الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أولمبياد بكين··· دفعة قوية للإصلاحات الصينية

أولمبياد بكين··· دفعة قوية للإصلاحات الصينية
26 أغسطس 2008 00:01
مع ذلك العرض الختامي الباهر لأولمبياد بكين الأحد الماضي، يكون قد انتهى في الوقت نفسه ما يقارب العقد من الزمان جعل فيه الحزب الشيوعي الصيني الحاكم من الأولمبياد مبدأ تنظيمياً رئيسياً للحياة الوطنية بشكل عام؛ فلا شيء طغى على الأولمبياد طوال الفترة المذكورة أكثر من الأولوية السياسية التي أعطيت لها· وبالنسبة للقادة الصينيين، فقد آتت تلك الأولوية أكلها، ذلك أن معظم الصينيين نظروا إليها على أنها نجاح غير مسبوق حققته بلادهم، بينما كان حصولها على نصيب الأسد من الميداليات الذهبية مصدر فخر كبير للمواطنين، في ذات الوقت الذي بهر فيه الزوار الأجانب بكرم وحسن وكفاءة الضيافة الصينية· وفي حين أثار عدم تهاون حكومة بكين مع الخلاف السياسي كثيراً من الانتقادات الموجهة إليها، إلا أن الصين أظهرت للعالم كله رغم ذلك، أنها دولة صاعدة اقتصادياً وسياسياً· لقد بدأ عصر صيني جديد في مرحلة ما بعد أولمبياد بكين؛ والسؤال الذي يفرض نفسه في بداية هذه المرحلة الجديدة هو: ما إذا كانت الثقة الكبيرة بالنفس التي استمدتها الصين من نجاح تجربتها الأولمبية، سوف تدفع بكين نحو المزيد من الاندماج في العالم والسعي لإحداث المزيد من الإصلاحات السياسية، أم تقودها تجربة النجاح الأولمبي هذه، مصحوبة بصمت الغرب على ممارسات قمعها السياسي، إلى قناعة ذاتية بحسن أداء نمطها السياسي القائم؟ على حد إجابة شن دينجالي- الأستاذ بجامعة فودان بشنغهاي- فلطالما تطلعت الصين الى أن تظهر للعالم بأسره أنها قوة دولية جديدة ذات طابع خاص، وأنها دولة لها مشكلاتها، إلا أنها قادرة على حلها ومواجهتها؛ كما أرادت أن تظهر بكين أن مؤسساتها لا تخلو من الضعف، الذي لا يلغي قوتها في ذات الوقت· يذكر أن جاك روج -رئيس اللجنة الأولمبية الدولية- كان قد أعلن في ظهر يوم الأحد الماضي أن اختيار الصين لاستضافة الأولمبياد الأخيرة كان قراراً صائباً، وأن الأولمبياد كانت جسراً بين الصين وبقية دول العالم· وفيما قاله روج: لقد تعلم العالم شيئاً جديداً من الصين، بقدر ما تعلمت الصين شيئاً جديداً من العالم، وفي اعتقادي الشخصي أنه سوف تكون لهذه الأولمبياد أثر يبقى على مر الزمن؛ وإلى حد كبير تعكس أولمبياد بكين قوة السلطة المركزية للنظام الصيني الشمولي، فقد بلغ الإنفاق الحكومي على الاستاد الرياضي المذهل الذي جرت فيه المنافسات نحو 43 مليار دولار، بينما جاءت الميداليات الذهبية الإحدى والخمسون التي حصدتها الصين في هذه الأولمبياد- وهو أعلى رقم لأي ميداليات حصدتها أي دولة سابقاً- نتاجاً للماكينة الحكومية الرياضية؛ ودعت هذه النتائج المذهلة التي تحققت العديد من المحللين السياسيين لاستبعاد أن تتحمس بكين لإحداث أي تغيير في الوضع القائم؛ وهذا ما أكده هونج هوانج -مدير صحفي في بكين- بقوله: ''لقد حقق القادة الصينيون سمعة طيبة لهم، ومن المؤكد أنهم سيعيشون عليها لفترة من الوقـــت، فليســـت في بلادنــا ثقافة تغيير تذكر، وبحكم طبيعتها فــلا تتجــه الصين نحــو التغيير إلا في حــال تعرضها للاستفزاز؛ ويندرج في هذه الحقيقة أن التغيير الاقتصادي الذي أحدثته الصين لم يكن إلا نتيجة للفقر المدقع الذي كان يعانيه المواطنون''· وإلى جانب الاهتمام الدولي الواسع الذي حظيت به أولمبياد بكين للعام الجاري، إلا أن عام 2008 يصادف أيضاً الذكرى الثلاثين لتبني الصين للإصلاحات الاقتصادية القائمة على قيم ومبادئ السوق الحرة، وهي الإصلاحات التي دفعت بالاقتصاد الصيني إلى هذا النهوض الصاروخي السريع؛ وبقدر ما يغتني المجتمع الصيني ويتجه أكثر نحو المراكز الحضرية، بقدر ما ترجح استجابة القيادة الصينية لمطالبتها بتوفير المزيد من الخدمات المحسنة والتطلعات الأفضل بشكل عام؛ وهذا ما يحفز الليبراليين الصينيين على الأمل في أن تكون الذكرى الثلاثون هذه لتبني الصين لقيم اقتصاد السوق الحرة، مناسبة ملهمة للقيادة الصينية تدفعها نحو تبني المزيد من الإصلاحات، لا سيما في النظام السياسي الذي لا يزال يعمه الفساد ونقص الشفافية· بيد أن من رأي النقاد، أن الأولمبياد نفسها أكدت عمق مقاومة القيادة الصينية، وخاصة داخل صفوف الحزب الشيوعي الحاكم، لأي تسامح مع النقد والخلاف· يذكر أن الحزب قد واجه سلسلة من الأزمات والقلاقل السابقة لافتتاح أولمبياد بكين، منها على سبيل المثال: مظاهرات الاحتجاج التي شهدها إقليم التبت في شهر مارس من العام الحالي، وكذلك الاحتجاجات التي صحبت الجولة العالمية للشعلة الأولمبية، إضافة إلى الهزة الأرضية المدمرة التي ضربت محافظة سيشوان في شهر مايو المنصرم· وكان واضحاً ألا مناص من وقوع المظاهرات الاحتجاجية خلال فترة الأولمبياد، بينما أبدت السلطــات الصينية قدراً أكبر من الانفتاح والتسامح إزاء أشكال الاحتجاج القانوني في بــادئ الأمر، خاصـــة مع إعلانهــا لثـــلاث مناطق محتملة لأن تشهد احتجاجات كهذه في ساحـــات العاصمة بكين؛ غير أن الذي حدث هو أنه ما من ساحــــة واحـــدة من الساحـــات التي تمت الإشارة إليها رسمياً، شهدت المظاهرات الاحتجاجيــة المتوقعة· والسبب أن الجهـــات العازمة على الاحتجاج تقدمت بطلبات رسميـــة للمصادقة على المواكب التي تنوي تنظيمها، إلا أن السلطات لم تصدق عليهـــا من جانبها؛ ليس ذلك فحســـب بل انتهى الحال بامرأتين مسنتين أرادتا الاحتجاج علناً على نزاع له صلة بملكية الأراضي، إلى سجن لإعادة التأهيل وأداء الخدمـــة العامــــة؛ وفي الوقـــت ذاته كـــان ثمانية أميركيين بين مجموعـــة من الأجانب المعتقلين جراء محاولتهم تنظيم مظاهرة احتجاجية على سياسات بكين إزاء إقليم التبت؛ وبنهاية الأولمبياد يوم الأحد الماضي، أفرجت السلطات الصينية عن الأميركيين المعتقلين وأرسلتهم على متن طائرة متجهة إلى لوس أنجلوس، قبل بدء مراسم ختام الأولمبياد؛ غير أن المؤكد أن تزيد الأولمبياد طموحات الصينيين، بمــــا فيها طمـــوح الإصــلاح السياسي والانفتــــاح· جم ياردلي- بكين ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©