الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«مجرمة» رغم أنفي!

«مجرمة» رغم أنفي!
11 ابريل 2013 21:12
أحمد محمد (القاهرة) - انشغلت «آية» في الاستعدادات للزواج، ولم تكن فرحتها فقط لأنها ستتزوج مثل كل البنات، ولكن السعادة الكبرى لأنها ستتخلص من تلك الحياة في هذا البيت فقد ضاقت بتصرفات زوج أمها الذي حول حياتهما إلى جحيم وجعلها لا تطاق، لذا فهي تسرع للخلاص بأي شكل حتى وهي متأكدة من أنها وافقت على تلك الزيجة مع عدم اقتناعها بها، لكن يكفي الخروج الآمن ووضع نهاية للظروف المأساوية التي تغرق فيها بلا ذنب جنته يداها. تخرج آية في الضحى وحدها أو مع خطيبها لاستكمال متطلبات الزواج، وقد كان هذا الشاب أول من تقدم لها ويقيم في نفس المنطقة بالشارع المجاور ويعمل في حرفة يدوية مثلها وحاصل على مؤهل فني متوسط، لكن لم يستطع الحصول على وظيفة غير أن الميزة الأهم أن لديه مسكنا يمكن أن يقال عنه شقة مناسبة غرفة وصالة والهدف أنها مستقلة، وتلك هي أمنية آية الوحيدة في هذه الدنيا، لذلك كانت الموافقة على العريس بلا شروط ولا قيود. وعندما تعود تجده في البيت كالعادة ينفث دخان سجائره في الهواء يدخن بلا توقف كأنه في مسابقة ويريد أن يحصل على المركز الأول لا تهمها صحته التي بالتأكيد ستتأثر بذلك، لكن يهمها أن أمها هي التي تتحمل نفقاته ولا يكاد يمر يوم من غير مشاكل أو مشاجرات مصحوبة بسيول من السباب والشتائم واللعنات ويصب جام غضبه على المرأة التي لم تفعل شيئاً غير أنها عاجزة على تلبية مطالبه وهو متعطل بلا عمل ولا يتوقف عن إصدار الأوامر إليها بدءا من إعداد الشاي مروراً بالسجائر وصولاً إلى المخدرات وخاصة الحبوب التي كانت هي الوحيدة التي تخرجه من مخبئه ويتجول الساعات الطوال بين الصيدليات وبين التجار ويا ويل أمها إذا لم يجد مرة ما يضبط مزاجه العكر. وكعادته التي لا تتغير كان اليوم شتاماً سباباً لعاناً لزوجته المغلوبة على أمرها وزاد على هذا كله بأن قام بضربها أمام ابنتها والمرأة لا تفعل شيئاً استسلمت ولا تدافع حتى عن نفسها وهو مستمر في طغيانه وعندما لم تحتمل تخلصت من بين يديه وفيهما خصلات من شعرها ليكمل ما بدأه ولاحقها وانهال عليها كأنه ينتقم من عدو لدود ولم تتحمل المسكينة، وتعالت صرخاتها، فخرجت ابنتها في محاولة لإنقاذها وما إن مدت يدها لتخلصها من براثنه حتى دفعها فوقعت على الأرض وواصل ضرباته لهما معاً في أي موضع تقع عليه يداه غير مبال بالنتائج أو الإصابات والجروح التي قد تحدث ولم يردعه استعطافهما ولا توسلاتهما له بأن يكف ويتوقف. فقدت الأم الوعي والدماء تسيل من وجهها، وأصيبت الفتاة بنزيف من الأنف من لكمة قوية بقبضته وفي أحد أصابعه خاتم حديدي وما زال مستمراً يكاد يقضي عليهما استجمعت الفتاة ما تبقى من قواها وهرعت إلى المطبخ واستلت سكيناً فسار خلفها ليمنعها وليواصل ضربها فالتقيا عند الباب كل منهما مندفع نحو الآخر، فغرزت السكين في قلبه قبل أن يمد يده لينتزعها منها وكانت الطعنة في القلب، فقتلته في الحال وسقط جثة هامدة بلا حراك في بركة من الدماء وارتمى الثلاثة على الأرض مثل المصارعين في المصارعة الحرة عندما ينهكهم الاقتتال. لم تمض إلا دقائق معدودة حتى حاولت «آية» أن تتحامل وتساعد أمها على الإفاقة وما أن تأكدتا من موته حتى امتلأت الدنيا صراخاً وتجمع الجيران الذين لم يكونوا أبداً يتدخلون في الخلافات الأسرية مهما اتسعت، لكن هذه المرة هناك جريمة قتل بغض النظر عن ظروفها وملابساتها وتم إبلاغ الشرطة التي حضرت للتحقيق في الجريمة التي لم تكن غامضة، ولكن للتوصل إلى أسبابها ودوافعها وكيفية وقوعها والقبض على مرتكبها. الأم ما زالت في صراخها وعويلها ليس حزناً عليه، لكنها تعتقد أنها السبب في كل ما حدث وفي ضياع مستقبل ابنتها التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الزفاف ودخول عش الزوجية، ولكنها الآن تستعد لدخول القفص الحديدي وتتوارى وراء القضبان والله أعلم بالحكم الذي سيصدر ضدها، ولو كان الأمر بيدها لقدمت نفسها بدلاً منها ولضحت بحياتها كلها وعمرها من أجلها لكن أنى لها هذا؟.الجميع يعرفون قصة المرأة المستضعفة، لكنها جلست ترويها مرة أخرى في محضر التحقيق الرسمي قالت: «تزوجت من قبل وأنجبت ابنتي هذه، لكن الزوج كان نكدياً بما فيه الكفاية ومع هذا تحملته وهو لا ينفق علينا ويختفي من غير أن نعلم أين ذهب وفجأة طلقني وألقى بي أنا والصبية التي كانت قد بلغت العاشرة من عمرها في الشارع فقد تزوج مرة أخرى ولم أحصل منه على أي حقوق وطوال سنوات عدة لم يعرف عنا أي شيء وحتى لم يكلف خاطره بالسؤال عن ابنته ولا ماذا فعل الزمان بها». ليس لي أب ولا أم وإخوتي وأخواتي كلهم مستقلون بحياتهم بقيت بها في غرفة مستأجرة أعمل لأكفي نفسي وابنتي وكنت مصرة على أن تكمل تعليمها، لكنها تأثرت بالطبع بتلك الأجواء المشحونة دائماً، وقد كرهت أباها لأنها رأت ما كان يفعله معي ومعها وفشلت في تحسين صورته في عينيها لا تحب أن تسمع سيرته، فقد لقيت هي الأخرى منه الكثير ونالها من الضرب والنكد ما نالها، وبالكاد التحقت بالتعليم الفني، وكانت تلك الفترة هي الأفضل في حياتي بعيدا عن الرجال. فجأة ظهر لنا هذا الرجل وطلب يدي، ولم أكن أعرفه وفي البداية رفضت مبدأ الزواج لأنني لا أريد تكرار المأساة ولا أوافق على ترك ابنتي، ولن أتخلى عنها، لكن وجدت من جاراتي من تحاول أن تقنعني بأن ابنتي صارت فتاة وتقترب من الزواج وسأبقى بعدها وحيدة وإنني في حاجة إلى ظل رجل أحتمي به حتى ولو من القيل والقال وغدر الزمان، ثم إن الرجل نفسه وافق على أن تكون ابنتي معنا إلى أن تتزوج فلم أجد مبرراً للرفض خاصة وأنني تخطيت السابعة والثلاثين وفرص الزواج قد تنعدم عمّا قريب ولا أخفي أنني عانيت كثيراً في تلك الفترة وكنت آمل أن يأتي الرجل الذي يعوضني ويتحمل عني أعباء الحياة والعمل وان أتفرغ لشؤون البيت، وتم الزواج، وليته ما تم، فقد خرجت من حفرة لأسقط في بئر. وانتقل التحقيق إلى الفتاة التي تحولت إلى قاتلة مجرمة رغم أنفها بين عشية وضحاها وقالت لم أكن في الأصل موافقة على زواج أمي ولا أنكر أنني أغار عليها ولا أتخيل أن تكون مع رجل آخر غير أبي حتى لو كنت لا أحبه ولا أطيقه وأخفيت مشاعري تلك ولم أبد رأيي وتركت لأمي الاختيار حتى لا أكون أنانية ولا أظلمها، خاصة وكما قالت لها صديقاتها إنني على وشك الزواج وستصبح بعد ذلك وحيدة في الدنيا وانتقلنا إلى بيت زوج أمي الذي لا يقل سوءا عن أبي، فقد تعطل عن عمله أو بالأحرى لا يهتم به ولا يسعى على رزقه واستمرت أمي في عملها وأصبح الوضع مقلوباً هو يقبع في البيت وهي تخرج للعمل وأصبحت هذه هي القاعدة. شخصية زوج أمي غريبة عجيبة لا علاقة لها ببني البشر، كذاب أشر منافق معلوم النفاق يخالف العهود ولا يفي بالوعود ولا يصدق في قول ولا فعل متوحش مثل حيوانات الغابة، ولم يكن يوماً أليفاً، فقد وجدنا فيه عكس كل ما قدم به نفسه وقت خطبة أمي وبعدما وقع الفأس في الرأس، لم يكن هناك مجال للتراجع واحتملنا وقبلنا مضطرين بالأمر الواقع ورضينا بكل ذلك، لكنه زاد على هذا كله بما ظهر من قاموسه الخاص من الشتائم والسباب والضرب المبرح بلا أسباب فالويل والثبور وعاقبة الأمور لو تأخرت أمي قليلاً في إعداد الشاي أو إحضار الطعام أو توانت في تلبية أي مطلب وإجابة أي أمر. توقفت لغة الكلام بينه وبين أمي وحل محلها لغة الضرب ولا يكاد يمر يوم بهدوء النكد والشجار من جانبه هو سيد المواقف أختبئ في غرفتي ولا أحاول التدخل وإن كنت في الحقيقة أغلي من داخلي، وأرفض كل تصرفاته ووددت لو أن أمي ثارت مرة ورفضت هذا الخنوع وأوقفته عند حده خاصة وأنه ليس الرجل الذي يمكن التمسك به، لكن ما كنت استشعره أنها تتحمل من أجلي لأنني اقترب من الزواج بعد أن تقدم شاب لخطبتي وإذا تم طلاقها الآن، فإن هذا قد يكون سبباً في فسخ خطبتي ويبدو أن زوج أمي كان يستشعر كل نقاط الضعف فينا ويستغلها أسوأ استغلال ويفعل ما يحلو له، لكن في هذه المرة تجاوز كل الحدود وتخطاها، فكان ما حدث بلا تخطيط أو تربص منا فهو الذي قتل نفسه وفي نفس الوقت ضيع مستقبلي وحولني من العرس وقفص الزوجية إلى قفص الاتهام جعلني مجرمة رغم أنفي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©