الثلاثاء 7 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رُتَب العشق أو درجاته الإيروسية

رُتَب العشق أو درجاته الإيروسية
16 يونيو 2010 21:16
شغل موضوع الحب وما زال الفلاسفة وعلماء النفس والكتاب والشعراء الذين حاولوا مقاربته واستكناه معانيه ومعرفة أسبابه وتأثيره ولكن دون جدوى. الباحث الإسباني في الفلسفة أورتغا إي غاسيت في كتابه “دراسات في الحب” يقدم محاولة جديدة في مقاربة ماهية الحب وتفسير معناه من خلال بحث سيكولوجي وظاهراتي معا. وهو يشير منذ البداية إلى جانب هام في البحث يتعلق بعدم اقتصار الدراسة على الحب الذي نشعر به بعضنا نحو بعضنا الآخر رجالا ونساء لأن الموضوع أوسع من ذلك بكثير، ولأن الغراميات تتدخل فيها عوامل عديدة تعقد سيرورتها. لذلك يطالب بفصل الحب عن الرغبة لأن الرغبة في شيء هي ميل إلى امتلاك هذا الشيء، وعندما نمتلكه فإن هذه الرغبة تموت وتتلاشى عند إشباعها. أما الحب الذي يشبه في بدايته الرغبة فإنه يتجه بفعالية نحو المحبوب أي السير باستمرار على شكل حميم من كياننا باتجاه كيان الغير. وبعد محاولته تعريف الحب يعمل على تحديد الفرق الأساسي بين الحب والبغض اللذين لهما الاتجاه نفسه وهما قوتان نابذتان أيضا، إلا أنهما يحملان في داخل هذا الاتجاه معنى مختلفا وهدفا معاكسا، ففي البغض يتم الاتجاه نحو الموضوع بشكل مضاد له وبمعنى سلبي، وفي الحب نكون متحدين مع الموضوع، وفي البغض نكون بعيدين عنه ونشعر بالهوة بيننا وبينه. سيكولوجيا الرجل الجذاب الفصل الثاني مخصص للحديث عن شخصية الرجل الجذاب فينوه منذ البداية إلى مدى الشعور بالسرور الذي يحس به الرجل عند سماعه لوصف امرأة له بأنه رجل جذاب. ولتحليل هذه الظاهرة ينطلق من قاعدة أن للنفوس أشكالا مختلفة ندركها من خلال المظهر المتنوع الحميم للأشخاص بوضوح أقل أو أكثر حسب نباهة كل شخص. كما أن معرفة حقيقة الحب لا يمكن للمحب المستغرق فيه أن يدركها، بل هو يحتاج إلى مسافة تفصله عنه كي يستطيع الحديث عنه. ثم ينتقل للحديث عن الحب ( العشق) الذي يراه أنموذجا وقمة جميع أنواع الإيروسية، فهو يحتوي على عنصرين هما: شعور المرء بنفسه مفتونا بكائن آخر فيحدث وهم أمل “كامل”، وشعور بأنه يمتصنا حتى جذور شخصنا وكأنه انتزعنا من أساسنا الحيوي ذاته، بينما يسيطر عليه شعور بالاستسلام الجسدي والروحي لمن يحب. ولذلك فإن امتصاص المحبوب للمحب سببه الافتتان، أما في الانجذاب الجنسي، فإن الجسم هو الذي يثير الشهوة أي أن الموضوع هو الذي يثير الرغبة. وفي الهوى لا يوجد استسلام حقيقي إذ يرى الباحث فيه تدهورا في نفوس دنيا. ويحدد شروط العشق في ثلاث رتب هي مكونات الحب الكبرى، أولها شرط الإدراك أو رؤية الشخص الذي سيصبح محبوبا، وثانيها الانفعال الذي به نستجيب عاطفيا لرؤية المحبوب، ثم شروط تكوين في كياننا حيث يشكل هذا الشعور شخصنا. والحب الذي ينبع من ينبوعه النفسي الكامن في صفات المحبوب، يشكل حضور هذه الصفات عند المحب مولدا للحب ومغذيا دائما له. الحب عند الفلاسفة يتعرض الباحث أولا لمفهوم الحب عند ستندال الذي يرى أن الحب وهم في الأساس ليس لأن الحب يخطئ الطريق أحيانا، ولكن لأنه في جوهره خطأ فنحن نعشق عندما تسقط مخيلتنا على شخص ما كمالات غير موجودة فيه. لذلك يرى أن نظرية البلورة التي قال بها ستندال هي نظرية مثالية تجعل من الموضوع الخارجي مجرد إسقاط من الذات. وعلى العكس منه كان شاتوبريان الذي كانت تجربته مختلفة إذ رغم امتلاكه القدرة على إثارة مشاعر الحب الحقيقي إلا أنه كان عاجزا عن الحب، وجاهلا لطراز الحب الذي يبقى فيه الكائن مرتبطا وللأبد ارتباطا كليا بكائن آخر. وصاغ أفلاطون فكرته عن الحب على أساس أن في كل حب رغبة في اتحاد من يحب بكائن آخر يبدو مزودا بكمال ما. وسواء كان هذا التميز حقيقة أم متخيلا فإنه لا يغير أدنى تغيير من كون الشعور الإيروسي لا يحدث فينا إلا بموجب شيء نعده كمالا. فالحب هو الشعور بالافتتان، ثم هو يدفع باتجاه الوحدة مع الشخص موضوع الافتتان. ويذهب الباحث إلى القول إن أيديولوجيا الأزمنة الحديثة فقدت مفهوم الإلهام الكوني وصارت علمية نفسية حيث تفنن علم نفس الحب بمراكمة حلول دقيقة إلى هذا الوجه الكوني والأولي للحب. إن ما يعشق هو سحر وفتنة دائما. وهناك شبه بين العشق والتصوف الذي يحفل بالكثير من المفردات الجنسية، بينما العاشق يميل إلى استخدام مفردات دينية، فالحب عند أفلاطون هو هوس ديني. كذلك فإن التصوف من حيث آليات عمله النفسية يشبه الحب فكل من يحب يحب الحب ذاته والصوفيون في كل الأزمنة قالوا الأشياء ذاتها، كما أن التصوف ظاهرة من ظواهر الانتباه. الاختيار في الحب إن الكائن الذي يفصح في لحظات ومواقف عن قسم كبير من دخيلته يكشف عما يكون هو حقا، والحب هو أحد تلك المواقف التي يتجلى فيها جوهرنا لأن الحب هو قوة تطلع من أعمق ما تحت أرض شخصنا. ويبين الباحث أن الحاجة إلى الحب تعتبر من أعمق الحاجات ولا يوجد شيء أشد حميمية منها سوى الشعور الجذري الذي نمتلكه عن الكون. أما الجاذبية التي تمارسها المرأة على الرجل وتكاد تكون نداء توجهه الغريزة إلى المركز العميق من شخصيتنا لا يتبعها جواب، لكنه قد يصبح حوبا إيجابيا إذا انبثق من المركز الشخصي شعور بالتعلق بما جذب محيط حساسيتنا. ولعل الولوع هو الحب الذي يفعل فعله في الانجذابات المحسوس بها، إذ هو يتميز بخاصية قيامه باستبعاد القسم الأكبر من الانجذابات والتركيز على واحد منها من خلال عملية الاصطفاء التي تحدث في منطقة الغريزة لأنه من حب ليس فيه من الجنس شيء، وبذلك يكون الحب بماهيته ذاتها اختيارا ينبع من مركزنا الشخصي ومن أعماقنا الروحية بينما يمثل الاصطفاء الأولويات الأعمق والأخفى التي تشكل طبعنا الفردي. ويتناول المؤلف دور التفاصيل التي تظهرها أسارير المحب وتعابير وجهه لأنها العنصر المعبر أعظم تعبير عن كياننا الشخصي الحقيقي. كما يتناول تاريخ الحب وتطوره باعتبار أن الشعور بالحب شيء إنساني له تاريخه وتطوره وهو ما يجعل لكل عصر أسلوبه في الحب، ويجعل كل جيل يعدل بهذه الدرجة أو تلك نظام الحب السابق لكنه يكون جد ضعيفا ويمكن اعتبار الحب الرومانسي كما يرى الباحث أحد أكثر الإبداعات إيحاء في التطور البشري.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©