الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ارحموه من هذا الحب!!

ارحموه من هذا الحب!!
26 أغسطس 2008 00:31
لو عاد الرائع الكبير محمود درويش، وتمكن من قراءة كل ما سودته الصحف والمجلات والكتب عن سيرته وشعره وحياته، لواصل عتابه وكرر مقولته: ''ارحمونا من هذا الحب''· تلك الجملة قالها محمود درويش حين كانت المقاومة الفلسطينية في أوج عنفوانها، وكان هو مبدعها ورافع بيرقها، قالها حين كان النقاد العرب يدبجون المقالات عن شعر المقاومة بصالحه وطالحه، إذ شعر أنهم يحتفلون بالمقاومة وليس بالشعر، بالظاهرة وليس بالإبداع، وشعر محمود يومها أنه لا فرق بينه وبين السياسيين الصارخين بالشعارات والمقولات الفجة، وكان يقصد من وراء مقولته ( ارحمونا من هذا الحب)، أن يعامل كشاعر وكمبدع، أن يدخل الناقد إلى قصيدته بعيدا عن صوت الرصاص، كشاعر فقط، ولهذا، بدأ يكرس شعره للفكرة الإنسانية، وللتساؤلات الوجودية، والحفر في معنى المعنى· ولكن النقاد العرب فشلوا في التعاطي مع إبداعاته الجديدة، كما فشلوا في فهم البعد الإنساني في قصائده الوطنية المقاتلة، التي كان يعتبرها إنسانية أيضا، وكان محقا في ذلك·· لو عاد الرائع محمود وقرأ ما كتب عنه، سيدرك أن موته لم يضف شيئا لهم، فقد كرروا أشعاره التي تحولت إلى مقولات، وعجزوا عن سبر أغواره، والسباحة معه في الأعماق· أليس غريبا أن يكون في هذه الأمة شاعر بثقل محمود درويش، ولا يرتقي ناقد إلى قامته، أليس معيبا أن عدد الكتب النقدية لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وبعضها جاء على شكل حوارات معه، كأنهم لا يستطيعون الإبحار بعيدا عنه، كمثقف ومفكر ومبدع، كأن الكتابة عنه تتطلب سحرا يشبه سحر أشعاره، أو كأن الكتابة عنه لا بد أن تكون شعرا، أو أنه كان يمتلك سطوة على النقاد، بثقافته وعلومه! أسئلة كثيرة يوجهها شعره للنقاد العرب، الذين يستسهلون تناول النتاجات الأدبية العادية، ويتجنبون النتاجات التي تهز ثوابتهم وتخلخل مدارسهم النقدية، وتزلزل لغتهم الجاهزة· إن الإشكالية التي سادت العلاقة بين محمود درويش والنقاد والإعلام بشكل عام، هي إشكالية وعي بطبيعة شعره، لقد حاول درويش أن يوضح لهم أنه شاعر إنساني عالمي، ويبدو أنه وضعهم في مأزق، ووجد نفسه في مأزق، حتى غابت الحبيبة الحبيبة من أشعاره، وغابت المدينة المدينة، والعاصمة العاصمة، وحل محل كل ذلك، الوطن، والأرض، والاحتلال، هذه المفردات التي يفضلها النقاد، لأنها سهلة، وتنقذهم من إبحارهم في ( العدم، الموت، الكينونة، التاريخ، الحب)· ولهذا، أقنعوا أنفسهم أن الحبيبة هي الوطن، والموت هو الاحتلال، والتاريخ هو العمر، والحب هو الانتماء، بينما أراد درويش في كثير من اشعاره أن يتحدث عن الحب لوجه الحب، والموت بصفته مأزق المبدع الوجودي· فهل ستظهر كتابات جديدة تتناول درويش كما يليق بشاعر عالمي! akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©