الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القصيدة العربية.. من منابرها

القصيدة العربية.. من منابرها
16 يونيو 2010 21:16
عن المطبعة والوّراقة الوطنية في مراكش، صدر كتاب الباحث والأكاديمي المغربي علي المتقي تحت ميسم “القصيدة العربية المعاصرة بين هاجس التنظير وهاجس التجريب”. وقد جاء هذا الكتاب بمقدمة ومدخل وأربعة فصول، وهو في 315 صفحة من الحجم المتوسط وبلوحة غلاف من إبداع الفنان المغربي مولاي حسن حيضرة. ويندرج هذا العمل ضمن بحوث النقد التطبيقي. ويتوخى مقاربة متن شعري معاصر بغية الخروج بمجموعة من الخلاصات تكون منطلقا لإعادة كتابة تاريخ الشعر العربي المعاصر على أسس علمية وموضوعية. ذلك أن معظم الدراسات النقدية المعاصرة التي أرخت لهذا الشعر على قلتها حسب الأستاذ علي المتقي “تنطلق من تصورات نظرية قبلية، وتتوسل مقاييس خارج نصية تقوّم من خلالها هذا الشعر وتحكم له أو عليه. فإما أن يكون الباحث محافظا فيرفض كل تجديد، ويعلن ألا شعر إلا الشعر العمودي، ولا عروض إلا عروض الخليل. فينفي بإعلانه هذا عن الشعر العربي المعاصر شعريته وأصالته وجدته. وإما أن يكون هذا الباحث مهووسا بالحداثة الغربية إلى حد الجنون، فينفي عن الشعر العربي العمودي ما نفاه غيره عن الشعر العربي المعاصر، ويحمّل العروض الخليلي وعمود الشعر العربي كل أسباب الركود والتخلف والانحطاط التي ألصقت بالشعر العربي، فينادي بإعلان القطائع تلو القطائع مع التراث حتى ننخرط في صلب الحضارة العالمية. وبين هذا وذاك، قد يكون الباحث شاعرا أو ناقدا منتميا إلى هذا الاتجاه أو ذاك، فيجعل من نفسه ومن اتجاهه فارس الشعر العربي الحديث، وما سواه مجرد تابع أو مقلِد”. ويرى المتقي في توطئنه للكتاب أنه “ما من شك في أن التراكم الناتج عن خمسين سنة من هذا الشعر، وخفوت حدة الانفعالات الأولى، وانطفاء شعلة الانتصار من أجل الانتصار، أو المعارضة من أجل المعارضة، كل هذا يسمح بالعودة إلى المراحل الأولى من عمر هذا الشعر قصد إعادة تقويمها”. كما يشير المتقي إلى انه تبنّى في هذه الدراسة التصنيف المنبري دون غيره من التصنيفات. وهو تصنيف اعتمده في بحث دبلوم الدراسات العليا في دراسته لديوان مجلة الوحدة، وذلك توخيا لهدفين اثنين: هدف علمي يتجسد في إغناء التصنيفات الشعرية التي عرفها ويعرفها تاريخ الشعر العربي قديمه وحديثه بتصنيف آخر يحاول تجاوز معظم الانتقادات التي وجهت للتصنيفات القطرية والعقدية. كما يتجاوز التصنيفات غير الفنية التي حكمت تاريخ الشعر العربي القديم، وذلك بتحليله للنص الشعري، واعتماد خلاصاته مقياسا للتصنيف دون أن يعني هذا كله أن التصنيف المنبري بديل للتصنيفات السابقة. وهدف قومي يتجسد في المساهمة في ردم تلك الهوة العميقة التي حفرها ويحفرها العديد من دارسي الأدب الذين جعلوا من الخصوصية القطرية شغلهم الشاغل ومركز اهتمامهم الأول والأخير، مع العلم أن الشعر العربي لم يعرف في أي مرحلة من مراحل تاريخه الطويل قطيعة بين أجزائه، بل كان شعرا عربيا سواء أقيل بالشام أم بالعراق أم بالمغرب والأندلس... تجمع بين نصوصه – مهما تعددت اتجاهاتها وأغراضها، وتعارضت مواقفها السياسية والدينية والفكرية – مجموعة من الأدوات الفنية الموروثة. فقد وظف العروض الخليلي والقافية الموحدة وعمود الشعر العربي. ولم يكن أبو تمام أو أبو الطيب المتنبي شاعر قطر من الأقطار دون آخر. أما حديثا، فقد عانى المجتمع العربي من المحيط إلى الخليج ويلات الاستعمار، كما عانى من احتلال فلسطين وهزيمة 67، ومأساة الحرب الأهلية اللبنانية، ومجازر جنوب لبنان وحروب الخليج، وكتب شعراؤه عن همومهم بلغة واحدة، ووظفوا أدوات الشعر العربي القديم والأشكال المتطورة عنها. فأين يكمن الاختلاف إذن؟ أفي مكان الإبداع؟ أم في جنسية صاحبه القطرية التي يرفضها من أعماقه ليتبنى هويته القومية؟ ولاشك أن ما يجمع بين أحمد المجاطي وعبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور وبدر شاكر السياب، وهم شعراء من أقطار مختلفة، أكثر مما يجمع بين بنيس وحسن الأمراني وأحمد المجاطي، وهم جميعا ينتمون إلى قطر واحد. إن هذا التصنيف- يضيف المؤلف - تصنيف جغرافي لا يمت إلى الشعر بصلة، ويتغير بتغير الخريطة القطرية العربية. من هنا، فهو تصنيف خارجي. ويجد التصنيف المنبري مبرره الموضوعي بالإضافة إلى هذه الانتقادات في أن أغلبية، إن لم نقل كل نصوص الشعر العربي المعاصر منذ بداية الخمسينيات إلى اليوم، تم نشرها في منابر ثقافية قبل أن تجمع في شكل دواوين أو أعمال كاملة تجمع بين ركام من القصائد قيلت في فترات متباعدة، ونشرت في مجلات مختلفة ومتعارضة أحيانا. وبذلك يبقى المنبر الثقافي الذي يختاره الشاعر لينشر نصا شعريا على صفحاته – إذا كان منسجما مع مبادئه وتوجهاته الفكرية والفنية – هو المقياس الأكثر صلاحية للتصنيف دون نفي مقاييس أخرى ممكنة.” المنابر وقد اختار الباحث علي المتقي “منابر إبداعية ثلاثة ظهرت مع بداية الشعر العربي المعاصر وواكبت تطوره. وكان لكل منها تصور فني وإيديولوجي واضح. وساهمت في التعريف بهذا الشعر والتنظير له. وهي: مجلة الآداب البيروتية، ومجلة شعر اللبنانية، ومجلة الثقافة الوطنية اللبنانية. ويجمع النقد الحديث على أن هذه المنابر الثلاثة هي التي أرست قواعد الشعر المعاصر ومبادئه تنظيرا وممارسة”. ولارتباط الشعر العربي الحديث خاصة بالتنظير، فقد خصص “القسم الأول من هذا البحث لتتبع أسسه النظرية، إن في بعدها الفلسفي الذي اهتمت به الفلسفة والنقد ونشرته هذه المنابر، أو في بعدها الفني الذي اهتم به الشعراء خاصة، وفصلوا فيه القول”، كما خصص القسم الثاني للممارسة النصية متتبعين مكوناتها البنائية الإيقاعية والتركيبية والبلاغية والرؤياوية”. المتن وقد اختار المتقي “متنا شعريا يتكون من ستة دواوين هي: “شظايا ورماد” لصلاح عبد الصبور، و “سفر الفقر والثورة” لعبد الوهاب البياتي، و “أغاني مهيار الدمشقي” لأدونيس، و”البئر المهجورة” ليوسف الخال. وهي دواوين تنتمي إلى المرحلة الأولى من مراحل تطور الشعر العربي، أي مرحلة الخمسينيات وبداية الستينيات. وسيلاحظ الباحث أن هؤلاء الشعراء يمثلون اتجاهات أدبية وإيديولوجية مختلفة: الاتجاه القومي الليبرالي (نازك الملائكة ونزار قباني)، والاتجاه الواقعي الاشتراكي (عبد الوهاب البياتي وصلاح عبد الصبور)، والاتجاه الحداثي (أدونيس ويوسف الخال). وهو اختيار مقصود يرى المؤلف انه توخّى من خلاله الإحاطة بمبادئ وتجريب كل الاتجاهات. كما سيلاحظ أنهم جميعا من الشعراء المنظرين الذين خلفوا كتبا تنظيرية وأسسا إبداعية، وهذا يسمح لنا بملامسة التجربة الشعرية الحديثة تنظيرا وإبداعا. ولعل هذا هو السبب الذي جعل المتقي “لا يدرج بدر شاكر السياب ضمن شعراء المتن. فقد كان أحد أعلام هذا الشعر الذي ارتبط باسمه، إلا أن كتاباته ورسائله القليلة لم ترق إلى مستوى الكتابة التنظيرية، لأن العمر لم يسعفه في الكتابة عن تجربته على نحو ما فعل زملاؤه الرواد”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©