الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أزمة القوقاز والدور الألماني الجديد

أزمة القوقاز والدور الألماني الجديد
26 أغسطس 2008 00:02
ما أن بدأت القوات الروسية زحفها نحو جورجيا، حتى انشغل كبار مسؤولي حكومات بولندا وجمهورية التشيك والبلطيق بمهاتفة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، وقد طلبوا جميعهم من المستشارة الألمانية طلباً واحداً· فبسبب سوء علاقاتهم مع الكرملين، إلى جانب ذكرياتهم السيئة عن الهيمنة السوفييتية السابقة على بلدانهم طلب قادة الدول المذكورة من ميركل استخدام نفوذها وحسن علاقاتها مع كل من الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف ورئيس وزرائه فلاديمير بوتين لحل الأزمة الناشئة في منطقة القوقاز؛ لكننا وحين نأخذ بحقيقة هذه المحادثات التي جرت بين قادة الدول الاشتراكية السابقة المذكورة وميركل، سندرك مدى التحسن الذي طرأ بين أطراف هذه المحادثات، خاصة أن علاقة كهذه لم تنشأ مطلقاً بين قادة الدول المعنية والمستشار الألماني السابق جيرهارد شرويدر، الذي كان ينظر إليه قادة الدول الاشتراكية السابقة على أنه صديق مقرب جداً من بوتين، بدليل تنصيبه من قبل الأخير رئيساً لشركة ''جازبروم'' الروسية العملاقة؛ وبالقدر نفسه تكشف المحادثات عن مدى أهمية الدور الألماني في حل الأزمة القوقازية· وخلافاً لكافة دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، تنفرد ألمانيا على وجه الخصوص بعلاقة مميزة ومصادمة في ذات الوقت مع روسيا؛ وليس لعمق هذه العلاقة بين البلدين، أي علاقة تذكر بتزايد اعتماد ألمانيا على منتجات الطاقة الروسية، ولا بقوة العلاقات التجارية الاستثمارية بين برلين وموسكو، إنما يفسر هذا العمق بتاريخ كل من الدولتين، لا سيما الدمار الذي ألحقته بهما معاً الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى نشوء رغبة مشتركة على الأقل بينهما للعمل معاً من أجل تجاوز ذلك الدمار، وقد تصل هذه الرغبة في بعض الأحيان إلى حد الشعور بالمسؤولية المشتركة· ولهذا السبب، فإن ألمانيا هي الدولة الغربية الوحيدة التي يمكن لها أن توجه إنذاراً لروسيا، على حد قول جيمس شير- مدير برنامج روسيا وأوراسيا بالمعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، مضيفا ''إن روسيا تستمع إلى ما تقوله لها ألمانيا؛ وفيما لو أظهرت هذه الأخيرة بشكل حازم وقاطع ما تترتب عليه من عواقب تواجهها روسيا حتماً جراء توغلها العسكري الأخير في جورجيا، فإن من المتوقع أن يترك ذلك التحذير أثراً على روسيا''؛ ومع ذلك فقد ساد نوع من الفتور في علاقة العاصمتين الألمانية والروسية خلال السنوات الأخيرة الماضية؛ فقبل انتخاب المستشارة الحالية ميركل في أواخر عام ،2005 كانت العلاقات وطيدة جداً بين البلدين، إلى حد مكن الرئيس الروسي بوتين والمستشار السابق جيرهارد شرويدر من بناء علاقة صداقة شخصية قوية بينهما، وصلت إلى حد زيارة أحدهما للآخر في منزله؛ أما في مجال السياسات الخارجية، فقد حصل شرويدر على دعم بوتين لمعارضته القوية للغزو الأميركي للعراق في صيف عام ،2003 وهو التحالف الألماني-الروسي الذي أثار مخاوف الكثير من قادة دول أوروبا الشرقية· ومنشأ الخوف عند هؤلاء أنهم رأوا في ذلك التحالف المناوئ لأميركا بداية لتحالف ألماني-روسي جديد من شأنه تقويض علاقات التحالف الأطلسي من جهة، وزيادة النفوذ الروسي من جهة أخرى· غير أن علاقة شرويدر الوطيدة بالكرملين لم تكن أمراً استثنائياً، فقد سبقه إلى العلاقة نفسها المستشار المحافظ الأسبق هيلموت كول الذي استطاع أن يحتفظ لبلاده بعلاقات طيبة مع عدد من الإدارات المتعاقبة على الكرملين، ونشأت بينه وبين ميخائيل جورباتشوف وبوريس يلتسن علاقات خاصة جداً؛ إلا أن السيدة ميركل تختلف عن سابقيها من المستشارين نوعاً ما؛ فهي قد نشأت في ألمانيا الشرقية الاشتراكية سابقاً، حيث كان يعمل بوتين ضابطاً بجهاز الـ''كي جي بي'' الاستخباراتي السوفييتي في عقد الثمانينيات، ما جعلها تربط بين السياسات الروسية وقيمها هي الخاصة عن الحرية· ومتى ما جمع بينها وبين فلاديمير بوتين أو ميدفيديف لقاء أو اجتماع، حتى تثير في وجود أي منهما حواراً حول حرية الصحافة وحقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية؛ لكنها في الوقت نفسه تضع حاجزاً بينها وبين موسكو، فيما يتصل بقضايا رئيسية عديدة لها صلة بالسياسة الخارجية· وعلى رغم المقاومة العنيفة التي واجهت بها روسيا الإعلان عن استقلال إقليم كوسوفو الصربي، لم تتراجع ميركل عن مساندتها للولايات المتحدة الأميركية في الاعتراف باستقلال الإقليم؛ وفي حين لا تروق للمستشارة الألمانية فكرة نشر نظام الدرع الصاروخية الأميركية في عدد من بلدان أوروبا الشرقية، إلا أنها لم تعارضها في نهاية الأمر؛ كما أعلنت ميركل عن وقوفها إلى جانب بولندا برفضها الدخول في أي مفاوضات جديدة مع روسيا بشأن شراكة أوروبية جديدة مع موسكو، حتى يضع الكرملين حداً للمقاطعة التجارية التي يفرضها على بولندا، خاصة في مجال تصدير المنتجات الزراعية الروسية إليها· وتشير كل هذه المواقف إلى أمرين، أولهما استحالة حصول موسكو على تعاطف أو تأييد تلقائي من قبل المستشارة الألمانية، وثانيهما أن ألمانيا في موقف قوي الآن يؤهلها للعب دور أكبر في إعادة تشكيل العلاقات الطويلة الأمد بين الاتحاد الأوروبي وروسيا ومنطقة القوقاز؛ مصدر هذه القوة الألمانية قدرتها على انتقاد روسيا على مواقفها بشكل مستمر، إلى جانب مساندتها وطمأنتها لبلدان شرق أوروبا التي تحررت من الهيمنة السوفييتية السابقة عليها؛ ولكن الأمر المثير للدهشة بحق، أن ميركل لم تخط خطوة واحدة للعب هذا الدور حتى تاريخ الغزو الروسي الأخير لجورجيا؛ وهذا ما يطالب ألمانيا وغيرها من الدول الأوروبية بإعادة النظر في بطء استجابة الدول الأوروبية للأزمات التي تنشأ في البلدان والدول المجاورة لها، مثلما هي الأزمة القوقازية· جودي ديمبسي- برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©