الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النساء يثبتن قوتهن في ختام المهرجان السينمائي التراثي

النساء يثبتن قوتهن في ختام المهرجان السينمائي التراثي
11 ابريل 2013 21:17
رغم امتعاض بعض الحاضرين من الجو الماطر والعاصف الذي تزامن مع افتتاح المهرجان السينمائي الإماراتي الألماني، واعتبارهم ذلك سوء طالع لازم انطلاقة الدورة الثالثة من هذا المهرجان التراثي الذي اتخذ من «نساء قويات» شعاراً له، فإن امتداد المهرجان اضطرارياً من ثلاثة أيام إلى أربعة ينطبق عليه مثل «رُب ضارة نافعة»، إذ أتاحت لمن تعذر عليه الحضور في اليوم الأول بسبب الطقس إيجاد فرصة مشاهدة الأفلام الجميلة التي اختارها المنظمون لتُعرض في اليوم «الافتتاحي-الختامي». فالأفلام القصيرة «ظاهرة الجمبوعة» و«المخطوف» و«الرحلة» و«العودة إلى البيت»، بالإضافة إلى الفيلم الوثائقي «أم الإمارات: سيرة الإحسان» أثبتت أن من اعتبر مجازاً أن المطر يعيق «نساء قويات» هو محض واهم، فالنساء التي عُرضت سيرهن في آخر أيام المهرجان هن أقوى بطلات الأفلام المبرمجة، سواءً كن فتيات يافعات، أو شابات أو راشدات، ممثلات أو مخرجات. هشام أحناش (أبوظبي) ـ ناقشت الطالبات الإماراتيات موضوع «الجمبوعة» بقوة وجرأة وحرية، وبما يتماشى مع قناعاتهن، وشدَدْنَ انتباه المتفرجين إلى آخر ثانية في الفيلم، بمن فيهم أولئك الذين شاهدوه يوم الافتتاح، ومرة ثانية في يوم الختام، إذ أقر عدد منهم أنهم تمكنوا من فهم ظاهرة «الجمبوعة» أكثر واستمتعوا بهذا المنتج الفني الذي أبدعته جهود ثلاثة طلاب. وفي فيلمها «المخطوف»، رسمت المخرجة الألمانية سارا فينكينشتيتي لوحة من أجمل ما يكون، بطلتها تلميذة متمردة ومشاغبة تخطط لخطف تلميذ ذكي رصين وتنفذ خطتها وتحقق مبتغاها. وبرعت المخرجة هناء مكي بدورها في فيلم «الرحلة» الذي تناولت فيه قضية عاملات البيوت اللاتي يأتين للعمل في الإمارات لتحقيق أحلامهن المادية بالدرجة الأولى، ويمتلكن الشجاعة لخوض تجربة مفتوحة على كل الاحتمالات والمآلات، إضافة إلى سائقي التاكسيات الآسيويين ومعاناة بعدهم عن أسرهم. ومن رحم القوة أيضاً، تنهل المخرجة الألمانية ميكا ماجي وتُلبس بطلاتها رداء قوة متعدد الأوجه والألوان، إذ تنقل قصة كارول التي تفقد حياتها نتيجة تطوعها لإعادة أخت صديقها، وتعرض ملامح قوة شخصية الفتاة المهملة التي ماتت كارول بسببها، والتي لم تتمكن فقط من تجاوز صدمة موت كارول، بل ساعدت أخاها الأكبر أيضاً على التعافي من صدمة فقدان كارول، والتصالح مع أخته الصغرى، بعد أن ناصبها العداء وكرهها منذ الحادثة. وإذا كانت النساء القويات في الأفلام القصيرة هن طفلات ويافعات وشابات نُسجت قصصهن خيالات المخرجات من وحي واقعهن، فإن الفيلم الوثائقي الذي خُتم به المهرجان «أم الإمارات» يلقي الضوء على الجهود الإنسانية والخيرية لسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، فهي بطلة نسجت بنفسها واقع الإمارات وأبناء الإمارات رفقة الشيخ زايد بن سلطان طيب الله ثراه وواقع سكان باقي البقاع التي طالتها أياديها البيضاء، ليأتي يوم نرى فيه طفلات من كوسوفو والهند والبرازيل والعالم العربي يحملن اسم «فاطمة» ويحكين قصة حب عرفنها وفَتَحْن أعينهن عليها منذ ولادتهن. ولعل أكثر المشاهد جمالية وفنية هي تلك القصة التي روتها فتاة كوسوفية وُلدت في مخيم إغاثي أنشأته أم الإمارات، وأيضاً ذلك اللقاء الأول الذي جمع معالي مريم الرومي بأم الإمارات في العاصمة البريطانية لندن، وهي لا تزال صغيرة في صحبة أمها، وذلك قبل أن تحظى بشرف مجالساتها العديدة بصفتها وزيرة للشؤون الاجتماعية. جدل «الجمبوعة» من الجميل أن ينتقل ذلك السجال حول «ظاهرة الجمبوعة» الذي طالما احتدم بين الفتيات الخليجيات وأشقائهن الرجال على المدونات والمنتديات الاجتماعية والبلاكبيري وكيك، إلى فضاء آخر لا يقل أهمية وتأثيراً وهو السينما. فالآراء المتقاربة أحياناً والمتباعدة أحياناً أخرى عن موضة «الجمبوعة» التي أدلى بها من استُطلعت آراؤهم في الفيلم خلقت لدى المتفرج حالة مثيرة تدفعه دفعاً إلى التحيز إلى هذا الجانب أو ذاك، أو الوقوف ما بين المنزلتين، بينما يصعب عليه اتخاذ موقف الحياد، مهما تكن خلفيته الثقافية وجنسيته. وقد نجح المخرج الإماراتي الشاب عبد الرحمن صالح المدني في توظيف إمكانات فنية شتى لخدمة التماسك السردي والوصفي لفيلمه، من بينها الرسوم المتحركة التي صورت ارتفاعات «الجمبوعة» بشكل مرح يجعلها أشبه ببرج، أو سنام جمل أو حتى برج إيفل. قدم المشاركون في الفيلم الوثائقي مقارباتهم الشخصية للجمبوعة، فمنهم من اعتبرها إسفافاً في استخدام الموضة، ومنهن من اعتبرتها خروجاًَ عن أسس اللباس المحتشم وتقاليد المجتمع الإماراتي، ومنهم من ذهب أبعد من ذلك، واعتبره سلوكاً منافياً للشرع والدين، بل وقال إنه لا يستبعد أن يرى ذات يوم جمبوعة تحت غترة الرجل! وبالمقابل، اعتبرته بعض الشابات حرية شخصية وصرعة من صرعات الموضة الخاصة بالشيلة والعباية، موضحات أن ارتداء الجمبوعة لا يعبر بالضرورة عن مدى أخلاق البنت وسلوكها مهما كان ارتفاعه، فهو لا يعدو كونه مظهراً لا يجب الحكم على صاحبته بناءً عليه أو محاكمة سلوكها أو تصنيفها بسببه. ولعل هذا الاختلاف هو أكثر ما أضفى على هذا الفيلم الوثائقي حيوية وإثارة، ولو أنه كان سيكون أجمل لو قُوربت الظاهرة أكثر من وجهة نظر اجتماعية محضة دون الإيغال كثيراً في مقاربتها دينياً، فالغالبية العظمى من الناس يرون في نهاية المطاف أن الجمبوعة هي مجرد موضة عابرة قابلة لأن تتلاشى كما تلاشت صرعات موضات سابقة مع الوقت، ولا يمكن أن تصل بأي حال من الأحوال إلى مرتبة الخطر الذي قد يهدد النسيج المجتمعي. هي ظاهرة ثقافية موجودة لدى بعض فتيات المجتمعات الخليجية وليس كلهن، لكنها قد تبدو مرآة تعكس موقفاً محدداً لمن تلبسه ونظرتها إلى أهمية المظهر والقيم المتصلة به كالتواضع من جهة، ونوع التواصل الذي تبتغي أن يكون لديها مع محيطها اليومي، ما يجعل مثل «أنت ما تلبس» مفهوماً نسبياً لا يحدد بالضرورة طبيعة شخصية البنت الخليجية. رحلة ألماز فيما لا يتجاوز 15 دقيقة، قدمت المخرجة هناء مكي رحلة عاملات البيوت اللاتي يأتين من البلدان الآسيوية والإفريقية من خلال شخصية إثيوبية اسمها ألماز، وأيضاً المعاناة الخفية لسائقي التاكسيات الآسيويين بسبب تشتت أحلامهم وبعدهم عن أسرهم، وذلك في حوار دار بينها وبين السائق رفيق على متن تاكسي من مطار أبوظبي إلى منزل مشغلتها الكائن بمنطقة ليوا. فألماز التي تعرف تماماً معنى اسمها «ماس» تأتي من بلدها الذي درست فيها وعملت فيه سكرتيرة بمكتب وموظفة بمنظمة غير حكومية تختص في الأعمال الخيرية هي فتاة مثقفة ورقيقة وجميلة لا يتجاوز عمرها 20 سنة، وقدمت إلى أبوظبي بالأساس لجمع المال الذي يسمح لها بتحقيق الأحلام التي لم تتمكن من تحقيقها في بلدها وتسافر لزيارة أخيها الذي ربح البطاقة الخضراء وسافر إلى الولايات المتحدة. يشق التاكسي عباب الكثبان الرملية الجميلة المؤدية إلى ليوا، ويفضي حوارهما الذي بدأ بانزعاج السائق من المبلغ الزهيد الذي ستدفعه ألماز له (50 دولاراً) مقابل رحلة طويلة إلى تعبير كل منهما للآخر عن أحلامه وشجونه وذكرياته، وتمرر المخرجة خلال المحطات التي يتوقف فيها السائق أولاً للصلاة ثم في محطة بترول ليستريح، ثم يقدم وجبة خفيفة ومحارم للقادمة الجديدة ألماز الكثير من الرسائل ما بين السطور والقيم والمعاني العميقة التي يمكن إسقاطها على المغتربين جميعاً وعاملات البيوت والسائقين خصوصاً. يحمل كل مشهد فيها رسالة ما عن حلم محطم، أو أمل منشود، أو حنين دفين، لنصل إلى المشهد النهائي الذي تنسى فيه ألماز صورتها في التاكسي وكأنها نسيت حلمها، وتُرجع علبة المحارم الورقية إلى السائق وكأنها تذكره بألا ينسى حلمه، عندما يرجع لها صورتها في منظر استبدالي مؤثر يحمل ألف معنى. ويَخرج المتفرج بتقدير قوة ألماز لاتخاذها قراراً شجاعاً بالعمل عاملة بيت في أبوظبي، وبالتعاطف مع السائق الذي يحرقه الشوق إلى أسرته، ووطنه. ما يجعل الفيلم اختياراً موفقاً جداً ويعكس شعار الفيلم إلى حد بعيد. خاطفة وقبلة هي لوحة فنية رائعة تلك التي رسمتها المخرجة الألمانية سارا فينكينشتيتي بفرشاة طفلين لا يتعدى عمر كل واحد منهما عشر سنوات. ساقت خلالهما قيماً عديدة ومفاهيم كثيرة عن نظرة الصغار إلى بعضهم وإلى شؤون الكبار، والتي تختلف عادة عن نظرة الكبار إليها. ففي قاعة حصة دراسية للرسم والتلوين، تنسج الطفلة المتمردة إيدا خيوط خطتها المحكمة لخطف زميلها النجيب والذكي «هانيس» من أجل تحقيق هدفها والحصول منه على .. قُبلة! فالطفلة إيدا المعروفة بفوضاها العارمة وملابسها الغريبة وتحصيلها الدراسي السيئ هي في الواقع طفلة ذات شخصية قوية جداً، تعرف ما تريد وتدرك كل ما يحيط بها، وربما أكثر حتى من بعض زملائها الذين يعتبرون من قبل الكبار نموذجاً للتلاميذ النجباء. تبدأ حبكة الفيلم بسرقة إيدا أدوات تلوين زميلها المعجبة به هانيس في آخر يوم من أيام الدراسة قبل عطلة نهاية الأسبوع، ما يضطر هانيس إلى البقاء وقتاً أطول في القاعة بحثاً عن أدواته. تراقب حركاته وتنقل فرشاته وملحقاتها المسروقة من جيب بنطالها الخلفي إلى منضدة محاذية لحوض حنفية وتخبره أنها رأت مسروقاته هناك. يهرول مسرعاً لأخذها ثم الذهاب فتوصد إغلاق باب القاعة، يأخذ هاتفه المتحرك للاتصال بمن ينقذه منها فترمي هاتفه عبر النافذة إلى الخارج، وكذلك تفعل بمفتاح قاعة الدرس، تأتي المعلمة لتأخذ من القاعة شيئاً نسيته وتسمع قرقعة وجلبة ما، فتستخدم إيدا قوتها البدنية وتحبس أنفاس مخطوفها هانيس حتى لا يطلب النجدة، إلى أن تترك المعلمة القاعة بعد تلقيها اتصالاً على هاتفها المحمول، لتترك الخاطفة ومخطوفها وحدهما. تطلب إيدا من هانيس أن يشرح لها بعض دروس الفيزياء ويلبي طلبها، ثم يسألها عن سبب خطفه، فتفاجئه بصراحة أنها فعلت ذلك فقط للحصول منه على «قُبلة»، وهو الطفل البريء الذي لم يسبق له فعل ذلك. تتعلم إيدا خلال انتظارها تحقيق هدفها أشياء مختلفة كمتلازمة ستوكهولم التي تصيب الفرد، عندما يتعاطف مع عدوه أو خاطفه عندما يقر لها هانيس أنه بدأ يتعاطف معها ويقدر صراحتها بالتعبير عما تريده منه ويبدأ يشعر بالقرب منها، ويتعلم هو أيضاً أشياء شتى من قوة إيدا وينشرح لشخصيتها المرحة ويتعرف إلى جوانب شخصيتها الجميلة حتى في تمردها وجنونها، لينتهي الفيلم بلوحات فنية جميلة يكون آخر تلك التي رسمتها الخاطفة مع مخطوفها بتبادل صب دلاء أصباغ التلوين على وجهيهما، وحصول الخاطفة طبعاً على مبتغاها .. قبلة «بريئة» ومصادقة أكثر نجباء صفها، بعد أن كان الجميع يرفض صداقتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©