الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزوجة المنحوسة

الزوجة المنحوسة
5 نوفمبر 2009 23:35
تفتحت عيناي على الدنيا وبدأت مرحلة الإدراك، وفي الطفولة المبكرة، وجدت نفسي في وضع مختلف، رأيته متميزا عن جميع اقراني وقريناتي وأقاربي وقريباتي، جعلني اشعر بسعادة كبيرة فقد كنت احظى بحنان زائد من جانب أمي ربما لأن أبي لا يقيم معنا وله زوجة اخرى يعيش معها بعيدا عنا، وكانت تعاملات ونظرات هذه الزوجة تخيفني ولا اشعر نحوها بارتياح واخاف الاقتراب منها، دائما عابسة في وجهي، لم ار منها عطفا ولا حنانا ولا أحب أن تحضر مع أبي عندما يأتي لزيارتي أنا وأمي. اليوم الفصل كان يوما فاصلا في حياتي كاد يقلبها رأسا على عقب، عندما كنت ألعب مع الأطفال في البيت من ابناء اعمامي وعماتي، واصطدمت بقطعة من التحف الزجاجية، فتحطمت وأصبت بجرح صغير ورغم ان الدم الذي سال مني لم يكن كثيرا ولم يكن الجرح مؤلما فقد بالغت في البكاء والنحيب لاستدر عطف كل من حولي واكون محور الاهتمام، حينها جاءت الهمسات والهمهمات، والغمز واللمز وحركات الحواجب من عماتي وهن يصفنني بكلمات قاسية، قالتها صراحة إنني يتيمة، وجه نحس لا يأتي بخير، منذ أن جئت الى الدنيا وهم في مصائب لا يكادون يخرجون من واحدة حتى يدخلون في اخرى، علمت منهن وأنا استرق السمع اليهن ان امي ماتت، نعم ماتت في لحظة مولدي وان هذه المرأة التي اناديها «أمي» هي جدتي ام ابي، تربيت في حجرها وكنت اعتقد انها امي، وقد كانت ينبوع حنان اكثر من اي ام، تلبي كل مطالبي، وتستجيب لكل احتياجاتي مهما كانت، وحاولت ان تعوضني عن امي الراحلة ونجحت بامتياز، حتى ان حبها كان يثير غيرة اعمامي وعماتي لان جدتي لا تفعل مع ابنائهم عشر ما تفعل معي، كانوا يغارون من ذلك ويعلنون سخطهم صراحة، ولم يجدوا شيئا يفسدون به حياتي غير ان يوصلوا اليّ الحقيقة المرة انني يتيمة، ويزيدون عليها انني منحوسة ويكفي انني فقدت امي قبل ان آتي الى الدنيا، وهكذا استطاعوا ان يلصقوا بي هذه الاوصاف التي لازمت شخصيتي ولم استطع ان اتخلص منها وانا لا ذنب لي فيها، ويوم عرفت كل هذه الحقائق دارت بي الدنيا وضاقت على اتساعها، فقدت صوابي وتوازني، لا اعرف ماذا افعل، بل فكرت في الانتحار وانا لا اعرف انه حرام، تمنيت الخروج من الدنيا، حتى لو صدمتني سيارة طائشة، شدة الصدمة جففت منابع دموعي، وانا التي تبكي ولا تعرف من اين تأتي الدموع، لم تفلح توسلات جدتي في اخراجي من هذه الحالة لعدة اسابيع أو اشهر متتالية. مسخ ممقوت فقداني لأمي ليس هو الذي يؤلمني، وانما تصرفات أقاربي الذين حولوني إلى مسخ ممقوت ورمز للشر والتشاؤم، فكلما حدث شيء الصقوا التهمة بي، إذا مات شخص كنت انا السبب، واذا تعسرت مهمة فلأن وجهي شؤم، واذا رسب تلميذ فلأنه رآني وهو ذاهب الى الامتحان، حتى انني كدت اصدق ادعاءاتهم واباطيلهم، واعيش ساعات أقلب الأمور وابحث عن اجابات، مرة عندما اربط الاحداث واستعيدها أؤيد ما يقولون، وعندما اجد انني بريئة منها ارفض اتهاماتهم، ولم يقف الامر عند هذا الحد بل شاعت هذه المفاهيم بين كل من يعرفونني، كانت تلازمني وتنتقل معي اينما حللت أو ارتحلت ودخلت معي مراحل التعليم المختلفة حتى الجامعة، وتأكدت لدى الجميع اعتقاداتهم عندما توفيت جدتي رحمها الله في يوم تخرجي فكان ذلك كشهادة موثقة يعتمدون عليها في نميمتهم عليّ وكلامهم عني وابتعادهم عن التعامل معي، وانا نفسي شعرت كأنني محرم عليّ الافراح ولم اجد مفرا ولا مخرجا من ازمتي. ومع هذه الأحداث، نسيت أنني فتاة، لا اعرف مشاعر المراهقات، ولا مغامرات الحب والاعجاب في هذه المرحلة من العمر، مع ان زميلاتي وصديقاتي القليلات كن يمطرنني بوابل من القصص والحكايات، وسيل من المغامرات دون ان يكون لي منها نصيب، حتى انهن كن يمازحنني بقسوة تجرحني وتصفني بأنني «رجل» أو حجر، وخرجت الى العمل وانغمست فيه اصب فيه احزاني، واقضي جل الوقت في وظيفتي ووجدت فيها ارتياحا، خاصة ان العائد المادي مجز، افرغت فيها كل جهدي، وجدت فيها عوضا عن الفراغ الذي كنت اعيشه والعذاب الذي يغرقني، بلغت الخامسة والعشرين ولم يطرق بابي احد يطلب يدي، ورغم ان عائلتنا كبيرة ومعروف عنها الارتباط بين ابناء وبنات الاعمام والاخوال فإن واحدا منهم لم يفكر فيّ ولم يبد رغبة في الارتباط بي، حتى انه عندما تقرب ابن عمي مني ونحن في المرحلة الثانوية في جلسة واحدة بريئة كنا نتحدث فيها عن اشياء شتى لا علاقة لها بالعشق والمشاعر، فإنه واجه عقابا شديدا وتحذيرا حازما من ابيه وامه كأنه ارتكب جرما مما جعله يتجنب حتى الكلام معي ويبتعد كلما التقينا حتى ولو بالصدفة، كل ذلك جعلني فتاة غير مرغوب فيها، ولا في وجودها، كأنني وباء معد، وانفض الجميع من حولي ولم اجد عزاء إلا في المزيد من العمل. قشة إنقاذ في خضم البحر المحيط والامواج العاتية تأتي قشة انقاذ، وفي سواد الليل البهيم قد يبدو بصيص امل وثقب ابرة ينفذ من خلاله الضوء، وحدث ذلك معي وانا في قمة اليأس والقنوط عندما التقيت بشاب مكافح استطاع ان يبني مستقبله بنفسه بعد ان اجتاز مراحل التعليم بمجهوده واعتمد على سواعده، وشق طريقه حتى وضع قدميه في اماكن ثابتة، وانطلق يواصل العمل ليل نهار، تبدو عليه الجدية التي قد تصل الى حد الصرامة، مع ذلك فهو رقيق في التعامل وفي محياه شيء جذاب لا اعرفه، ولم اكتشف ذلك في بداية معرفتي ولانني اغلقت باب قلبي وسددت الطرق المؤدية الى مشاعري، ولكن مع التكرار وكثرة التعاملات بيننا بحكم علاقته بالهيئة التي اعمل بها، تطرق الحديث الى بعض النواحي الشخصية، وكان مدخله اليّ انه وجد في تصرفاتي ما يبحث عنه، وافصح عن اعجابه بي بطريقة غير مألوفة، فلم يتغزل في قوامي وشعري، ولا في جمالي وعذوبة حديثي، وانما جذبه نحوي كما قال هذا الحزن الدفين في عيني الذي يخفي وراءه سحرا وصفات يعشقها في المرأة، فهو لا يحب تقاليع فتيات هذه الأيام، ويكره العري والابتذال ولا تهمه الموضة ومساحيق التجميل المضللة، ووجدني مختلفة وصارحني بهذا كله بشكل مباشر، ورأيت في هذا الوقت ان المنح قد تأتي من المحن، فأنا أيضا ارى فيه الرجل الذي اتمناه، وتوجه الى باب بيت ابي، يطلب يدي، وبدأت معه تجهيز عش الزوجية، وقبل هذا كله اتخذت قراري الشجاع بأن أخبره عن كل صغيرة وكبيرة في حياتي، فالصدق ينجي والاهم من هذا انه لا يوجد في حياتي كلها ما اخجل من ذكره وليس فيها ما يشين أو اخشى منه فاخفيه، وكانت مفاجأة لي انه استنكر التصرفات التي تعرضت لها في حياتي من اقاربي، بل واكد لي انني ظلمت كثيرا وحان الوقت الذي استريح فيه من هذا الكابوس، وقتها شعرت بالسعادة التي لم اذق مثلها في حياتي كلها وانطلقت انا وهو نتشابك ايدينا، نسابق الزمن لاتمام الزواج حتى انتهينا من انجاز كل شيء، وتم تحديد موعد ليلة الزفاف، كنت أتعجل الثواني والدقائق لأنتقل إلى بيتي الجديد، ووقع ما لم يكن في الحسبان ولا يخطر لاحد على بال، فقبل الزفاف بيوم واحد ماتت أم خطيبي فجأة فاستعاد الجميع أوصاف النحس والشؤم وتذكروا كل ما حدث معي، كأنهم وجدوا الدليل الدامغ على اثبات الاتهامات الملصقة بي، ومثل الهبوط الاضطراري تم تأجيل الزفاف، وهنا لم يكن لدي ما أدافع به عن نفسي وليس في مقدوري فتح حوار مع أحد ولا الفضفضة، فقد انفض الجميع تماما، وبعد عدة أسابيع وبإصرار من خطيبي تم الزواج وانتقلت الى بيته، كان يحاول أن ينسيني هذه المأساة ويخفف عني، لكن لم تمض عدة أشهر حتى مرض أبوه ومات بعد أيام، لم يقل أحد إن الأعمار مقدرة ولا سبب ولا دخل لأحد في زيادتها ولا نقصها لكن يبدو أن التشاؤم كان ثوبا ارتديته وأصبح مثل جلدي، لا أستطيع أن أخلعه أو أبدله، حتى زوجي سندي الوحيد وصلته هذه القناعة، تغير هو الآخر وتباعدت بيننا المسافات، انقطع الحوار وتوقف الكلام، وإن لم تكن هناك خلافات ظاهرة بيننا، ويعرف كل منا حقوقه وواجباته، لكننا أصبحنا كالغريبين، فقط يجمعنا منزل واحد ووثيقة زواج معطلة، مجرد ورقة رسمية لا قيمة لها. المشكلة الآن لا أنا ولا زوجي نريد الطلاق، وفي نفس الوقت غير قادرين على الاستمرار في حياتنا بهذه الطريقة!
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©