الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
علوم الدار

حكاية 12 مواطناً في «مشرحة» أبوظبي

حكاية 12 مواطناً في «مشرحة» أبوظبي
11 ابريل 2015 23:00
أحمد عبدالعزيز (أبوظبي) للمرة الأولى في الإمارات يقتحم 12 مواطنا شابا «المشرحة» التي تعد من أصعب المهن في سوق العمل، في وقت دعت فيه هيئة الصحة - أبوظبي المواطنات إلى اقتحام نفس المجال في ظل حاجة ماسة إلى وجود أبناء الوطن في هذه المواقع المهمة والحساسة من العمل. «الاتحاد» تعرف القراء اليوم ضمن جولة في مشرحة أبوظبي على ما يقوم به هؤلاء المواطنون -يعملون في أبوظبي والعين والمنطقة الغربية- من مهام صعبة وتجارب كبيرة، يتعاملون فيها مع جثث هامدة، حيث تحدثوا عن بداياتهم في هذه المهنة التي تبدو للوهلة الأولى مهنة غير محببة للغاية وصعبة في نفس الوقت، اذ لا يمكن لاي احد أن يمتلك القدرة على التعامل مع الأشخاص الذين توفوا سواء وفاة طبيعية أو في حادث مروري أو بسبب الانتحار، بالاضافة الى تحديات واجهوها على صعيد أسرهم وأصدقائهم في بداية الأمر إلا أن نظرة المجتمع المحيط بهم تغيرت مع الوقت بفضل إصرارهم على النجاح. المواطن محمد عبدالله الجنيبي (أحد العاملين بالمشرحة)، قال: «بدأت عملي في مشرحة أبوظبي منذ عامين تقريبا وأتذكر أول يوم عملي لي في هذا المكان وكانت بالنسبة لي تجربة جديدة لأول مرة أن أدخل مشرحة بل الأمر مختلف حيث إنها للعمل والتعامل مع المتوفين وحفظ الجثث في الثلاجات المخصصة لهذا الغرض». واشار الى أنه واجه تحديات حينما بدأ العمل في هذا المجال من قبل الوالدين والأخوة والأصدقاء إلا أنهم بعد أن وجدوا إصراره على النجاح في العمل الذي يعتبره مهمة وطنية وافقوه الراي. ولفت الجنيبي (30 عاما) إلى أنه حصل على شهادة الثانوية العامة ويسعى لإكمال دراسته الجامعية مع الاستمرار في عمله الذي يؤمن بأهميته، وذلك بعد أن حصل على الوظيفة من قبل هيئة الصحة أبوظبي. وبين أن العمل في المشرحة يعد بمثابة نقطة تحول في حياته حيث انه أصبح يدرك قيمة الحياة ويحافظ على سلامته وسلامة من حوله في أثناء القيادة وأصبح يرى في الحياة جوانب جديدة لم يكن يراها من قبل وهي أن يهتم بكل من حوله من الأهل والأصدقاء حيث إن الإنسان يفقد حياته في لحظة. وأكد أنه يتدرب باستمرار على كيفية التعامل مع جثث المتوفين حيث إن دور المشرحة هو حفظ الجثامين في حال البحث الجنائي وقيام الشرطة والنيابة العامة والطب الشرعي بدورهم في حال الوفاة غير الطبيعية في حوادث القتل والانتحار. وعن كيفية نقل الجثمان، قال: إن فريق العمل الميداني لا يتحرك إلا بعد التأكيد من الأطباء على أن الإنسان قد توفي بالفعل حتى يمكنهم التعامل مع الموقف وبعد أن يقوم أفراد البحث الجنائي بالانتهاء من عملهم وتحقيقات الشرطة والنيابة العامة وبعدها يتم السماح لفريق المشرحة بالدخول لمسرح العمليات والقيام بمهام نقل الجثامين وحفظها على حالتها. أسرار وخصوصية إلى ذلك، قال المواطن عبدالله الهنائي (أحد العاملين بالمشرحة): «إن هذا المكان له خصوصيته ويراعي فيه عدة عوامل في أثناء العمل وهي الخصوصية والكتمان الشديدين ولا يمكن الإفصاح عن أي معلومة أو ما نشاهده في خلال التعامل مع جثث المتوفين». وأضاف: ان الحالة التي نشاهدها للمتوفين في الحوادث أو المنتحرين أو الذين يقضون حياتهم في حوادث قتل، لا يمكن الإفصاح عنها لأي شخص حيث إن ذلك من أخلاقيات المهنة واحتراما لكرامة الإنسان. وتابع الهنائي (23 سنة): «انا متزوج ولدي طفلة والتحقت بالعمل منذ عامين تقريبا بعد أن حصلت على الثانوية العامة وتقدمت لهيئة الصحة للحصول علي طلب وظيفة وتلقيت هذا العرض وفي البداية لم أكن أتصور آلية العمل وحضرت للتعرف ووجدت أنها رسالة إنسانية أكثر من كونها وظيفة». وأضاف: ان أول يوم عمل لن انساه في حياته حيث كانت معاناة حقيقية بعد أن شاهدت أول حالة لحادث وفاة حرقا ولم يكمل 10 دقائق في مسرح العمليات وكان يتواجد الدكتور المرافق لفريق العمل وتراجع وتوجه للمنزل وكان في حالة صدمة من هول المنظر الذي كان يشاهده لأول مرة في حياته. وأشار إلى أنه كان يحتاج إلى العمل ويبحث عن وظيفة واستغرق الأمر نحو أسبوعين حتى تمكن من تكوين فكرة عن العمل واستمر إلى نحو ثلاثة أشهر كاملة للاقتناع التام بهذه المهنة الإنسانية التي أسهمت بشكل كبير في تغيير وجهة نظره في الحياة حيث أدرك قيمة الوجود بعد أن شاهد حالات انتحار وقتل ووفيات بسبب سقوط من مرتفعات وحروق. خبرات جديدة ولفت إلى أن أهم الخبرات التي اكتسبها من العمل في المشرحة هي التعامل مع أهل المتوفين الذين يعانون من هول الفاجعة وكيف يمكن السيطرة عليهم ومعاملتهم بشكل إنساني في الوقت الذي يطلب فيه البعض منهم أن يروا المتوفين وهذا مخالف للقانون حيث إن المتوفي لا يمكن أن يراه إلا العاملون في الطب الشرعي ثم حفظ الجثة في الثلاجة في حال استمرت التحقيقات إذا كانت الوفاة غير طبيعية وإذا كانت وفاة عادية تجري الإجراءات من دون تأخير بحسب التعليمات الإدارية والقانونية وهي إكمال الإجراءات في أسرع وقت ممكن وفي جميع أيام الأسبوع. وأوضح أنه يحب عمله ويدرك قيمته وأهميته، مقتنعا أنه لا يعيقه عن التطور في حياته المهنية ومنها الدراسة الجامعية التي تسهم في تطوير أدائه في العمل الذي يمكن أن يتواجد فيه على مدار ثلاث ورديات عمل بالتناوب مع الزملاء، مشيرا إلى أنه يتابع الدراسة في الجامعة وعمله إلى جانب الدورات التدريبية التي يجب أن يحصل عليها. وأكد أن أهم الخبرات التي اكتسبها هي التحنيط للجثث وحفظها في الثلاجات والتي يمكن أن تبقي أربعة أو خمسة أيام لأغراض التشريح في حال وفيات القتل والانتحار أما في حالات الوفاة العادية فلا يتم تحنيط الجثث بل يتم اتمام الإجراءات واستخراج شهادة الوفاة واستخراج باقي التصاريح ثم البلدية التي تشرف على باقي الخطوات المتعلقة بالغسل والتكفين وخروج الجثمان للدفن أو التسفير لخارج الدولة. أسرار الموتى من جانبه، قال حمدان راشد القبيسي (أحد العاملين بالمشرحة): «إنني أكملت الان عامين من العمل في المشرحة وبداية الأمر كنت أعمل في إحدى الجهات الحكومية لكني وجدت هذه المهنة براتب أفضل ويتراوح بين 20-25 ألف درهم وعرفت عن الوظيفة من هيئة الصحة أبوظبي وبدأت العمل وبعد شهر كامل قررت المواصلة في عملي الحالي». وأضاف أنه في البداية كانت الأمور أكثر صعوبة حيث إن المهنة لها مهام خاصة مثل السرية في التعامل مع جثامين المتوفين والقتلى في الجرائم والمنتحرين أو المتوفين في حوادث وعدم نقل أية تفاصيل أو معلومات عن المتوفين أو حالتهم بعد الوفاة لأي من أقارب المتوفيين. وقال القبيسي (23 عاما): «إنني لا اتحدث عن الجثث مع أي شخص ولا يمكن أن أبوح بأي تفاصيل عن حالات الوفاة وذلك حيث إنها مهمة إنسانية وأخلاقيات المهنة تحتم علي التعامل في هذا الإطار والبقاء على سرية الجثث حيث انها أمانة بين يدي العاملين في المشرحة، كما أنه لا نسمح لأي شخص بالدخول إلى مكان الجثث والاطلاع عليها أو النظر إليها إلا إذا كان شخصا معنيا من النيابة العامة أو الشرطة». وأضاف: ان العمل في المشرحة أدى إلى تغيير سلوكه بشكل كبير حيث إنه كان يقبل على الحياة في الماضي بكل وقته في السفر والألعاب المائية والرياضة والخروج مع الأصدقاء لقضاء الأوقات وعدم الانتباه إلى الحياة وقيمتها ولابد من الاستفادة منها فيما ينفع الإنسان وأهله وأصدقاءه ووطنه وليس اللعب طوال الوقت. وأشار إلى أنه الآن يستمتع بحياته باعتدال واقترب من الله عز وجل كثيرا وأصبح يحافظ على الصلاة في أوقاتها حيث إن العمر ينتهي فجأة والإنسان يجب أن يعمل للآخرة حيث إنها الأبقى والتي تكون للإنسان مستقر وحياة أبدية أخرى فيجب الإنسان أن يعمل من أجلها، وهذا لا يمنع من الاستمتاع بحياتنا بحيث يمكن الخروج والاستمتاع بالرحلات جزء من الحياة وليس كلها. حاجة للمواطنين وأوضح القبيسي بأن مهنة العمل في المشرحة تحتاج إلى المزيد من المواطنين للدخول في هذا المجال حيث إنه مهم وحيوي ومن الضرورة أن تقوم بها سواعد وطنية حيث إنها تتطلب العديد من المهارات وليس فقط التحنيط للجثث أو النقل بالشكل اللائق للحفاظ على آدمية المتوفي ولكن التعامل أيضا مع أهل المتوفين من أهم المهام حيث إنهم دائما ما يكونون في حالة نفسية صعبة للغاية. وأشار إلى أنه يتواصل مع المدراء في هيئة الصحة دائما للحصول على الدورات التدريبية الدورية مرتين كل عام وذلك للتعرف على الجديد في مجال تحنيط الجثث والتعامل مع الجثامين بالشكل الصحيح وعدم الإضرار بها أو إحداث أي تغيير في حالتها التي تم نقلها من مسرح الحادث كما كانت عليه. وعن أصعب الوفيات التي يراها، قال القبيسي: «إن كل حالات الوفاة تترك في نفسي أثرا كبيرا إلا أن أكثر ما يثير حزني هو رؤية شباب يموتون في حوادث سيارات حيث إن حالة الأهل والأمهات والآباء تتحول حياتهم إلى جحيم بعد فقد ابن أو بنت لهم في حادث سيارة»، مضيفا أن الشباب من المواطنين والمقيمين عليهم أن يحافظوا على أرواحهم حيث إنها أمانة من الله وعدم القيادة بتهور، حيث إن نهايتها المزيد من سقوط القتلى في حوادث بشعة للسيارات تخلف وفيات وأشلاء لشباب في زهرة العمر ووطنه وأهلهم أحق بأن يكونوا معهم بدلا من فقد حياتهم. 3170 وفاة كشفت إحصاءات هيئة الصحة - أبوظبي عن أن إجمالي عدد الوفيات في عام 2014 قد بلغ 3170 وفاة منها 2591 وفاة طبيعية و579 وفاة في حوادث (قتل وحوادث سيارات وانتحار). وذكرت أن حالات الإجهاض وسقوط الحمل تعد وفاة لكن لا تصدر لها شهادة وفاة، حيث إن المتوفى لم تصدر له شهادة ميلاد من الأساس، مشيرة إلى أن حالات الإجهاض وسقوط الحمل على مستوى الإمارة قد بلغت 1083 حالة وفاة. 138 ثلاجة قال جابر اللمكي: «إن الهيئة تشجع العنصر النسائي لدخول هذه المهنة المهمة والاشتراك مع المواطنين في خدمات المشرحة والتي يتطلب وجود السيدات. هيئة الصحة تشجع المواطنات قال جابر اللمكي: «إن عدد الثلاجات التي تحفظ الوفيات في أبوظبي 75 ثلاجة وفي المفرق 12 و20 بالعين و18 بالمنطقة الغربية و4 بدلما و9 بالرحبة سيتم افتتاحها في القريب العاجل»، مضيفا أن عدد الموظفين 39 موظفاً منهم إداريون وأطباء وفنيون ومن بينهم 12 فنياً مواطناً ، منهم 7 في أبوظبي و4 بالعين وفني واحد في المنطقة الغربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©