السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وهم الحياد الإعلامي

وهم الحياد الإعلامي
16 يونيو 2010 21:15
مع اطراد التطور التقني الهائل في وسائل نقل الأخبار عبر الفضائيات والشبكات العنكبوتية والصحف الإلكترونية وغيرها، وترافقها مع تطور الأحداث العالمية السياسية والاقتصادية والتربوية، ازدادت الحاجة إلى مهنية نقل الأخبار من كل مكان في العالم، لما لها من تأثير على مناطق النزاعات والصراعات المحتدمة، والتي يدخل الخبر كعنصر فاعل في توجيه تلك الصراعات والأحداث، بل ازدادت الحاجة إلى قراءة طبيعة تلك الأخبار من خلال مصادرها، ولذا كان لا بد من أن تدرس تلك الأخبار عبر أهم مفصل فيها، وهو الجانب المهني وكيفية توجيهها باعتبارها أداة مهمة في مجمل ما يحدث، وهذا ما اضطلع به كتاب”حرب بلا رتوش” في قراءة وتحليل كيفية صياغة أخبار العراق في قناتي الجزيرة والعربية، وهو من تأليف الباحث و الإعلامي العراقي الدكتور فارس الخطاب والصادر عن دار أيلة للنشر والتوزيع في عمان مايو الماضي. الخبر الصحفي يرى المؤلف أن الخبر في الفضائيات لم يعد الخبر الصحفي الذي يعطي وصفاً اعتيادياً لحدث معين يحظى بالاهتمام بل أصبح صناعة مميزة لها سماتها وأساليب عرضها، وهذه الصناعة الصحفية تتفاعل معها اليوم عوامل عدة تساهم في تطور وسائل نقلها إلى المستقبلين وبالتالي تكوين الرأي العام تجاه أي قضية، ولأن عملية جمع الأخبار وإعدادها وتوزيعها دخلت مرحلة مهمة من التطور الذي رافق ثورة الاتصال والمعلوماتية، نجد أن العملية الإخبارية قد تعقدّت تبعاً لعالم مليء بالصراعات المختلفة من أيديولوجية وثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية، تركت آثارها واضحة في نتاج العملية الإخبارية. ويؤشر الكاتب من خلال متابعته الأحداث اليومية وتناول وسائل الإعلام لها إلى أن هناك تبايناً من وسيلة إلى أخرى ومن مؤسسة إلى أخرى في تناول الأخبار وطريقة التعرض لها، فهناك من الصحف ما يتناول خبراً ما في الصفحة الأولى أو يعطيه ملفاً كاملاً، وهناك ما لا يتناوله أصلاً أو قد يشير إليه في بضعة أسطر، كما أن هناك من النشرات الإخبارية الإذاعية أو التلفزيونية ما يهتم بموضوعات محددة ويتبّع سياسة ما في طرح وترتيب الأخبار، وأخرى تخالفها تماماً في التوجه وحتى عرض الصور المرتبطة بالخبر، أي أنه يخضع إلى نوع من التحديد حيث نشاهد صوراً متباينة لخبر واحد من قناة إلى أخرى. الحياد الإخباري وفي موضوع العراق يرى الباحث تحكم السياسة إلى حد كبير باتجاهات الإعلام العربي في تغطيته للأحداث الجارية فيه، وبما أن ووسائل الإعلام تهدف كما يفترض إلى نقل الخبر وليس صناعته وتقديم المعلومة للجمهور بلا تدخل ولا انتقائية إلا أن الكثير يعتقد أن هذه الرؤية غير واقعية فضلاً عن أنها غير عملية فيما يخص أخبار العراق ويعتبر البعض أن معايير مثل الموضوعية والحياد الإخباري تمثل في حقيقة الأمر مجرد وهم أو أسطورة غير قابلة للتحقق. ومع الغزو الأميركي للعراق في مارس (آذار) عام 2003 ثم احتلاله في التاسع من أبريل نيسان من العام نفسه ظهرت أنماط جديدة من أساليب تحرير وكتابة الأخبار الصحفية المتعلقة بالعراق، كما تغيرّت النظرة إلى الخبر الخاص بالعراق وأصبحت عملية إعداده صناعة متقنة ومعقدة تجاوزت الوصف الاعتيادي للأحداث الجارية لتصبح عملية دقيقة لها وسائلها وأساليبها وفلسفتها الخاصة؛ إذ لم يعد الخبر وصفاً لحدث آني يحظى بالاهتمام، بل بات نافذة يطل كل منها برأيه أو لتوظيف اتجاهاته مع أو ضد هذا الطرف أو ذاك أو لصالح هذه العملية أو تلك مما جرى ويجري في العراق خلال سني الاحتلال. ويوضح الكتاب أن الحرب على العراق شكلت ميداناً واسعاً للقنوات التلفزيونية العربية والفضائية تحديداً للتباري وإثبات القدرة والكفاءة وبرزت خلال سنوات الغزو والاحتلال محطات على حساب أخرى. وفي حين اعتبر البعض أن الفضائيات العربية أثبتت وجودها وأصبحت مصدراً للخبر ولم تعتمد على المصادر الأجنبية اعتبر البعض الآخر أن ما حصل هو مجرد إيهام بهذا التحول لأن الفضائيات العربية تبث ما هو متوافر عن الحدث وليس الحدث فعلاً. وتعد نشرات الأخبار الرئيسة من أهم الأدوات التي تعول عليها المحطات التلفزيونية في تغطية أحداث العالم وتطوراتها، كما تعد مصدراً رئيساً للجمهور المتلقي يطلع من خلالها على تفاصيل ما يجري سواء في أوطانها أو في أنحاء العالم المختلفة. ومنذ الغزو والاحتلال الأميركي للعراق فإن أخبار العراق شكلت محوراً رئيساً من محاور نشرات الأخبار العربية، وبالتالي فإن هذه الأخبار تعرضت إلى الكثير من الملاحظات والنقد والاتهامات أيضاً من أطراف عدة حول ابتعاد هذه القنوات الفضائية العربية عن المهنية والحيادية في نقل أخبار العراق. الإيديولوجية الإعلامية ولعل الكثير من المتابعين لأخبار الفضائيات العربية خلال سنوات الاحتلال الأميركي الجاري للعراق يرون فروقات ومتغيرات لماهية الخبر المتعلق بالعراق تحديداً. ويذهب آخرون إلى القول بدعم هذه الفضائية للحكومة أو للفصيل الفلاني أو قوات الاحتلال بما يتنافى كلياً وأخلاقيات مهنة الصحافة وكذلك الحيادية التي يفترض أن توسم الخبر وتعتبر كواحدة من أهم صفاته. ويستخلص الكاتب القول إنه وعلى الرغم من أنه لا توجد عالمياً وسيلة إعلام يمكن الوثوق بحياديتها بنسبة مائة في المائة إلا أن هناك فوارق في مدى استقلالية كل حالة بذاتها؛ فعند المقارنة بين وسائل الإعلام والصحف المستقلة التابعة لأي حكومة ووسائل الإعلام الخاصة من قنوات تلفزيونية وصحف خاصة، سنجد فروقاً واضحة في نسبة الحيادية التي تتمتع بها تلك الوسائل في قول الحقيقة قياساً بوسائل الإعلام الرسمية، التي غالباً ما تكون مصاغة لصالح النظام الحاكم ورؤاه الأيديولوجية لغرض تهيئة الرأي العام دائماً لقبول جميع إجراءاته، والإعلام العربي بشكل عام إعلام حكومي أو مرتهن للحكومة مع استثناءات محدودة، لكن الثورة الاتصالية في العالم غيرت بشكل أو بآخر من خريطة العلاقة بين السياسة والصحافة في العالم العربي، وكان ظهور الفضائيات، ومنها الفضائيات الإخبارية حدثاً مهماً فرض نفسه فيما بعد على مجمل الأحداث في المنطقة، ومنها بالطبع احتلال العراق وتداعياته. إن كتاب (حرب بلا رتوش) يقدم إجابات محددة عن طبيعة المقدم من الأخبار عن العراق في قناتي”الجزيرة” و”العربية” الفضائيتين كنموذج تم اختياره عن الفضائيات العربية ومدى مطابقة هذه الأخبار للمهنية في العمل الإخباري الصحفي، ومدى التزام كل منهما بالحيادية في نقل هذه الأخبار، كما يقدم مؤشرات مهمة عن تأثير الأخبار في الأحداث الجارية في العراق محلياً وإقليمياً ودولياً، وكذلك في إطار السعي إلى ترسيخ القيم المهنية في العمل الإخباري في الفضائيات العربية. النموذج المتقدم في تناوله هاتين الفضائيتين المهمتين على صعيد صناعة الخبر، بوصفهما نموذجاً متقدماً، تطرق الباحث إلى تاريخ قناة الجزيرة الفضائية، الشبكة القطرية - بحسب قوله - التي بدأت بثها عام 1996 بمعدل 6 ساعات يومياً معتمدة على مجموعة من المحررين الذين عملوا في القناة العربية الدولية لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) وبلغ الكادر الوظيفي للجزيرة عند افتتاحها 140 موظفاً وبمجلس إدارة من سبعة أعضاء، خمسة منهم قطريون ومقرها الرئيسي مبنى متواضع في قطر، وتعتبر أول قناة عربية متخصصة بالخبر. ويقول الباحث: “سعت الجزيرة إلى تقديم إعلام عربي ينقل الأخبار بشكل ينافس القنوات الإخبارية الأجنبية، مستعينة بذلك بما امتلكته من تكنولوجيا متطورة وإمكانات كبيرة، وقد وصل رأس مال مشروع إقامة القناة في بدايته إلى 138 مليون دولار، وتطورت القناة حتى صار لها 50 مكتباً خارجياً فاعلاً يعمل فيها أكثر من 80 مراسلاً، بينهم 20 مدير مكتب و 18 مكتباً من هذه المكاتب تعمل في البلدان العربية. أما قناة العربية الفضائية فهي إحدى قنوات مجموعة تليفزيون الشرق الأوسط MBC وتبث من استوديوهاتها في مدينة دبي للإعلام، وقد عبرت عن نفسها عند انطلاقها بأنها “قناة تهدف إلى تقديم وجهة نظر ملايين المشاهدين في المنطقة”، وبحسب دراسة مؤسسة (ابسوس ستات) فإن قناة العربية هي القناة الأولى من حيث نسب المشاهدة في المملكة العربية السعودية. بدأت قناة العربية بثها في شهر مارس 2003 قبيل الغزو الأميركي للعراق ودخل مراسلوها العراق من خلال الحدود المشتركة للكويت، وبدأ مراسلوها نقل أخبار المعارك، وقد خسرت 12 كادراً قتلوا بأيدي الطرفين. وفي معركة الفلوجة 2004 كانت تغطيات العربية واضحة وبارزة حيث حققت سبقاً إعلامياً. مقابل هذا العمل الإعلامي للعربية نرى هناك موقفاً للقيادة العسكرية الأميركية ومجلس الحكم الذي عينته هذه القيادة في حكم العراق إزاء العربية - بحسب فارس الخطاب - وهو أن العربية تعمل لصالح العناصر المسلحة في العراق التي وقفت ضد الاحتلال، إذ قرر مجلس الحكم في أيلول 2003 منع العربية من نقل كل النشاطات الحكومية الرسمية لمدة أسبوعين، وفي تشرين الثاني من العام نفسه قرر مجلس الحكم وقف عمل القناة في العراق بسبب إقدامها على إذاعة تسجيل صوتي لصدام حسين. تحليل النشرات جاءت في كتاب “حرب بلا رتوش” مقولة لدونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي الأسبق “هناك الكثير من الأمور الزائفة ينشرها صحفيون مستهترون ومحطات تليفزيونية مستهترة مثل “العربية” و “الجزيرة” وهذه أمور تترك الشعب العراقي مرتبكاً حائراً لا يفهم ما يحدث في بلاده”. وأعتقد أن مناقشة هذه المقولة كان المفروض أن تعمق أكثر لأنها تقود الباحث إلى اعتبار هاتين الفضائيتين متميزتين معاً خصوصا من قبل رامسفيلد بالذات، أولاً كونهما يمتلكان خطاباً عربياً، ثانياً مع اعتبار قناعة الشعب العراقي بتصديق بما يبثانه من جهة، وعدم تصديق الكثير من القنوات العربية الأخرى من جهة أخرى، لأن مراسلي هاتين المحطتين داخل الحدث. ويطرح الباحث الخطاب آراء أخرى بوصفها انتقادات شعبية تصف تبعية العربية للسياسة السعودية ومحاولتها منافسة الجزيرة، ويذهب الباحث لإدراج رأي ثالث بأن العربية تحاول تحسين صورة أميركا في العالم العربي. ولقراءة هذه الآراء نجد أن الباحث قد أوردها جميعاً كونها متداولة في الشارع العربي ولم يناقش أيها أصوب إذ ظل في حيادية طرح ما تناقلته الشفاه، ولكنه استشهد بنفي عبد الرحمن الراشد مدير العربية لهذه الاتهامات، كما جاء في حوار الراشد مع صحيفة “الخليج”. ولكن كيف تناولت قناتا الجزيرة والعربية الأحداث الساخنة في العراق، وذلك ما حاول الفصل الرابع من كتاب “حرب بلا رتوش” مناقشته عبر تحليل النشرات الإخبارية من خلال عرض أخبار العراق في نشراتهما الإخبارية لتحليل المضمون، وهو أحد الأساليب المعتمدة في البحوث والدراسات العلمية. ويقول الخطاب: “وقد طبقت استمارة تحليل المضمون على 37 نشرة أخبار من قناة العربية، وهي نشرة “الحصاد الإخبارية” ويقابل هذا العدد نفسه على قناة الجزيرة، وكانت السنة المختارة هي عام 2007 لأسباب عدة، منها استثنائية، بسبب أحداث العراق وظهور التشكيلات المسلحة في نصفها الثاني، ومحاولات أميركا استرضاء قوى اجتماعية مؤثرة للقضاء على تنظيم القاعدة، وهي قريبة من ذاكرة العاملين في المحطة كمصدر أخبار شفهي. تحددت أسئلة الباحث أولاً بالإشكال الفنية التي اعتمدتها قناتا الجزيرة والعربية لأخبار العراق عام 2007، والإجابة عليه هي اعتماد المقابلات التليفزيونية أولاً، والتقارير ثانياً والصور المتحركة المصاحبة ثالثاً، والصور الثابتة رابعاً. والسؤال الثاني ما مدى الأهمية التي أولتها القناتان لأخبار العراق من العام نفسه؟ والإجابة عليه تتلخص في فئة الزمن وترتيب الخبر وفئة العناوين، فقد حظيت أخبار العراق بنسبة 15% من زمن النشرة الخبرية وشغل الخبر ترتيباً ضمن المراتب السبع الأولى في أخبار النشرة وفئة العناوين كان خبر العراق ضمن العناوين الثلاثة الأولى. وكان السؤال الثالث ما حدود الموضوعية والتوازن الإخباري في خبر العراق من هاتين الفضائيتين، فكان يعتمد ذلك على فئة الشخصيات المستضافة في الحوارات والمقابلات واللقاءات ومحور الخبر الذي يحدد اتجاه الأخبار في هاتين القناتين.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©