تنقسم لأقسام، دول مخطوفة، ودول رمادية بلا موقف. ودول لا فرق بين وجودها وعدمها.. ودول خارج النظام العربي وصارت عبئاً عليه لأنها تدعم الإرهاب وتخضع لإيران.. والدول العربية الخمس هي الدول الدائمة في مجلس الأمن العربي، ويمكن أن تكون هناك دول غير دائمة. والدول الدائمة في مجلس الأمن العربي هي التي لها حق النقض. فالأمن العربي هو الأول والأخير، فلا اقتصاد ولا سياسة ولا ثقافة، ولا فن ولا إبداع بلا أمن. ولابد أن تسقط ورقة التوت المسماة العداء لإسرائيل. لأن العداء لإسرائيل هو قميص عثمان الذي لبسه الإرهاب لتدمير الأمة العربية. ونحن لم يعد لنا سوى عدوين لا ثالث لهما هما إيران والإرهاب. وحتى إذا كانت إسرائيل عدواً فهي عدو عاقل. أما «الإخوان» والإرهاب وإيران و«حماس» و«حزب الله» و«الحوثي» وقطر، فكل هؤلاء عدو أحمق متآمر. إسرائيل تريد أن تعيش معنا وبيننا وأما هؤلاء فيريدون أن يعيشوا على أنقاضنا. وقد حانت لحظة المكاشفة، ولم يعد هناك وقت للتزويق والتنميق والشعارات الجوفاء. وعلينا أن نواجه الحقيقة. وبعد السقوط لا يحسن السكوت! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©