الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«نوخذة» يغوص في ذاكرة أصول المهنة وتعاليم أجداده البحرية

«نوخذة» يغوص في ذاكرة أصول المهنة وتعاليم أجداده البحرية
12 ابريل 2013 15:08
(خورفكان) - كانت الحياة تدب في أوصال مدينة خورفكان قبل فترة الخمسينيات مع بداية أول أذان يرفع في المدينة الصغيرة التي كانت تتجمع بيوتها المبنية من الحصى وسعف النخيل على شاطئ الخور. ومع تسلل أول شعاع من شمس كل صباح يخرج أهالي المدينة ومنهم النوخذة ناصر أحمد سليمان الحمادي، طالبين الرزق كل حسب وجهته، فهذا قد ركب قاربه وتوجه إلى أعماق البحر للصيد وطلب الرزق الحلال، وذاك قد توجه إلى مزرعته للعمل بها استعداداً لموسم الحصاد وجلب الخير له ولأسرته. وكان ناصر الحمادي في تلك السنين الخوالي لا يزال صبياً صغيراً لا يتعدى عمره العاشرة، حيث كان جده قد عقد النية على أن يعلمه مهنة الصيد، في وقت كان أبوه قد غادر خورفكان متوجهاً للعمل خارجها لتأمين مصدر رزق ثابت لأسرته في ظل أوضاع معيشية بالغة الصعوبة وطقس لا يرحم الكبير ولا الصغير. أصول المهنة وعن تلك الفترة قال الحمادي: تعلمت أصول المهنة وتقاليدها من جدي عن والدي وبالرغم من صعوبة الحياة إلا أنني تعلمت الكثير من الأمور منذ نعومة أظفاري هناك على شاطئ خورفكان، حيث كان الأجداد والآباء قد فتحوا لأبناء المدينة مدرسة مجانية للجميع بدون رسوم أو أدنى تكاليف، إنها مدرسة الحياة نعم هي بالفعل مدرسة الحياة الحقيقية، التي تلقينا فيها دروساً عملية عن قيمة العمل في حياة أي إنسان، كما تعلمنا دقة المواعيد، وتلقينا دروساً يومية على قواربنا في الصدق والمحبة والإخلاص، حيث كان الرعيل الأول متماسكاً بفضل الله سبحانه وتعالى وما حوته صدورهم وأفئدتهم من الحب والصدق والإخلاص لبعضهم البعض، لذلك عاشت تلك المجتمعات ونمت وترعرعت ولو أن قيم الصدق والحب والإخلاص غير موجودة في تلك المجتمعات الصغيرة لما عاشت تلك المجتمعات، بل كان الانقراض مصيرها. وأضاف: كنت في بداية عملي في مهنة الصيد طفلاً صغيراً يحمل السطل «البوطي» ليجمع ما تبقى من أسماك صغيرة قد سقطت سهواً من شباك جدي ومن يعمل معه على الشاطئ، وكنت أشعر بالفرح الشديد عندما أنجز عملي وأمسك بتلك الأسماك التي كانت لا تزال تدب فيها الحياة، وهو عمل رمزي أراد جدي أن يعلمني من خلاله مبادئ العمل بالمهنة، وكان في ذلك الوقت الخير كثير فيما يخص كميات الصيد التي نقوم باصطيادها من البحر، ولم يكن الصياد مضطراً على الإطلاق للذهاب إلى أبعد من عشرة أميال ليظفر بصيد ثمين، ولكن الأسماك كانت تأتي إلينا على بعد 3 إلى 5 أميال، وكانت الأمور سهلة وميسرة إلى حد كبير. وما إن بلغ الحمادي سن الخامسة عشرة حتى تركه جده ينزل للبحر ويركب القارب مسافات طويلة كان وقتها ساعده الأيمن يستطلع منه دروساً إضافية وجديدة عن أعماق البحر والصيد على بعد أميال بعيداً عن الشاطئ وأعمال السطل أو الدلو التقليدية السهلة، وتعلم الكثير من الدروس أهمها على الإطلاق الصبر والرضا بالقليل وعدم استعجال الرزق مهما كان، وأن الدنيا قد تعطيك الكثير دفعة واحدة وتمسك عليك خيراتها، فتظن أنك والرزق على خلاف دائم، في وقت أن الصبر على المقسوم والمكتوب، أفضل أبواب طلب الرزق، وهو المفتاح الأكيد لحياة ميسرة وظافرة. غزو المياه وحول ظاهرة المد التي كانت تسبب مشكلات كبيرة في خورفكان، قال لا زالت الذاكرة متقدة تحفظ الكثير مما كان موجوداً في الماضي، ومن الأشياء التي عاصرتها لسنوات طويلة عملية المد البحري، وكانت تلك العملية تحدث على الأقل مرة كل شهر وتكبدنا خسائر فادحة خاصة في البيوت والممتلكات، حيث كانت مياه البحر تخرج بكميات كبيرة جداً إلى اليابسة، فتقوم باجتياح البيوت، التي توجد على الشاطئ، ولم يكن لدينا أي مفر منها، خاصة في فصل الصيف، حيث كانت بيوتنا في هذا الفصل بحرية وعلى الشاطئ مباشرة. وعندما بدأ الحمادي الصيد كان يصطاد بالسنارة في بادئ الأمر، وكان معه رفقاء درب في ذلك الوقت منهم داوود أحمد وسليمان محمد، حيث كان يصطاد كميات كبيرة من الكوفر والصال والشعري والدرسية، ومن الأسماك التي كان يصطادها في ذلك الوقت ولم تعد موجودة حاليا بالشكل الذي كانت عليه سمكة «القفدارة»، ويعتقد أن سبب تراجعها في بحرنا يعود إلى التغيرات الكبيرة في الحياة لا سيما هنا في خورفكان، حيث كثرت السفن البحرية ولنشات الصيد بالمكائن وجميعها تعمل على هروب هذه الأنواع من الأسماك - وذلك على حد قوله. وبالنسبة للحديث حول تراجع مهنة الصيد خلال السنوات القليلة الماضية، أرجع ذلك إلى أسباب عديدة ربما أولها أن الصيادين أنفسهم لم يعد لهم رغبة في مواصلة الصيد وممارسة المهنة، لأن هناك وظائف جديدة أصبحت متوفرة لهم تغنيهم عن شقاء المهنة وصعوبتها، كما أن مهنة الصيد لم تعد مجدية تماماً لكثرة مشاكلها ومحدودية الأماكن التي يمكن ممارسة الصيد فيها لعوامل عدة، وبالتالي أصبح الصياد محاصراً، ولولا دعم القيادة لضاعت تلك المهنة وانقرضت تماماً. ويعود بذاكرته إلى الفترة الماضية: كنا زمان نعتمد على قوتنا البدنية في العمل، حيث كنا نقطع الأميال بواسطة التجديف، بعكس اليوم، الذي تلعب فيه الماكينات دوراً محورياً في رحلات الصيد، كما أن كميات الأسماك زمان كانت أفضل، حيث كنا نصطاد من 30 إلى 50 كيلو جرام من الأسماك في مدة لا تتجاوز 15 دقيقة لكثرة الأسماك وتوافرها على الشاطئ بشكل كبير جداً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©