الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فاس تتوهج بـ «دبلوماسية الموسيقى»

فاس تتوهج بـ «دبلوماسية الموسيقى»
16 يونيو 2010 21:17
مدائح صوفية من تركيا والشام وإيران وزنجبار، وترانيم هندوسية من الهند وكمبودبا وماينامار، ورقصات أفريقية من بروندي وبينين، وموسيقى شعبية من أفغانستان وفرنسا وأميركا.. عزفٌ بالأوتار وقرع على الطبول وضرب على الدفوف.. هكذا عاشت مدينة فاس بالمملكة المغربية على مدى تسعة أيام من الدورة السادسة عشرة لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة الذي انطلق هذا العام من 4 حتى 12 يونيو الجاري. أكثر من 35 فرقة و750 فناناً من مختلف دول العالم احتضنهم المهرجان الذي حمل شعار “مدارج الكمال في تزكية النفس”، وتم اختيارهم بعناية لأنهم يقدمون فناً فيه “إدراك الكون، واستشفاف الآخر ووعي الذات مع الولع الروحاني! “لتجسّد مجتمعة شعار الدورة السادسة عشرة بحسب محمد القباح رئيس المهرجان. على خشبات المسارح في المدينة القديمة، قدمت الفرق عروضها الفنية التي تابعها ما يقارب من 130 ألف شخص قدموا من مختلف الملل والمشارب، وفقاً للدكتور عبدالحق عزوزي مدير عام المهرجان، ليحقق هذا الحضور الكبير هدف القائمين على المهرجان في “إرساء ثقافة الحوار وتكريس الاحترام المتبادل بين الحضارات والحفاظ على تنوع الأشخاص والثقافات”. لم تستطع لغة أن تجمع ثقافات العالم مثل الموسيقى، فهو لغة الجميع والكل يتفق عليه وعلى قدرته في توحيد الرؤى وإيصال الفكرة والتعبير عن هوية وحضارة الآخر، في زمن غلبت عليه الصراعات وهيمنت عليه الماديات، ليأتي هذا المهرجان “لتنمية القدرة على فهم الآخر والدخول معه في علاقة يميزها التسامح والاحترام. إنه أمر ضروري تمليه الفكرة والعقل السليم”، بحسب عزوزي مدير المهرجان. الدبلوماسية الروحية وأضاف عزوزي، أن هذه التظاهرة، نجحت في جمع العديد من المشاركين من مختلف القارات والديانات، من خلال لغة موحدة هي لغة الموسيقى الروحية، لذلك استحقت اختيار منظمة الأمم المتحدة للمهرجان كواحدة من بين الأحداث السبعة الأكثر تجسيداً للسلم في العالم، ويعمل على إرساء نوع من “الدبلوماسية الروحية”. في اليوم الأول، استفتحت المهرجان الأميرة للا سلمى قرينة العاهل المغربي الملك محمد الخامس، وتابعت بحضور ما يزيد عن 3 آلاف و200 شخص في “باب المكينة” عرضاً لباليه ملكي من كمبوديا، وهو عرض عنائي راقص تؤديه فتيات في غاية الأناقة ويعكس تقاليد الهند البرهمانية ويحكي حياة الآلهة في الديانة الهندوسية التي ما تزال حاضرة في الفنون الآسيوية. وعلى مدى أيام المهرجان التسعة، توالت العروض الفنية للفرق المشاركة في مواقع مختلفة من المدينة القديمة، وتفاعل معها الجمهور هتافاً وتصفيقاً وتصويراً، وكانت تبدو عليهم علامات الطرب من الأداء رغم عدم معرفة معظمهم لغة الغناء أو الإنشاد، ولكن رسائل الفنانين كانت تصل الروح والفؤاد مخترقة حاجز اللغة واختلاف الشكل واللون والثقافة.. وما إن كانت الفرقة تنهي فقرتها حتى يهب الجميع وقوفاً لتحية الفرقة على حسن الأداء.. وهو ذاك الهدف الذي يصبوا إليه القائمون على المهرجان! وأكد فارس هلال، صحفي مصري مقيم في تونس، وحضر المهرجان لعدة دورات سابقة، أن المهرجان هذا العام يتميز بشمولية ومشاركة أكثر تنوعاً، وحضوراً قوياً لفرق لا نعرف الكثير عن الدول التي أتت منها. ويضيف هلال: “هذا المهرجان جعل من الفن والموسيقى الروحية النافذة التي نطلّ من خلالها على الآخر الذي لا نفهم كثيراً عنه، بدلا من نشرات الأخبار التي غالبا ما تنقل الصراعات والحروب والصور السلبية”. الاحترام المتبادل كما أكدت فرح أنور بانديث، الممثلة الخاصة للجاليات المسلمة لدى حكومة الولايات المتحدة الأميركية، أن مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة يرسخ لمفهوم حوار بين الحضارات قائم على الاحترام المتبادل. وأعربت المسؤولة الأميركية، خلال لقاء مع الصحافة على هامش المهرجان عن سعادتها للمشاركة في “هذه التظاهرة الغنية بالرموز التي يمكن أن تنهض بالسلم في العالم”. وأعطت بانديث، التي عينت ممثلة خاصة للولايات المتحدة للجاليات المسلمة بوزارة الخارجية الأميركية في يونيو 2009، لمحة عن مهمتها المتمثلة في تطبيق نظرة الرئيس الأميركي باراك أوباما إزاء العالم الإسلامي، مؤكدة أن هذا النظرة قائمة على “الاحترام المتبادل”. حفلات وليالٍ ونظم في إطار المهرجان العالمي للموسيقى العريقة 60 حفلا موسيقيا أقيمت كل يوم ابتداء من الساعة الرابعة بعد الظهر وإلى غاية ساعة متأخرة من الليل. وتضمن برنامج المهرجان سبع ليال صوفية موسيقية تحييها فرقة للاَ رحمون البقالي للحضرة الشفشاونية، والطريقة الجيلالية، والطريقة السحيمية، والجمعية الربانية الإسماعيلية للطريقة القادرية، والطريقة العيساوية بمدينة مكناس، والطريقة الصقلية، والطريقة التواتية الوزانية. كما تمت في إطار “مهرجان المدينة” الذي يقام بالموازاة مع مهرجان فاس العالمي للموسيقى الروحية برمجة أكثر من ثلاثين حفلاً موسيقياً لفنانين كبار مثل رويشة، ونجاة عتابو، والستاتي، ولآخرين من الجيل الجديد مثل مجموعات ألما، وكازا كرو، وسامي راي، ونوري. لقاءات ثقافية شارك ما يقارب من 40 مثقفاً في “لقاءات مدينة فاس” الخمسة المنظمة بالموازاة مع مهرجان فاس العالمي للموسيقى العريقة، ومنهم فلاسفة، ومؤرخون وعلماء أنتروبولوجيا، وعلماء اجتماع، وخبراء في الموسيقى ورجال إعلام. كما قام حوالي 200 صحفي من بينهم صحفيون أجانب من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وألمانيا وهنغاريا والولايات المتحدة وكندا وتونس ومصر ومن بلدان خليجية بتغطية المهرجان. فاس حضارة عمرها 12 قرنا تحمل فاس إرثاً حضارياً يقارب 12 قرناً حيث شيّدت على يد إدريس الأول، ثم واصل ابنه إدريس الثاني بناءها وذلك ما بين 789 و808م وكانت عاصمة لدولة الأدارسة. واستقبلت فاس الأندلسيين والقرويين وأثر ذلك في ثقافتها ومعمارها وغناها، كما عاش فيها اليهود لاحقاً وبنوا فيها دور عبادتهم. وأتى بناء جامع القرويين بأمر من فاطمة الفهرية ليزيد مكانة فاس العلمية والحضارية تألقا فصارت محجا لطلاب العلم من أوروبا ومن العالم الإسلامي، ومركزاً للقاء والتبادل. بعد الأدارسة وبعد أن توالت على المغرب خلافات عدة عادت فاس كعاصمة للمغرب في ظل الدولة المرينية فعرفت عصراً مشرقاً وبهياً بكل ما شيد بها، حدائقها وأسوارها وقصورها. اختيرت هذه المدينة المغربية من طرف اليونسكو كموقع من مواقع التراث العالمي وتنظم بها عدة تظاهرات ثقافية ومهرجانات من أهمها مهرجان للموسيقى العالمية العريقة والروحية. وقد تأسست مؤسسة روح فاس المنظمة لمهرجان الموسيقى الروحية العريقة سنة 2006، وتهدف إلى إبراء صورة مدينة فاس كمنارة ثقافية حضارية في المغرب العربي وكمركز للسلام والحوار، وكذلك تشجيع التنمية البشرية وتقوية السياحة الثقافية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©